د. سامح درويش - في مديح القبح

( مرثية للجمال )

كان لونُ ثيابِ الثرى
أخضراً سندسيَّاً
له رونقٌ يبهج القلبَ
– من خصبه – . . . و البصرْ
و السماء لها زرقةٌ ، من صفاء ،
إذا ما أتاها النهارُ
. . . و في الليل
تأتلقُ الأنجمُ الزُهْرُ
لألاءةً تزدهرْ
و القلوبُ . . . قلوبَ بَشَرْ
ملؤها الحب
و الطيبةُ المستمدةُ
من هذه الأرض و الخصبِ
من جَرَيانِ النَهَرْ
كانت العين
تلمح حُسْناً بهيَّاً
و لوناً تناسقَ
و الأذْنُ تسمعُ لحناً شجيَّاً
و صوتاً تسامقَ
و النسماتُ
مُحَمّلَةً بهواءٍ عَطِرْ
آه ياللجمال الذي كان
منحةَ ربٍّ
و صنعَ بَشَرْ
**********************
الزمان يمر
فهل شاخَ فيك الجمالُ
– أيا وطني –
وغدا يُحْتضرْ ؟ !
مذ خبا قمر العدلِ
إذ خبأته غيومٌ من الظلمِ
و الصدق تحت تراب الأكاذيبِ
و الجدب يغتال خصب الحقولِ
و ضوء الحقيقة
يخبو بليل الأراجيف و الزيف . . .
. . ماذا أصابكَ يا وطناً ينتحرْ ؟ !
*******************
الغيوم الكثيفة لا تحجبُ القيظَ
تلك الغيومُ الثقيلةُ
حبلى . . .
و لكن بغير المطرْ
و رمادك ليس يخبئ جمرَ الخطرْ
و الضجيج علا
صَخَباً فوضويَّاً
لكي يتوارى الغناءُ الجميلُ
و وقعُ الوَتَرْ
و الدُخَانُ الكثيفُ له نَفَسٌ خانقٌ
و التلوث في كل شيئٍ
. . . زحامٌ ترنَّحَ مثل الهلامِ
و أقبح قبحٍ
أناسٌ تظنُّهمُ بَشَرَاً
قد رموا بَشَرِيَّتَهمْ
و قلوبهمُ من حَجَرْ
و عقولهمُ غُيِّبَتْ بالخَدَرْ
و انطفى ألقُ الأخضرِالسندسيِّ
أمام هجوم الرماديِّ لمَّا فَجَرْ
كيف تألفُ عيناك
وشماً قميئاً
على جسد الوطن المتآكل بالقيحِ
و العفن المستعرْ ؟ !!
كيف تألف عيناك
ما قد ألِفْتَ من القبح ؟
و الأذن تألف
ما قد ألفتَ من الصخب المستفزِّ ؟
و تألف ريح القمامة
. . . منظرَها
كتلالٍ من الدمن المثقلات بكل قذرْ
********************
أيها القبح
صرتَ لنا عادةً
و رفيقاً اليفاً
. . . . . . . .
. . . و لم نتَأَفَفْ ! ! !
. . . . . .
لتعْلُ على كل حُسْنٍ
لتعْلُ
. . . . .
لك المجدُ – يا قبحُ –
في وطنٍ صار ينفي الجمالَ
و يقتلُ ما قد تبقَّى له
من أَثَرْ ! ! !



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى