أمل إسماعيل - الكِتابُ بوصفِهِ حارسًا شخصيًّا

أتحسسني، أتأكد من سلاحي النائم في حقيبتي مستعدا للانقضاض على أي كائن يجرؤ على تدمير غَدِي، وبينما أمضي بهدوء واثقةً من قادمٍ أفضل ينتظرني، تتذكرني كلمات قيلتْ لي وكرّرتها بيقينٍ راسخٍ على كُثُرٍ يشبهونَني: (في زمنِ الحَرب.. سلاحُنا هو "هذا") مشيرةً إلى رأسي.

لقد جرّبنا – وما زلنا – نجربُ ونطوّر ونتاجرُ في أسلحةٍ لم تعد علينا إلا بالوبال والخراب، وننسى أن العقل الذي أنتجَ هذه الأسلحة في حالتِهِ المغيبةِ هو عقلٌ مريضٌ غريبٌ عن نفسه، بعيدٌ عن أصلِه، وأن أحداً لا قِبَل له بإعادتِهِ إلى حقيقته النقية إلا الكتاب.. حارس العقل الأصيل. عندما بدأ "بروس لي" تعليم الأمريكيين الدفاع عن النفس كان منتصراً لفكرة السلام والمسامحة في الأصل، لم يكنْ تسليح الجَسد البشري بفنون المهارات القتالية ركيزته، بل جزءاً مكملاً للصورة المثالية التي رسمها، بالمثل، فإن وجودَ كتاب في يدي أو في حقيبتي يشعرني بالأمان أكثر مما يمكن أن يفعلهُ سكينٌ أو مسدسٌ أو مدفعٌ رشاش! وكمنْ يبحث عن "عروس" غسان كنفاني، فإن القارئ للكتاب أشبه ببطل يصونَ "عروسه" ويحافظ عليها، ويحتفي بها ورقة ورقة، وينسى في حضرتها كل نساء الأرض كما نسيهن العقّاد، أو تستظلّ بظِلها من لا "ظلّ" لها كما فعلتْ جاين أوستن. إنها صورة الحبّ في نقائها وتجدّدها، تلك "القوة النفسية التي تجذبُ نحو المحبوب، لدرجة أنها قوة غزو، لكنه غزو لا يقتلُ كما تقتلُ الحرب"[1].

أشبهَ بمباغتةِ عذراء في خِدرها، هكذا يكون اللقاء الأولْ بكتابٍ جديد، ربما يعذبك وصفُ المحبين لحسنِه، ورشاقة كلماته، لكن في شهقة العناق الأول يكمنْ الانعتاق، وتدركُ أنكَ لستَ في حاجة إلا إلى رفقةِ كتاب، تمنحهُ روحكَ، فيفتحُ لك بابَ الخلود. أعرفُ قراءً يغتسلونَ قبلَ لمسِ كتاب، وآخرين يخشونَ ثنيَ الصفحاتِ كيلا يتسلل إلى معشوقاتهم الألم، وغيرهمْ ممن يُدمي مآقيهم تمزيقُ ورقة، أو تُشفى رئاتهم المتعبة باستنشاق رائحةِ كتابٍ قديم، وبين الولع بالكتب (Bibliomania) أو الهلع منها (Bibliophobia)، أقفُ على مسافة اشتهاء من كل كتاب أتقاطعُ معه في حيز الزمان والمكان، الكتابُ الذي يفتح ذراعيه وطنا شاسعاً ليشعرني بالأمان، وبأنني موجودة بطريقة ما، وأن كتاباً في يدي لهو خيرُ سلاحٍ "نقاوم به الطغاة، المانعين عنا حبّ الحياة"[2].

إنه فِعل القراءة البِكر، المُنَزّه عن الخطايا، الرمزُ المقدسُ لفعلٍ أكثرَ قداسة بدأ بـ"اقرأ". فلنحمد الله على خبزنا اليومي: "القراءة".


___________________________________________
[1] محمد بنيس/ جريدة الاتحاد / 5 مارس 2015
[2] المرجع السابق.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى