علجية عيش - ما هو الرهان الذي يجب ان ترفعه الجزائر لضمان حياة بدون جريمة

ما هو الرهان الذي يجب ان ترفعه الجزائر لضمان حياة بدون جريمة

سؤال بات يؤرق ذهن المواطن الجزائري الذي أصبح بنام و يستيقظ على وقوع جريمة في حي من أحياء المدن الجديدة، و يجد نفسه في مأزق لأنه يسكن حي لا يجد فيه سبيلا لتغيير واقع فرض عليه، الأمر يعود إلى سوء التخطيط و غياب المقاييس في إنشاء المدن الجديدة، وقد أكدت الدراسات أن إنشاء المدن الجديدة يتطلب قبل كل شيء إجراء دراسات "سوسيوثقافية" لمعرفة المستوى العلمي و الثقافي للمواطن ، و معرفة نوع الأشخاص الذين سيتم ترحيلهم حتى لا تحدث الفوضى، و هذا ما لم يحدث، فاجتمع النظامي مع الهمجي، المتخلف مع المتحضر، الصالح مع المجرم، فحدثت الفوضى و استطاع "الهمجيون" و هم فئة من البطالين و المتسربين مدرسيا أن يفرضوا منطقهم ويطبقون قانون الغاب يهددون به السكان، و قد استهدفوا فئة الأرامل و المطلقات لإضعافهن و قهرهن، فماهو الرهان الذي يبغي على الجزائر أن ترفعه لمواجهة الجريمة بمختلف اشكالها و ضمان حياة بدون جريمة؟


فالمدن الجديدة تعد مركزا حضاريا ونقطة التقاء كل الثقافات وكل متطلبات العيش لما تحتويه على مرافق عمومية وما تقدمه من خدمات اجتماعية، كسبيل لتغيير ذهنية من يعيشون حياة الهمجية لقد مرت الجزائر بتجربة في إنشاء المدن الجديدة بعد عشرية سوداء عرفت بالحرب الأهلية التي تسببت في هجرة السكان ، و هذا المشروع ليس من أجل إعادة إسكان المواطن بل من أجل تهيئة الإقليم و تحديثه، و إدخال عليه حياة العصرنة و الحداثة، للقضاء على الفوضى و خلق الانسجام بين السكان، لكن الواقع أثبت العكس بحيث لم تتمكن السلطات العمومية و لا الجهات الأمنية من تغيير الوضع، كون سكان الأكواخ القصديرية حملوا معهم ذهنية القربي el gourbi و الفوضى التي اعتادوا عليها.

و إن كان التغيير ممكن لكن هذا يتطلب فترة زمنية طويلة و صبرا و نضالا كذلك، لأنه من الصعب أن يتكيف مواطن اعتاد على حياة النظام مع مواطن فوضوي و لم يتولى تربية ابناءه و تنشئتهم تنشئة صحيحة ، بحيث أنشأهم على حياة الفوضى، و تركهم مثل قطيع بدون راع، و الدليل ظهور "عصابات الأحياء"، التي أضحت تخلق الرعب في الوسط السكاني عن طريق الشجارات باستعمال الأسلحة البيضاء، و الاعتداء على السكان الغير معتادين على العادات الدخيلة ، كرمي عليهم القاذورات من الشرفات و أمور أخرى يخجل اللسان ذكرها من أجل استفزازهم و إثارة غضبهم حتى يتمكنوا من أن ينزلوهم إلى مستنقعهم و انحطاطهم الأخلاقي و الفكري، و مثل هذه السلوكات تدفع بالسكان إلى اللاإستقرار.

فالحياة في المدينة الجديدة علي منجلي ( بعاصمة الشرق الجزائري) على سبيل المثال اتسمت بانتشار الجريمة بمختلف أشكالها كالمخدرات، السرقات ، الشجارات الجماعية، الاعتداء على الأشخاص ، و كل مظاهر الفساد الذي بات يهدد حياة الناس، و رغم الجهود التي تبذلها الجهات الأمنية في محاربة الجريمة، إلا أن هذه الجهود لم تكلل بالنجاح، لأن الأمر لا يقف عند حدود إنشاء مقرات أمن فقط، بل الدور يقع على عاتق المجتمع المدني الذي من واجبه غرس ثقافة التمدّن و التحضّر في المجتمع عن طريق الندوات و الحملات التحسيسية، و العمل على مواجهة التحديات المرتبطة بالتحضر والتنمية الحضرية المستدامة المقترنة بالاندماج الاجتماعي، كما على الدولة أن تغير المنهجية المتبعة في إدارة المدن الجديدة لأن الأمر لا يتوقف كذلك عند بناء عمارات و مرافقها ، بقدر ما يجب أن تتوفر الشروط الضرورية لضمان حياة بدون جريمة، من خلال وضع خطة حضرية تتناسب مع كل المستويات و تكريس روح "الأنسنة "، فتغيير الذهنيات من أولى الأولويات في مجتمع غير مستقر، يعيش ظروفا سياسية صعبة جدا يحتاج إلى إرادة سياسية قوية للتغيير، و عليها أن تأخذ بتجارب الدول التي سبقتها في إنشاء المدن الجديدة من أجل بناء مجتمع متحضر.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى