بروفيسور لطفي منصور - أُمَوِيّون

بنو أُمَيَّةَ كانت لهم مكانةٌ عظيمَةٌ بَيْنَ العرَبِ، وفِي مَكَّةَ خاصَّةً ، كانَتْ تضاهي، ولربّما زادت، مكانةَ بني هاشمٍ في الجاهليَّة وفِي القرنِ الأوّل الهجري. كانوا يُدْعَونَ في الجاهليّةِ "أهلُ الشّرَفِ والرِّئاسَةِ" بين العرب. وهؤلاءِ أشهرُ رجالهم:

عَبْدُ شمس بن عبدِمَناف بنِ قُصَيِّ بنِ كلاب.
أُميَّة بنُ عبدِ شمس.
حَرْبُ بنُ أُمَيّةَ.
صَخْر بن حَرْب وهو أبو سُفيان
معاويةُ بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية.
صَدَقَ المستشرق يوليوس فِلْهاوْزِن (ت١٩١٨م) في عنوانِ كتابِهِ "الدّولة العربيّةُ وسقوطُها" أَلّفَه (سنةَ ١٨٧٠م)، عندما نَعَتَ العصْرَ الأ ُمَوي الذي امتدَّ ثَلَاثًا وتسعينَ سنةً (٤٠ - ١٣٢ هج) بالدّوْلَة العربيّة أو المملكة العربيّة.
كلُّ شَيْءٍ في هذه الدولةِ كانَ عَرَبِيًّا: الجيشُ العربي، المؤسَّساتُ كالدواوين التي عَرَّبَها عَبْدُ الملك بنُ مروان أبو الملوكِ الأربعة، والبريد، وديوانُ الْخاتَمِ ، ووضعتْ القواعِدُ الأولى للنحوِ العربيِّ ، وَنُقِطَ القرآنُ وَضُبِطَ كتابَةً، وعُرِّبَتِ الْعُمْلَةٌُ ، وبدأَ المسلمونَ بكتابةِ الحديثِ النبويِّ
الشريف بِأَمْرٍ من من الخليفة عمرَ بنِ عبد العزيز
الذي كتب إلى ابن حَزمٍ والي المدينةيقول له:"اكتب ماكانَ عِندَك من حديثِ عَمْرَةَ فَإنّي أخشى ضياعَ العِلْم. وعَمْرَةُ هذه هي بنت عبد الرحمن الأنصاري، كانَتْ في حِجْرِ عائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، ورَوَتْ عنها مُعْظمَ أحاديثِها، وبقيتْ حَيَّةً حتّى نهايَةِ الْقَرنِ الأوّل الهجري.
وَمِنَ الجديرِ ذِكرُهُ أنّ الحديثَ الذي جُمِعَ في عَهْدِ الأمويينَ كان يشملُ ثلاثةَ علومٍ : الحديثَ والسنَّةَ وعِلْمَ التفسير القرآني ، والسيرةَ النبويّةَ الشريفَةَ.
في العصرِ الأُمَويِّ وُضِعَتْ بُذورُ العِلمِ التي نَبَتَتْ وأزْهَرَتْ وَأثْمَرَتْ في العصرِ العبّاسي.
فقد ظهرَ في العصرِ الأمَوي العلماء العبادلَةُ الأرْبَعَةُ وهم: عبد الله بنُ عبّاس، وعبدُ الله بنُ عمرَ بن الخطّاب ، وَعَبَد الله بن عمرو بنُ العاص،
وعبدُ الله بنُ مسعود. وكلّهم أدركوا النبيَّ، ثم ظهر بعدهم التّابعون من العلماء. وهم فقهاءُ المدينة السبعة ، وأشهرهم عروةُ بنُ الزبير بن العوّام. ولا ننسَى عالمَ الإسلام مُحَمَّدٍ بنَ مسلمِ ابنِ شهاب الزهري مؤدِّبَ أولادِ الخليفةِ هشامِ ابنِ عبدِ الملك ، ودورَهُ في نَشْرِ العلمِ وكتابتِه.
لقد تَعَصَّبَ الأُمَوِيّونَ للعرَبِ والعُروبَةِ وأسّسوا جيوشَ الفتوح والأساطيل البحريّة، وفتَحوا معظَمَ العالَمِ القديم، وأسَّسوا في الأندلس ، بعد زوالِ مُلْكِهِمْ في المشرقِ، دَولةً دامتْ ثمانيَةَ قُرون، وقد بلغتْ مِنَ الحضارَةِ والعِلمِ ما لامَسَ عَنانَ السّما ء.
وقد هبَّ كبارُ الشعراءِ يمدحونَ الأمَويينَ وأخصُّ منهم اثنين هما الأخطل غِياثُ بنُ غوْث التغلبي وكانَ نصرانيًّا، والثاني جريرُ بن عطِيَّة. وكانا خصمين وهما من شعراء النقائض، ويضافُ إليهما الفرزدقُ هُمامُ بنُ غالب الذي كانَ مواليًا للأخْطل.
قَالَ الأخطلُ قصيدَةً في مدح عبدِ الْمَلِكِ بنِ مروان المؤسِّسِ الفعلي للدولة العربيّة الأمويّة.
تضمُّ القصيدةُ أربعَةً وثمانينَ بيتًا مطلعُها (من البسيط):
خَفَّ الْقَطينُ ، فراحوا مِنْكَ أو بَكَروا
وَأَزْعَجَتْهُمْ نَوًى في صَرْفِها غِيَرُ
ثمّ يقول:
في نَبْعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَعْصِبونَ بِهَا
ما إِنْ يُوازَى بِأعْلَى نَبْتِها الشَّجَرُ
حُشْدٌ عَلى الْحَقِّ عَيّافو الْخَنا أُنُفٌ
إذا ألَمَّتْ بِهِم مَكْروهَةٌ صَبَرُوا
شُمْسُ ، العَداوَةِ حَتَّى يُسْتَقادَ لهم
وَأَعْظَمُ النَّاسِ أحْلامًا إذا قَدَروا
أمّا جَريرُ فمدَحَ عبدَ الْمَلِكِ في قصيدةٍ مطَوّلَةٍ أيضًا فيها بيتٌ اُعْتُبِرَ أمْدَحَ بيتٍ قالتهُ العرَبُ ، أخرجَهُ بصيغَةِ الاستفهام وهو من الوافر:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المطايا
وَأنْدَى الْعَالَمِينَ بُطونَ راحِ
يُقال: عندما سمع عبد الملك البيتَ أجابَ مَزْهُوًّا ؛ كذلك كٌنا وما زِلْنا كذلك.
وبعد،
ومعَ عشقي الشديد للشعر الكلاسيكي وتعلُّقي القويُّ ببلاغتِهِ وإعجازه وصورِهِ واستعاراتِه وتشبيهاته، وعذوبةِ لُغَتِه، إِلَّا أنَّني أحيانًا تفاجِئُني قصيدَةٌ شعريَّة تهُزُّني طَرَبًا وإعجابًا ، فَأَصْدُرُ عنها مقتنِعًا أنّ الفَنّ الشعرِيَّ لا يُحَدِّدُ جمالَه وإبْداعَه عَصْرٌ مِنَ العصور، فالفنّ هو الفنُّ إذا صَدَرَ عن فنّانٍ أَصيلٍ رُزِقَ الْفَنُّنُّ به.
ففي موضوعنا هذا "أُمويّون" واجهتني قصيدةٌ نسمعُ منها أبياتًا تغنِّيها أميرَةُ الغناءِ العربيِّ السيِّدة فيروز للشاعرِ المبدِعِ الرائعِ سعيد عقل. عُنوانُها: سائليني من بحر الرَّمَل
إليكم أبياتًا منها:
سائِليني حِينَ عَطَّرْتُ السَّلامْ
حينَ غارَ الْوَرْدُ وَاعْتَلَّ الْخُزامْ
فَأَنا لو رُحْتُ أسْتَرْضي الشَّذا
لَانْثَنَى لُبْنانُ عِطْرًا يا شَآمْ
أُمَوِيّونَ فَإِنْ ضِقْتِ بِهِمْ
ألْحَقوا الدُّنْيا بِبُسْتانِ هِشامْ
أنا حَسْبِيَ أنَّني مِنْ جَبَلٍ
هُوَ بَيْنَ اللهِ وَالأَرْضِ كَلامْ
رَدَّ لي مَنْ صَبْوَتي يا بَرَدى
ذِكْرَياتٌ زُرْنَ في لَيّا قَوامْ
———
أوصي الأصدقاء:
- قراءة قصيدةِ الأخطل وفهمها.
- قراءة قصيدةِ جريرٍ وفهمها.
- الاستماع إلى قصيدةِ سعيد عقل مع تتبُّعِ أبياتها.
ولكم في الشبكة العنقوديّة ما تشتهون.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى