علجية عيش - علاقة جمال عبد الناصر بالطبقة الوسطى كانت مصدر قوته

"إني لم أمت و لو متُّ فإن كل واحد منكم هو جمال عبد الناصر و لن تسقط الرّاية" تلك العبارة التي خاطب بها الرئيس المصري جمال عبد الناصر شعبه عندما تعرض لمحاولة اغتيال، كان جمال عبد الناصر يرى أن ثورية العمل الإيجابي تستلزم تحريك أوسع الجماهير التي تتحمل عملية البناء الثوري للمجتمع، فكان أكثر احتكاكا بالطبقة الوسطى و لذا كان يرى أن الثرثرة الثورية لا تبني مجتمعا أو تؤسس دولة، و قال في خطابه: "إني أدرك وأقدر أن هذا الشعب العظيم أعطاني من تأييده وتقديره ما لم أكن أتصوره يوماً أو أحلم به، لقد قدمت له عمري ولكنه أعطاني ما هو أكثر من عمر أيُّ إنسان" و يعتبر كتاب "فلسفة الثورة" من أبرز ما تركه جمال عبد الناصر الذي كان يحارب و يكتب و هو يعد مرجعا تاريخيا لكل الأجيال العربية

و الأمة العربية تحيي ذكرى رحيل زعيم القومية العربية جمال عبد الناصر تتذكر الجملة التي قالها الرئيس الأمريكي جيمي كارتر: إن الاختيار الحقيقي للقائد ليس في إجادته المعركة بل في مواجهته لتحديات المنصب و مسؤولياته، وهذا هو القائد الذي يحقق الثلاثية المشهورة: " دولة ، أمة و سيادة شعبية" القائد الذي يدرك بأن تحقيق الديمقراطية يؤدي إلى تحول الشعب إلى "حاكم" حسب الطريقة التي ترغب فيها غالبيتهم، و قد قيل في القديم: " من كان يرغب أن يكون رئيسا فليكن خادما"، و المتقدم إلى الرئاسة لابد أن يدرب نفسه على التخلي من كثير من مفاهيمه الذاتية، لأن الخدمة مرتبطة بمفهوم العمل و التضحية و لا يتحمل وطأة المسؤولية إلا "العظيم" ، في هذه الذكرى، تقف الجماهير العربية وقفة تاريخية للظاهرة الناصرية التي أعطت مفهوما صحيحا للزعامة ، بحيث يراها البعض بأنها عبارة عن جاها مطلقا ، و لكنها في حقيقة الأمر تعني الخدمة المطلقة للشعب و تلتزم حقوقه، و عليه تبنت الزعامة الناصرية خدمة الشعب و مبررا لوجودها و استمرارها.

هذه الزعامة ما كانت لتتحقق إلا بعدما اكتسب جمال عبد الناصر ثقة شعبه و الأمم كلها بالتعبير عن أمانيهم الشعبية و إسقاط ما كان قد بقي من أشباه زعامات و في مقدمتها الغوغائية، بحيث اشتد الوعي السياسي و نموه وذلك بفضل عوامل عديدة أبرزها حصول بعض الأقطاب العربية على استقلالها وانضمام معظمها إلى الأمم المتحدة، لم تكن هذه الثقاة بتثقيف الجماهير بالكتب المجانية و الصحف و الإذاعة و التلفزيون و توسيع الجمعيات و النوادي فحسب، بل بفتح بالتواصل المباشر مع الجماهير و احترام الحريات لجميع طبقات الشعب و إشراكه في إدارة مؤسسات العمل و الإنتاج، و بهذا الوعي استطاع جمال عبد الناصر القضاء على "الغوغائية" التي كانت قاعدة أساسية من قواعد الزعامات السابقة و قاعدة لبعض الأحزاب التي استغلت عواطف الشعب خاصة الطائفية منها، لقد مارس جمال عبد الناصر السياسة انطلاقا من تجربة من سبقوه من الزعماء الذين كانت لهم شخصية كاريزماتية، تأثر بهم فآثر نصرة الشعوب التي كانت تعيش تحت نظام استعماري دكتاتوري و حقها في تقرير مصيرها، دفاعا عن الظلم و مجابهة الاستعمار، فكان صوته يمثل صوت الشعوب المستعمرة المقهورة في المؤتمرات العالمية و بالأخص في مؤتمر "باندونغ".

كان على يقين أن صوته سوف يغير مجرى التاريخ، و لمجابهة هذه الدكتاتورية وضع جمال عبد الناصر 06 مبادئ للثورة و هي: ( القضاء على الاستعمار، القضاء على الإقطاع، القضاء على الاحتكار و رأس المال على الحكم، إقامة عدالة اجتماعية، إقامة جيش وطني و إقامة ديمقراطية سليمة)، و انطلاقا من هذه المبادئ بدأت المعركة لمجابهة مشكلة التخلف و الفقر، و انتقل النبض الثوري بالثورة من معركة إلى أخرى، إن مبادئ عبد الناصر جاءت من أجل القضاء على "الثرثرة الثورية"، لأن ثورية العمل الإيجابي تستلزم تحريك أوسع الجماهير التي تتحمل عملية البناء الثوري للمجتمع، و التي لها القدرة على تنفيذ أهداف ثورة لم تنفعل بعد، كما أن بناء دولة عصرية و تنظيم مجتمعا ثوريّا يقضي فتح الطريق أمام الجماهير الشعبية ، وقد اعترف جمال عبد الناصر بهذه الحقيقة بقوله : "كنا نشعر بالحاجة إلى الثورة.. إلى تغيير جذري..وإنما كنا لا ندرك الطريق إلى هذا التغيير و لا لوسائل لتحقيقه".

كما استطاع جمال عبد الناصر تحقيق أول وحدة عربية قومية في التاريخ الحديث بتبنيه القضية الفلسطينية و العمل لتحقيق رغبات الشعب الفلسطيني و مؤازرة الحركات التحررية و التقدمية في الأقطار العربية و إعلان عروبة مصر، الذين عايشوا المرحلة الناصرية أكدوا في شهاداتهم أن علاقة جمال عبد الناصر بالطبقة الوسطى كانت مصدر قوته، رغم ما لقيه من معارضات قوية، غير أنها لم تتمكن من النيل منه، لأنها كانت وليدة الجهل أو قصر النظر أو لتصديق شائعات بعضها وليد الاختلاف في الرأي، و أخرى وليدة الحقد و الحسد، و هناك من حاول تفسير التفاف الجماهير حول جمال عبد الناصر على أساس نظرية الزعيم " الكاريزمي" ، و ذلك باعتراف وولتر، الملاحظ أن الذين يتمتعون بالكاريزماتية غالبا ما يتعرضون لمحاولات اغتيال، و قد تعرض جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال في المنشية عام 1954 حيث وجهت إليه ست رصاصات و هو يخطب في الإسكندرية.

جملة قالها الرئيس جيمي كارتر: إن الاختيار الحقيقي للقائد ليس في إجادته المعركة بل في مواجهته لتحديات المنصب و مسؤولياته، وهذا هو القائد الذي يحقق الثلاثية المشهورة: " دولة ، أمة و سيادة شعبية" و ليس ذلك الذي يستعمل فن الخطابة للتأثير على الجماهير بواسطة الكلمات المعسولة و المزيفة، أو يغريهم بالحفلات و المهرجانات للوصول الى الحكم، بل ذلك القائد الذي يدرك بأن تحقيق الديمقراطية يؤدي الى تحول الشعب الى "حاكم" حسب الطريقة التي ترغب فيها غالبيتهم، و قد قيل في القديم: " من كان يرغب ان يكون رئيسا فليكن خادما"، و المتقدم الى الرئاسة لابد أن يدرب نفسه على التخلي من كثير من مفاهيمه الذاتية، لأن الخدمة مرتبطة بمفهوم العمل و التضحية و لا يتحمل وطأة المسؤولية إلا "العظيم" و كما قال أحد عشاق الناصرية فإن الزعيم جمال عبد الناصر ظاهرة يعجز الجميع عن تفسيرها، فلا عجب و لا غرابة إذن أن يتصف الزعيم بالدكتاتوري، من أقواله: " إن الإرادة الشعبية هي التي تملك أن تصنع قيادتها، وأن تحدد لها مكانها، إن الشعب يجب دائماً أن يبقى سيد كل فرد وقائده، إن الشعب أبقى وأخلد من كل قائد مهما بلغ إسهامه في نضال أمته".

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى