أيمن دراوشة - خربة الشيخ أحمد للشاعر الروائي السوري عيسى الشيخ حسن.. إجادة القبض على المتغيرات والتوترات والتقاط المواقف بحياد فني - قراءة اجتماعية

ترتكز الرواية على البيئة في القرى البيئية الشامية، والبيئة العراقية حيث مزج الروائي بينهما؛ ليكونا عنصرين فاعلين في الرواية. ومن المعروف أنَّ البيئات تختلف وربما تتأثر بما حولها سواء بالتصرفات أو العادات والتقاليد...

أولا: ملخص الرواية

جاء أحد المعلمين إلى إحدى القرى النائية للعمل فيها، وهناك تزوج وأنجب طفلًا واحدًا، ثم ما لبث أن توفي، وبقي الطفل ربيبًا عند الأسرة التي عاش عندها، وعندما يكبر هذا الطفل ويصبح في سن الزواج بعد أن اكتسب موهبة الشعر؛ فيتقدم لخطبة فتاة جميلة اسمها حسنة، إلا أن أسرتها ترفض هذا الزواج كون الشاب ياسين مجهول النسب، فيبدأ الرحلة المضنية في البحث عن أهله حتى يجدهم في نهاية الرواية، ويذهب لخطبة الفتاة التي أحبها مع عشيرته وهنا يصطدم بمشكلة العادات والتقاليد حيث أصر ابن عمها جاسم على أن حسنة من حقه، ولن يسمح لأحد أن يقترب منها.


ثانيًا: الأحداث

مقولة الرواية رفض الثقافة الشفاهية ومفرداتها، هذه الثقافة التي تختلف من مكان إلى مكان، وإن تشابهوا ببعض الأمور، فثقافة القرية تختلف عن ثقافة قرية أخرى ببلد أخرى، كما تختلف ثقافة القرية عن ثقافة المدينة، وهكذا.

تعرض الروائي لكثير من القضايا الاجتماعية الهامة، والتي ربما ما زالت ماثلة أمام أعيننا لغاية الآن، كقضية الثأر، وقضية زواج ابن العم من بنت العمة، وقضية الهروب أو الهجرة لمكان ناءٍ خوفًا من الثأر أو القتل، وغيرها من القضايا البائدة وغير البائدة.

الرواية بحدث تاريخي أو حدثين، وهما خلفية للرواية غير مؤثرين بها: الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، وأحداث الإخوان المسلمين بسوريا عام 1979 تقريبًا.

إلا أن هذه الأحداث السياسية وغيرها من الأحداث هي مجرد تاريخ زمني يوثق زمن الزمن الرواية ولا يتأثر بها إلا بشكل طفيف عابر، فليست الرواية في صدد عرض هموم أو قضايا سياسية، فالرواية لا تنتمي للرواية السياسية لا من قريب ولا بعيد، وإن تأثرت البيئتان – العراقية والشامية - بهما قليلا.

ومن خلال رؤية الروائي الفنية، نشعر بشخوصه وكأنهم وجدوا حقيقة، ومارسوا فعل الوجود، ونكاد نتحسس حيواتهم في تناقضها وصراعاتها، وفي اللحظة ذاتها، تتحول الأفكار من جهامة تجريدها إلى فاعلية تندمج في بنية الرواية.

كشفت أحداث الرواية خبرة الروائي بالحياة، وثقافة أتاحت له رؤية متعمقة للجوانب النفسية والفكرية والاجتماعية، مع بصيرة نافذة بأثر تلك العوامل في توجه الشخصيات وتشابك الأحداث.

" هزت حسنة رأسها، وتناوبتها مجموعة متناقضة من المشاعر؛ الفرح بقربها منه والنظر إليه... ص101"

المواد الخام التي التقطها الروائي كقضية الثأر وقضية الهجرة بسبب الحروب والأوضاع الاقتصادية السيئة، وكذلك قضية زواج الن العم من بنت العمة وكأنها تحصيل حاصل وخلاف ذلك يعد جريمة.

كل ذلك تم صقله وتشكيله في أداء روائي غلب عليه الطابع القروي، بلغة تراوحت بين العامية القريبة من الفصيحة واللغة الفصحى، ونلمح ذلك في الحوار الروائي حيث غلبت العامية عليه، فيما كان السرد بالفصحى، واستطاع الروائي الموازنة بينهما دون تغليب أحدهما على الآخر، مما منح الرواية فنًّا له حيويته المحسَّسة، وله تجسده المفعم بمختلف إشكاليات الوجود البشري.

- "واحنا فرحتنا ما نعطيها بالدنيا ص 262"

- "الله يزيدكم فرح وسرور، بس السالفة ليها تالي ص262"

وهكذا تتضح رؤية الروائي الخاصة تجاه الحياة، من خلال تشابك الفكرة مع الشكل الفني، مع الإيهام بالماضي وربطه بالواقع وليس استنساخه.

ثالثًا: الشخصيات

عجت الرواية بالشخوص خاصة شيوخ القبائل كشخصية الشيخ عبد الله، وكذلك الشخصيات النسائية المحتشدة كبطلة الرواية حسنة الفواز، وأم دحام، وصالحة وعدلة ... ومن الشخصيات الذكورية عبد العليم وياسين وعادل البيطار وفواز المحسن وإسماعيل البيطار وجاسم المصطفى وسليمان الحمدو وغيرهم حتى تشعر أنَّ الشخصيات الثانوية هي أبطال أيضًا.

كان لتلك الشخوص حرية الحركة، فلا ربط أو تقييد تجاه غرضه الخاص، مع تحريك تلك الشخصيات ومراقبتها بدقة ساحة الإمكانات المتاحة في مدى تأثير بعضهم على بعض.


وكان لإثراء وعينا، غرض الروائي قبل حشو أذهاننا بالمعلومات والأحداث.

اتجه الروائي إلى تحليل شخصياته من خلال ظروفها الحياتية، والواقع الاجتماعي الذي تعايشه، متخفيًا وراء تلك الشخوص، وبواسطة سلوكهم وصراعاتهم تفهمنا أبعاد المساحة الاجتماعية بصورة أشمل، المساحة الاجتماعية وما يدور داخلها من مشكلات، وما يتصارع في كونها من أحداث.






رابعًا: الزمان والمكان:

تمتلك الرواية وفرة وغزارة وإمكانات متعددة تتصل بالمكان والزمان، فالرواية زمكانية إن صح التعبير، ساهمت في إغراق الروائي في تدفق تلك الإمكانات، فيلهث في القبض على واحدة، ولكنه يسرع أمام إغواء جانب آخر، حتى تكاثرت وتضخمت الحشود أمامه محدثة مفارقات ساخرة مما أغرقنا نحن القراء في متاهات وشعاب، تذهب بالرواية وتهرب بها ومنها.

فالبيئة السورية ومدنها العريقة تعد مرتًعا خصبًا للتعبير عن الكينونة الاجتماعية، فهي كعدسة الكاميرا متعددة الزوايا، تلتقط جوانب مختلفة، متجاوزة عدستنا الواقعية المحددة بوعينا الذاتي في مداه المحدود.

ومن هنا فقد الروائي على مسافة دقيقة حتى يتيح لعدسته أن تصور القضايا والأشياء في رؤية كلية.

ونود الإشارة إلى رصد البيئة الاجتماعية، وما يعتمل في واقع ذلك المجتمع يعمل -في الوقت ذاته- على إقامة تصالح أو توحد بين الشكل والمضمون، ويكون تحليل المضمون موضحا ومساندا لأثر تلك العلائق حيث نكتشف بواسطة إعادة تنظيمها جملة المداخلات في النص، مع التركيز على الجوانب البيئية.

" إن هدف الرواية ليس أن تكون عالمًا منعزلا مستقلا، إنها في الأساس تجربة فكرية، ونوع من الركض الصامت من أجل التجربة الفعلية..." محمد درويش / فن الرواية – بغداد – 1986.

خامسًا: لغة الرواية

اكتسبت الرواية أهمية بالغة، فهي تتكفل بعبء السرد وعبء الحوار، فالأحداث لا تروي نفسها بنفسها، ولا توجد قصة بدون سارد.

كانت اللغة لدى الروائي سلاحه الوحيد ومجاله التعبيري الذي تشكل بإيقاع كشفت لنا خبرة الروائي بالمواقف، فمرة تلهث اللغة في اندفاق خاطف بالجمل والعبارات، ومرة يكون الإيقاع بطيئًا متمهلا، وأحيانًا مراوحة بين الحالتين.

الفصل 35 والفصل 45 على سبيل المثال لا الحصر.

سادسًا: النهاية

النهاية مغلقة وغير متوقعة، واستطاع الروائي أن يجد حلا لعادة زواج ابن العم من بنت عمه، ليس بالقضاء على تلك العادة الذميمة وإنما كان المخرَج شرعيًا؛ ليتزوج ياسين من حسنة بعد ان أثبت نسبه وعثوره على عشيرته.


كلمة أخيرة

تميزت الرواية إلى رصد سيولة الفكر، وملاحقة جريانه من خلال التداعي الحر للذاكرة، حين تتداخل المشاعر والعواطف وتتلاصق أمشاج من الماضي في دورانه الدائم، وحركته المستمرة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى