عصري فياض - السادس من أكتوبر ...مفصل ثلاثي في تاريخ القضية الفلسطينية والعربية

كثيرة هي الأيام والتواريخ التي أضحت مفاصل هامة في مسيرة قضيتنا وقضية أمتنا على امتداد عقود،من هذه الأيام يوم السادس من أكتوبر، بداية من حدثه الأول في العام 1973،والذي صادف حينها العاشر من رمضان، يوم اندلعت حرب أكتوبر أو حرب تشرين على جبهتي الجولان وسيناء في دقيقة واحدة متفق عليها، بعد سنوات على هزيمة ونكسة 67، وقتها كنت ابنا لتسع سنوات،أتجول بشكل كالمعتاد في سوق مدينة جنين انأ وصديق لي من حيّنا، اقتربنا من موقف سيارات الأجرة العمومي الذي يقع في طرف السوق الشرقي، كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة عصرا، كثير من السائقين يفتحون أبواب سياراتهم، ويتابعون نشرات الأخبار عبر المذياع باهتمام بالغ،.... هناك أصوات أناشيد وطنية...صفق أحدهم وكبّرْ... اقتربت من المكان أكثر،سقط في مسامعي أن الحرب قد اندلعت... بدأ الكثيرون يغادرون الاسواق على عجل، فعدت سريعا للبيت، فوجدت أبي يحنوا على المذياع،فجلست صامتا أتابع معه الإستماع للاخبار المتتالية .....جاء موعد الإفطار وجنى الليل، وبدأت حافلات شركة "ايغد" الاسرائيلية التي تنقل العمال كل صباح من جنين ومنطقتها بالانطلاق غربا نحو حيفا...لحمل الجنود الإسرائيليين من قوات الاحتياط إلى الجبهات...أطفأت الكهرباء على المدينة والمنطقة وجبال الجليل والشمال المقابل لجنين، حتى أصبح الظلام دامسا في كل الاتجاهات...فأضأنا القنديل،في اليوم التالي،قامت الشرطة الإسرائيلية بإجبار أصحاب المركبات بغطاء زجاج مصابيح سياراتهم بالدهان الأزرق الغامق، حتى لا يظهر منها ليلا أي شعاع من ضوء...توالت الإحداث يوما بعد يوم وأنا أراقب الفرحة في عيني أبي تارة ، والقلق تارة أخرى،أنصت لأحاديثه مع إخوتي الكبار بشغف،أشعر أن عدم الثقة ما زالت في نفسه منذ نكبة عام 48، تدحرجت الأيام بثوب أيام الحرب، ووصلت لليوم الحادي والعشرين من أكتوبر حيث أعلن قرار مجلس الأمن الداعي لوقف إطلاق النار، التزمت مصر فورا، ورفضت سوريا،ورفضته في البداية إسرائيل التي تلقت نكستين على في حدودها الشمالية والجنوبية ،بدأت إسرائيل بنقل قواتها جوا من الجبهة الجنوبية إلى الجبهة الشمالية،كان أبي ينظر بسخط على ما فعلته مصر، ويتخوف من سقوط الشام في الأيام المقبلة، لكن وقف إطلاق النار امتد للجبهة الشمالية أيضا، وفرح العرب ببعض الانتصار الذي تلى هزيمة عام 67، ودخلوا في أمل إيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية والعربية مع إسرائيل بعد التغير الذي صنعته الحرب...
وبعد ثماني سنوات على تاريخ اندلاع تلك الحرب، وما تلاها من زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس وخطابه في الكنيست، ومحادثاته مع حكومة إسرائيل وما نتح عنها من توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد والسلام المصرية الإسرائيلية، وانسلاخ مصر بسبب ذلك عن الإجماع العربي، وحالة الرفض والتململ في الشعب المصري بسبب الاتفاقيات وسياسة الانفتاح التي اعتمدها السادات ناقلا هواء مصر للغرب وأمريكيا،فكان تاريخ السادس من أكتوبر من العام 1981 يوم اغتيال السادات في يوم الاحتفالية السنوية بذكرى حرب أكتوبر، الأمر الذي رسخ تاريخ ذلك اليوم بحدثين كبيرين هامين في تاريخ مصر اكبر دولة عربية وتاريخ الأمة العربية والشعب الفلسطيني،عندها كان تعليق الرئيس الفلسطيني الراحل على الحادثة بالقول":- هذا يعني أن قضية فلسطين لازالت تعيش في وجدان الشعب المصري".
أما التاريخ الثالث،فهو السادس من أكتوبر من العام 1987، عندما وقعت معركة الشجاعية بين خمسة من تنظيم الجهاد الإسلامي جديد العهد حينها، الذين فروا من المعتقل الإسرائيلي،وإصتدموا مع قوة عسكرية في مدينة غزة، فحدث اشتباك عنيف أدى لارتقاء الشهداء الخمسة وبينهم قادة مؤسسون لحركة الجهاد الفلسطينية ومقتل الضابط المعروف بـ كابتن "فكتور" مسؤول جهاز الشابك في غزة، وما تلى ذلك من تظاهرات هنا وهناك،بقيت تتأرجح حتى وقوع حادثة دهس العمال الغزيين الستة في التاسع من كانون أول من العام 1987،فكانت انتفاضة الحجارة وما تلاها من انتفاضات ما زالت متتالية لغاية ألان.
هذا التاريخ لنفس اليوم، والمتكرر ثلاثا في سنوات متعاقبة، شكل أحداثا هامة في مسيرة قضية فلسطين وقضايا العرب،ومن النادر أن تصادف يوما يجمع فيه أكثر من ذكرى في نفس الجغرافيا أو الديمغرافيا، لكنه يوم في مناسباته الثلاث ينحو منحا ايجابيا في سلم نمو القضية الفلسطينية والقضايا العربية باتجاه استعادة مجدها وتاريخها التليد بعد عقود من التراجع والانحسار.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى