عبدالله قاسم دامي - رهبان بلا معابد.. قصة قصيرة

نزلتُ من المواصلات منهكا، تائها كعادتي، حائرا مثل البقية، هنا في باحة صغيرة خارج المتحف الوطني الكيني يستنشق الجميع الهواء الطلق من دون دفع أية ضريبة ... مارّة متألقون، سيارات فارهة وأخرى تعود لوحاتها إلى حقبة دانيال أراب موي، سمراوات تنسيك نظراتهن أحزان الليالي الكالحة، بطالة في كل مقعد وزاوية، منشورات توزّع بعشرين شلناً تحكي سطورها عن تفاهات وإنتخابات مزوّرة.

من بعيد بائعة متجولة تهرب عن قبضة رجل من شرطة محلية نيروبي الجبّارة. كلّ شيء يبدوا رائعا وغريبا في آن واحد حتى أن العطالة هنا يأتون ببدلات سوداء، يقلبون الجرائد بعناية، يختبأ في داخلهم بعض اللصوص بإتقان ورجال المخابرات بنظارات شمسية مخيفة، يصطف الجميع بصورة محكمة تعطي الإزدحام جمالا وتضيف السكوت هدوءاً مرعباً. أفخاذ نساء مذهلة ونهود ترقص معها القلوب المعطشة، عطالة يلتفون وراء المؤخرات الممتلئة، مؤخرات ربّما تنسيهم الوقار وأزمنة الصعاب وملل الروتين.

وسط الزحام وضوضاء السيارات يقف قسّ مسيحي في منتصف الباحة ماسكاً يُمناه بإنجيل مهترئ ويسراه بجريدة "الديلي نيوز" التي تتحدث دوما عن قضايا الفساد وقصص نهب الثروات. سلسلة معلقة برقبة القس بها صليب صغير مطلي بالذهب الأبيض. يصرخ القس بصوت عالي وبكل قواه المهداة تتطاير لعابه من شدّة الغضب يسقط منه الإنجيل تارة وتضيع منه الجريدة تارة أخرى "إنهم لا يتبَعون للمسيح ... ترفض الكنيسة كذا وكذا ... إنهم لصوص ... في إفريقيا لصوص، كلّهم فاسدون". إمرأة متسولة تزعجني بكلامها تُشتّت أفكاري وتركيزي على مداخلات القس في شؤون الفساد، أخبرتها بأن الجميع هنا مفلسون ولكنها رفضت المغادرة ربما تعودت على بعض الصدقات من ملامح تشبهني، وأخيرا إبتعدت عنّي نحو وعاء صغير كان يضع فيه المارّة بعض القريشات المخصصة للقس المسكين، إلا أن القس طردها صارخاّ في وجهها لتُدرك بأن الجميع يفتش عن نفس الشيء ولكن بطريقة أو بأخرى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى