د. محمد العدوي - القوة والسياسة

مشهد دخول القصر الرئاسي في كابول سوف يظل ماثلا للعيان فترة طويلة بما له من رمزية تجمع بين القوة والسياسة .. فقد شهدت أفغانستان تطورا مثيرا للأحداث لعبت فيه الدوائر السياسية دورا واضحا لكنه بالطبع جاء بعد أن فرض المقاتلون قرارهم على أرض الواقع بالقوة المسلحة .. وأصبح منتهى أمل صناع القرار في العالم أن تنشأ في البلاد حكومة تشاركية تستوعب كافة المكونات الاجتماعية والسياسية وألا تكون قاصرة على الطرف صاحب القوة .. ولا شك أن هذا المشهد سوف يلقي بظلاله على الوطن العربي الذي مرت فيه المعارضة السياسية خاصة الإسلاميين بتجربة مختلفة كانت مدفوعة فيه بمسارات العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات والاندماج في الدولة الحديثة والقبول بالإطار الديموقراطي وهو الأمر الذي نادت به مراكز الأبحاث الواعية في نظرة واقعية مجردة .. لكن هذه التجربة قدر لها أن تصل إلى طريق مسدود وأن تنتهي إلى الخروج من المعادلة بإجراءات غير ديموقراطية .. وفي أعقاب الربيع العربي وما تبعه من أحداث بدأت الدوائر الثقافية ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لفكرة أن الديموقراطية لا تصلح لشعوبنا لأن المواطنين في نظرهم كتلة من السذاجة والبلاهة لا يحسنون الاختيار وسوف تنتهي أي انتخابات بتقدم الإسلاميين ويرون في ذلك تعارضا مع قيم المدنية والحداثة وليس اختيارا حرا من الناس مبنيا على حقهم في التمثيل النيابي العادل مقابل الضرائب التي تشكل النسبة الأكبر من موارد الميزانية .. ولا شك أن تلك الآراء تصب في صالح الأنظمة السياسية التقليدية التي تروج لفكرة الاستقرار وشمولية الحكم على حساب الحقوق والحريات وتحول بعض المثقفين إلى أبواق تهاجم معتقدات الأغلبية .. وتماهيا مع ذلك رأى بعضهم ضرورة الإبعاد الكامل للإسلاميين من الحياة السياسية وتمادى بعضهم فطالب بإقصائهم من الحياة وحرمانهم من أي حقوق بل وتعدى ذلك إلى خلط المتطرفين بالمعتدلين بالمتدينين عموما ووضع الجميع في كفة واحدة .. ويظن المثقفون خطأ أنهم يسيرون في طريق القضاء على الرجعية بينما هم في الحقيقة يبثون في الوجدان الجمعي فكرة تعتمد على التكريس للشمولية والقمع .. وخطورة هذا الأمر تتمثل في شيطنة فكرة التغيير السلمي عند قطاعات واسعة من الناس خاصة الأجيال التي لم تشهد الربيع العربي وما قبله من أحداث وتفاعلات وهو ما يكرس تلقائيا لفكرة حسم الصراعات بالقوة في الوقت الذي تتطلع فيه العيون المشدوهة إلى مشهد القصر الرئاسي في كابول ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى