أمل الكردفاني- أدب غير قابل للقراءة

من النادر لمن تجاوز الخامسة والعشرين -على عكس ما يشاع- أن يتمكن من إكمال قصة قصيرة، ناهيك عن رواية أو مسرحية طويلة. المراهقون هم الأكثر قراءة -في الزمن ما قبل الانترنت- وخاصة روايات الآكشن والحب (عبير ورجل المستحيل)..الخ.
هناك مرحلة سنية يغلب فيها عدم القدرة على القراءة إلا لقلة من الناس تدفع نفسها دفعاً لذلك من أجل أغراض مختلفة. في ذات الوقت، هناك كم كبير من الانتاج الأدبي، والذي غالباً ما يتم ركنه على الأرفف، وقليل منه يتم تصعيده إلى الواجهة بفعل فاعل، أي عبر المؤسسات المسيطرة على الدعاية والإعلام -أياً كانت دوافع تلك المؤسسات. حتى الأدباء أنفسهم لا يقرأون الأدب إلا لعينة تعبر عن أنساقهم الأدبية -نفسياً- وعلى مضض. إذا فهناك حالة ركود أدبي عالية حيث الإنتاج أضخم من الاستهلاك.
وهنا تقف مسألة مركزية حاسمة في فكرة الاستمرارية في الإنتاج، وهي الشغف واللا قدرة على التغيير، أو كما قال صنع الله ابراهيم: (نحن معندناش حاجة غير نكتب). فلا مناص من الاستمرارية حتى ولو كانت لا تطعم خبزاً.
هناك كتاب صغار في السن، لا يملكون الكثير من الموهبة ولكنهم يملكون الكثير من الشغف، وبالتالي سيتطورون مستقبلاً، وأنا أراهم وقد تعايشوا أكثر منا نحن العجائز مع المفاهيم الرأسمالية الحالية. إذ أنهم بدأوا في الاستفادة من وسائل التواصل الرقمي لتسويق منتجاتهم، وتبادل الخبرات التسويقية، أي أنهم نشأوا -أكثر نضجاً منا- وهم يفهمون العلاقة التلاحمية بين الأدب (كنشاط مثالي) وبين قوانين السوق، وهذا ما فهمناه نحن متأخراً،، بل متأخراً جداً.
فالأدب عموماً -وفي الأصل- غير قابل للقراءة، لكنه قابل للمشاهدة (مسرح، سينما، تلفزيون). وهنا يفقد الكثير من قيمته لأن السيناريو ليس أدباً بل منهج وظيفي، والأدب ليس منهجاً وظيفياً، وإن كانا يتكاملان داخل الشاشة أو المسرح. لكن الأدب شيء والسيناريو شيء آخر. حتى المسرح كنص شيء وكتطبيق شيء آخر، وإن كان قريباً جداً من السيناريو وقريباً جداً من الأدب المحض.
الذكاء التسويقي:
العالم كله يتجه نحو التسويق، والبعض ممن درسوا التسويق لا يعرفون أهمية ما درسوه.
فعلى سبيل المثال- نحن لسنا وحدنا الشعوب الحاسدة- فالخواجات أيضاً حاسدون، لقد قرأت أحد المؤلفات الأمريكية التي يطعن كاتبها في مؤلفات كاتب آخر، وكان هذا الأخير قد نال شهرة واسعة في مجال علم الإجرام، ولأول مرة أقرأ طعناً شخصياً في كتاب قانوني، إذ قال الطاعن بأن المؤلف تم رفده من البوليس بعد ثبوت فشل برنامجه، واستمر في طعنه الشخصي بلا هوادة. وبالفعل كنت حتى قبل أن اقرأ هذا النقد الذي بدا لي حسوداً أكثر مما يجب- كنت قد كونت رأياً سلبياً حول برنامج ذلك الشخص، غير أن الكاتب الحسود بدأ يتساءل عن الشهرة الزائفة التي نالها غريمه.
الشهرة الزائفة -أشار باسكال بونيفاس لذات النقد من زاوية سياسية- لم تقتصر على المؤلفات والنظريات والاختراعات، بل امتدت لتشمل السياسيين والمناضلين والمطربين والممثلين والشعراء والروائيين..وهي كلها ناتجة عن التسويق الإعلامي، الذي أصبح علما يتكامل مع باقي العلوم (الطبيعية والاجتماعية)، لتحقيق أقصى فائدة من الدعاية وبالتالي يسيطر على اتجاهات المستهدفين وذائقتهم وقدراتهم النقدية.
لذلك فالكتاب الصغار -الذين التقيتهم في صفحات الفيس بوك- امتلكوا فهماً مبكراً لقضايا هامة، أولها أن الأدب عموماً غير قابل للقراءة إلا استثناءً، ويعلمون أن هذا الاستثناء يجب صناعته بل وخلقه من العدم، ويربطون بين الأدب المثالي والفكر المادي عبر عقل أداتي. ورويداً رويداً سيطورون فهمهم عبر دراسات خاصة بقياسات التوجهات النفسية، ويبدأون في تطوير الأدب التجاري، والذي بدأ ببطء خلال العشرين سنة الماضية بتتبع قواعد الجوائز العالمية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى