عبد علي حسن - الأدب الألكتروني وأنساق التلقي

لاشك بأن مانشهده من ثورة إلكترونية ورواج في استخدام المعلوماتية الجديدة وعلى كافة المستويات بشكل واسع منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي ارتباطا بظهور العولمة كنظام اقتصادي جديد ، فقد ظهر الوسيط الاتصالي الجديد ليتحوّل العالم إلى بيتٍ صغير وليس قرية صغيرة و ليُضاف إلى الوسائط الأخرى التي بدأت شفاهية ثم كتابية ثم طباعية وإلكترونية ، وليوفّرَ إمكانية التحرر من الوسيط الورقي إلى الوسيط الالكتروني ليكون مكاناً ثالثاً افتراضياً يلتقي في حيٌزهِ الأفراد والجماعات ، وعُدّ هذا الانتقال نهاية مابعد الحداثة من قبل الفكر الغربي وبدء الدخول في مرحلة بعد مابعد الحداثة ، أو كما أطلق عليه الناقد الثقافي البريطاني (ٱلان كيربي) بالحداثة الزائفة ثم تم تعديله بالحداثة الرقمية في كتابه (الحداثة الرقمية) 2009 ، التي أعادت هيكلة العلاقة بين المؤلف والنص والمتلقي ، إذ صارت السلطة المطلقة في هذه الحداثة للمتلقي الذي سيساهم بنسبة أكبر مما وفرته مابعد الحداثة في إنتاج النص ، ليكون المؤلف -- نتيجة هذه السلطة -- مجهولاً ، ولحداثة التجربة فإن رؤىٰ وأفكاراً عديدة قد طُرحت بشأن تسمية الجنس الالكتروني الجديد ، وحصل تداخل بين مفهومي التفاعلي والرقمي ، وللعرب مساهمة خجولة وحذرة أمام المساهمة في وضع لمسة واضحة ، على الرغم من توفر فرصة سانحة للمبدعين العرب للخوض في هذا المجال لانتاج نصوص رقمية وتفاعلية يكون حيّزها القرائي والتفاعلي هو صفحة الحاسوب الزرقاء ، وتجدر الإشارة إلى أن ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي مايو / 2019 الذي أقيم تحت عنوان (الرواية في عصر المعلومات ) وبغياب مساهمة عراقية ،قد شهد اختلافات في التمييز بين الرواية الرقمية والرواية التفاعلية واستخدام المصطلح الأول مكان الثاني والثاني مكان الأول ، -- وقد اطلعت على أغلبها -- مما يسمح بطرح رأي خاضع للنقاش والجدل ، وهو أمر طبيعي يحصل عند البدايات المؤسسة لهكذا مساهمة أو تحوّل ، فنرى بأن :--
الرواية الرقمية يكتبها مؤلف واحد ويستخدم المسارب البرامجية الأخرى كالمؤثرات السمعية والبصرية .
أما الرواية التفاعلية فيكتبها أشخاص متعددون عبر الحاسوب وفق الإضافة الشخصية للأحداث وتشعبها وكذلك بناء الشخصيات واقتراح استحداثها لتكون تفاعلية بين الأفراد المتواجدين في الحيز الالكتروني ، وكلا الروايتين تكتلات على صفحات الحاسوب .
السؤال هو هل أن انساق التلقي العربي مؤهلة للقيام بدورها في إنتاج هكذا نصوص ؟ لانحكم بالنفي أو الايجاب ، إذ أن الأمر متعلق بقدرة كتاب الرواية على إبداع نسق جديد يتيح هذه الإمكانية في الوقت الحاضر أو مستقبلا ، على أن لا يغيب عن أذهاننا أن البشرية متجهة صوب تعميق تأثير هذا الوسيط في الحياة الثقافية التي تتطلع إلى ظهور هذا الجنس الجديد الذي لم يكتب بعد .
أما مايُنشر الٱن في صفحات الفيسبوك من نصوص فهي قد وجدت في هذا الوسيط فرصة إطلاع أوسع عابر للبلدان وللجغرافية التي ربما تشكل حائلا دون توصيل رسائل تلك النصوص ، وتراها بعيدة عن الأدب الرقمي أو التفاعلي الذي نوّهتُ عنه ٱنفاً ، وتتصف بالاستهلاكية واللاثبات والزوال السريع .

عبد علي حسن
ايلول /2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى