محمد مزيد - صفاء تخرج من بيت الزوجية.. قصة قصيرة

خرجت الفتاة الجميلة صفاء نادر من بيت الزوجية هاربة بعد منتصف الليل، تسير عكس إتجاه المطار الدولي، ظهرها للسيارات المقبلة منه بإتجاه ساحة أم الطبول، يتبعها تسعة عشر كلبا، يسيرون على هدي إيقاع مشيها السريع والمتعثر أحيانا، وهي ترتدي ملابس النوم، تتلفت كل بضع دقائق الى الخلف، بحثا عن سيارة حتى تنتشلها من برد الليل، وخوفا من الكلاب التي تسير خلفها، مثل قافلة ، واحدا بعد الاخر .. تعلم صفاء إنها تهورت حين قلبت الطاولة على زوجها، الذي كان يماحكها ويصفعها على خدها بين حين وآخر، قبل أن يطيح به آخر قدح من العرق، لينام كالعادة في المطبخ الذي يخلو من الطعام لوحده، لكن جزء من عقلها كان يقول لها حسناً فعلت وتجرأت، كنت في البدء مضطرة لتقبل حياتك معه، بالرغم من أن كل تصرفاته الصبيانية كانت تجعلك مضطرة الى الهروب من مربي الحمام، الذي يطعمها اكثر مما يطعمك، حسناً فعلت حين هربت حافية القدمين، ولما شاهدها آخر سكير تركض في الشارع، هز يده ، وسال لعابه وقال ولكم عمي والله اندهرنا دهيرة، لو العرق الذي شربته مغشوش، لو الحرمة التي ركضت من أمامي، كانت حرمة صدك!!

توقفت سيارة حديثة على بعد أمتار قليلة، ولما أقتربت منها أخفض سائقها زجاج الباب الامامي، أصعدي يا حلوة، الدنيا باردة عليك، نظرت اليه وتوقفت، كان يرتدي بدلة عسكرية زيتوني، وجهه يطفح بالاحمرار، برغم من إنه حنطي، وحتى تتخلص من قافلة الكلاب خلفها، لم تجد مناصا من قبول دعوته، وبمجرد أن أبتسمت له فتح لها الباب ثم صعدت.
أنطلقت السيارة بسرعة، ألتفتت صفاء الى الوراء، فوجئت بالكلاب مازالت تركض خلف السيارة، بالرغم من سرعتها. طوال مدة وجودها بالسيارة الدافئة لم يقل سائقها الوسيم اية كلمة، دخل في أحد المنعطفات قبل ساحة ام الطبول ، كانت منطقة مظلمة، وبيوتها واسعة وكبيرة، وقف بجانب أحد البيوت، ترجل، شرّع الباب الخارجي ثم أدخل سيارته الى البيت بهدوء وأطفئ محركها. قال لها تفضلي. بقيت جالسة في مكانها حتى أستدار من جهة مؤخرة السيارة، فتح لها الباب فترجلت خائفة مصدومة لا تعرف ماذا تقول .
سار أمامها في الممر الطويل باتجاه باب المطبخ، وبين لحظة وآخرى يتلفت خشية من هروبها، غير إنها كانت تتبعه بخطوات وئيدة، لسعت برودة الكاشي قدميها، فتح لها الباب ودخلت بعده، ثم أغلقه خلفها، أنقهر لما شاهد قدميها الحافيتين وهي بهذا الجمال المثير، مسكها من ذراعها برقة وسار بها الى الحمام، " اغسلي قدميك هنا " .
يقف عند باب الحمام ينظر الى الساقين المبرومين، وعندما انهت غسل قدميها جلب لها نعال نسائي، لبسته وسارت خلفه الى الصالة، فوجدت شيئا مبهرا لم تره في حياتها كلها، أثاث وثير، وصور عديدة معلقة وموضوعة في إطار لسائق السيارة مع القائد. فتح جهاز التلفاز، ظهر إنها كانت أخبار الساعة حيث بدأت المعركة الاخيرة مع العدو الاميركي والتي سميت بأم الحواسم، حيث قام القائد بجولة يرافقه عدد كبير من الحماية، على بعض قطعات الجيش في بغداد، فقال لها أنظري، سترينني بينهم. دعاها الى الجلوس وذهب الى المطبخ، جلب لها ماعون فيه شريحة لحم غنم وقطعة من الخبز في صينية وبعض المقبلات، تركها مع اللحم التي لم تذق مثله منذ دخول جيشنا الى الكويت قبل عشر سنوات، ذهب ليستبدل ملابسه، ولما قدم بدشداشته البيضاء، وبيده قدح فيه سائل أصفر، لم تنتبه الى إنه لم يرتد تحت الدشداشة إي شيء، كانت قد أنهت شريحة اللحم كلها مع الخبز والمقبلات، أنقهر عليها لإنها كانت جائعة بضراوة، وبعد أن أنهى القدح، مسكها من كفها برقة وسار بها الى غرفة النوم. بعد ساعة، أتصل تلفونيا ، فجاء كبير رجال الحماية ومعه إثنان، مضى الى الغرفة نفسها، غير أن هذا الكبير أتصل بآخرأكبر منه ، يبدو إنه أمره بجلبها ، فصعدت بسيارته وأخذها الى القصر، وبسرعة صاروخية وصلوا الى هناك، وأدخلوها على القائد العام للقوات المسلحة، الذي كان يدير عمليات صد الهجوم الامريكي، ثم أغلقوا الباب خلفها. الآن، نترك صفاء في غرفة القائد، ونذهب الى الرجل الأول الذي ألتقطها، إذ إنه بعد ساعة، عندما أخذ وطره منها، تحول هذا الشاب الوسيم الى كلب، لايعلم كيف يتصل بهم ليخبرهم بالذي جرى له، ظل ينبح ويعوي عواء البكاء والندم، من غير فائدة، ننتقل الآن الى كبير الحماية فقد وجد نفسه في غرفته بالقصر وقد تحول أيضا الى كلب، وأخذ ينبح ويعوي من دون فائدة، حتى إنه أقلق راحة كل الموجودين بالقرب منه وأخافهم، كان يبدو إنه يريد أن يخبر القائد الا يطأها، لكنهم منعوه وطردوه خارج القصر، وفي الصباح، وبعد أن أشتدت المعارك في الجنوب، وأحتل الاميركان البصرة والناصرية ومحافظات الفرات الاوسط، وقد أتجه الجيش الاميركي الى بغداد، في تلك الاثناء ، خرج من القصر عدد كبير من الكلاب، في مقدمتهم كلب كبير، كلهم ينبحون ويعوون ، يسيرون خلف صفاء نادر التي كانت تسير بصعوبة حافية القدمين وسط بغداد المدمرة .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى