صابر العبسي - واهبُ الحبّ ما عادَ طفلا

تفحّص ألبومَه العائليّ

بكى موجة ًموْجتيْن
بكلّ حنوّ إلى درج في الخزانة أرْجعَه
كان قدْ خافَ من غرقٍ
خاف من زرْقة البحْر
مادام أعزلَ مستوْحشًا
ليسَ يمْلك من أفق
ليس يمْلكُ في العتماتِ من التّيه
إلاّ قواربَ من ورقٍ
ليس يمْلك إلاّ يماماتِه البيض
ملء سكاكين إخوته المعْدمين
فأطْفأ سيجارَه
ثمّ أشعل آخر في الحالِ
حين تحسّس قرنين من عاج إفْرقيا
والشّياطينُ للتوّ قد نبتَا في شقُوق الجَبين
توثّبَ يعْوي
توثّبَ مستنفرا ناطحا سقف وَحْشَتِه
قمرا شَاحبًا
مثل ليمونة جافّة
لمْ يكن في هُيولىَ الظّلام
سوى وجْهه
ظنّه شبحًا
ظنّه خشبًا
ظنّه دابّةً
ظنّه واحدًا
منْ زبانية اللّيل
قهْقه مرْتطمًا بالأريكة
فاندلقتْ زغْرداتُ يماماته البيض
في الصحْن مذبوحةً
بسكاكين إخوته الطيبين
على وقْعها الخلّبي اسْتوى مثْل خشْخَاشَةٍ
غرْبلتْها الرّياح بأسْنانها
راقصًا وحْدَه
فوْقَ جثّته حيّة
رقْصَة البهْلوان
تشظّى فلمْلمهُ العَابرُ الأبديُّ
بمكْنسَة الخيزرانِ القديمةِ
أشْعلَ سيجارَه القنّبيّ
ترشّف قهْوته دونما سكّرٍ
وهْوَ يرْحلُ خارجَ معْتقل الطّينِ
يرْحل خارجَهُ
خارج الغرفة الآن
يرْحل أبْعد من نفْسه
في عرى غمغمات الدّخان انْتشى
فامّحى
بيد أنّ دبيب خطى الكائنات الرّجيمة
قد أفْسدت صفْوه
فزِعًا ايْقظتْه
تقمّص هيْئة قطّ
تخفّى وراء الخزانَة
في ظلمة ليْس نبْصر فيها
سوى جمرتيْ مقْلتيه تشعّان
وهوَ يتمتم في سرّه
هذه الكائناتُ المسوخ الرّجيمةُ
تأكلُ بيتْزا
وتشربُ كوكَا
تطيلُ اللّحى
وملابسها كلُّها من صنيع
يهوذا الذي جسّدوه الفرنجةُ
قد كفّروه وما عبدُوا غيْره
هذه الكائنات اللّقيطة
تتّهم المدنيّة بالجاهليّة
لكنّ أعْرابَها البدْو أنبل،
أرحم،
أطهر،
أوّل جرْذ قميء
إذا مَا أطلّ عليّ،
سأهوي عليه بمذراة جدّي لبيد
سأهوي على رأسه العلْقميّ
سأفركه ثمَّ حيّا سأسْلخه
حينها اشْتعل الشمْعدانُ
فغمغم ما أسوأ الحظّ
ما أسْوأ الحظّ
فيما الجريْذُ الكريه اخْتفى
تاركا خلفه المومياء بلا حلمتين ولا بظر
تاركا خلفه الساعة الحائطيّة نازفة دونما عقْربين
ولا تكتكات سوى نوحها
تاركا خلفه العلم الوطنيّ بلا نجْمة أو هلالٍ ولا أثر
تاركا خلفه المعْجم الفلسفيّ هياكل عظْمية للرّؤى
تاركا خلفه الدفتر المدرسيَّ ينزّ دمًا ساخنًا
تاركا خلفه مقْلة المتنبيّ على الرفّ مقْلوعَة
تاركا خلفه الاسْتعارةَ من دون أجْنحةٍ
تاركا خلْفه في الشّرايين أنْغام فيروز
من دون سيقان رائحة أو صدًى


* من مخطوط مشاء ميسكلياني 2017




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى