سعيد كنيش - ما لنا وما علينا

الحكم المخزني يريد أن نبتلع موقعة ليلة ( 8 شتنبر 2021 ) ونصدق إعلامه وكتبته ومعلقيه ومحلليه بأن نتائج الانتخابات هي من صنع "الصندوق"، أي أن إرادة الناخب هي من أسقطت الذين سقطوا ورفعت الذين صعدوا. لذلك فكلامي لا يعني قطعا تقييما لنتائج الانتخابات انطلاقا من الصندوق.
هناك حقيقة مهمة يجب أن نؤكد عليها قبل هذه الموقعة، وهي أن الحكم المخزني لم يصل في الماضي القريب ولا البعيد إلى هذه الدرجة من السيطرة و التحكم والاحتواء للفرقاء والنخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية . أعني مكونات الاجماع المجتمعين حقيقة على التسليم بالاستبداد والتبعية كقدر.
الطاحونة المخزنية في دورة واحدة سوت بالأرض حزب الاخوان في الليلة المعلومة فمن صنعته أيادي المخزن على مدى عشرات السنين، تستطيع دكه بالتراب في فترة وجيزة دون أن يسمع أو يعلو له صوت احتجاج. ومن أين لأصحاب الحزب سيء الذكر أن يستنكروا وضعا وصاحب الفضل عليهم وسيدهم قد أنهى دورهم في اللعبة . لقد لفظتهم الطاحونة المخزنية مكللين بالعار بعد أن عصرتهم حتى الأخير . أما الوعي الشعبي العام فقد لفظهم قبل هذه الليلة بكثير وصاروا موضوع تندره وسخريته وتقززه وشماتته، ولم يذرف على رحيلهم كلمة واحدة من الأسف. فهل أبقوا على ما يحفظ لهم طيب التذكر بعد أن وضعوا أنفسهم في موقع المعادي لمصالح الشعب. لقد استغل الحكم المخزني هذا المزاج الشعبي المناوئ لحزب الاخوان وقام بتسوية حسابهم بسرعة قياسية. فأصبحوا أيتام في مأدبة اللئام. لا هم نالوا حظوة عند المخزن مقابل الخدمة، ولن يجدوا لهم عذرا عند الشعب.
الإنهاء من الخدمة - غير المفاجئ- لحزب الاخوان في اللعبة السياسية لا يعني إنهاء ونهاية دور الاسلام السياسي في المجتمع. فالأول ( إنهاء الخدمة ) أصبح مطلوبا بعدما تغيرت الأجواء التي خيمت في الربيع/الخريف العربي، حيث شكل حزب الاخوان الالية الاساسية لإجهاض الحراك الشعبي في فبراير 2011 وفي نفس الوقت آلية الهجوم لتطبيق برامج الليبرالية المتوحشة. أما الثاني ( دور الاسلام السياسي في المجتمع ) فهو تابت لأنه يشكل وقود الثورة المضادة وجاهز للانقضاض على كل نهوض لتغيير شعبي وديمقراطي تحرري. حيث الاسلام السياسي في البلد له أذرع متعددة على رأسها وزارة الاوقاف المشرف والمنسق، و يضمن اسلمة السياسة والمجتمع لترسيخ عجز نهوض الحركة الجماهيرية .
هذا الامر يطرح على قوى التغيير متحالفة في خوض النضال السياسي والتنظيمي من أجل استرجاع القطاعات الشعبية من هيمنة قوى الاسلام السياسي. وفي البداية بالقطاعات الجماهيرية التي تضررت كثيرا من اختراق الاسلام السياسي، أعني القطاع الطلابي والتلاميذ والتعليمي عموما، وهذا ممكن بعد أن انكشاف دوره المعادي لمصالحها وخدمته لقوى للرأسمالية المتوحشة والصهيونية.
أصبحت المشاركة عند "أحزاب الاصلاح المؤدب" في الانتخابات أمر اعتيادي، فالمشاركة هي كل ما تملك من أوراق بعد أن رمت بمطالبها الاصلاحية على قارعة الطريق. ولم تعد تجرؤ مجتمعة أو متفرقة على تقديم أي مطالب لإصلاح العملية الانتخابية ولو من باب رفع العتب. فهي مشاركة بدون شروط وبلا ضمانات حقيقية حول الحد الادنى من نزاهة العملية الانتخابية. إن وضعيتها هي العجز الشامل أمام جبروت الحكم المخزني ولسان حالها يقول ماذا سنفعل إذا لم نشارك؟ لذلك فقد طبعت مع الفساد السياسي والمالي المتعدد الاذرع الذي يسود العملية الانتخابية. وصارت تملك أيضا كائناتها الانتخابية الفاسدة. وفقدت كل دور إصلاحي ولو مزعوما، وقدمت طاعتها وصارت بلا طعم ولا رائحة، مخترقة ومتحكم فيها. وبكلمة موجزة فقد صارت تحت إبط المخزن.
سؤال يفرض نفسه بعد انتهاء الحكم من هندسة الواجهة السياسية الجديدة... هل يمكن أن تشكل "اللعبة السياسية" وما يترتب عنها من هياكل ( مجلس تشريعي بغرفتيه ، مجالس محلية وجهوية ، حكومة) دورا في الضبط والتحكم في حركة الصراع الفعلي الدائر بين الحكم المخزني وجماهير الشعب المغربي؟
بالنظر إلى الامس القريب فإن أهم الانفجارات الشعبية ذات النفس النضالي الكبير تولدت وحصلت في حضور هذه "الهياكل التمثيلية" و شكلت أحيانا مأزقا لوجود هذه الهياكل ، بل إنها صارت تعري صوريتها و تفضح طابعها المعادي لمصالحها كما حصل في انتفاضة منطقة الريف المجيدة. واكتسبت النضالات الشعبية جرأة في مطالبها وشعاراتها من حيث تحديد أعدائها الطبقيين. و لسان حالها يعلن عندما تنتفض وتخوض الاضرابات والمسيرات والتظاهرات والاعتصامات، فإنها لا تستشير أحدا أو تأخذ منه إدنا، بل إنها تفرض نفسها في الصراع أمام أعدائها الطبقيين، وترسم طريق التغيير الحقيقي.
سؤال ثاني محرج يفرض نفسه على القوى التي لا زالت تؤمن بالتغيير... هل أوضاعها التنظيمية والسياسية الراهنة في مستوى النضالات الشعبية و آفاق التغيير الواعدة التي تحملها؟ وهل هي مؤهلة لبناء وحدتها النضالية وصياغة برنامجها السياسي على أسس جبهوية؟ وهل يمكن التقدم خطوة في بناء جبهة النضال دون خوض الصراع الفكري والسياسي لقطع دابر التصورات الفكرية و الرهانات السياسية على إمكانية "التوافق حول الإصلاح" مع الحكم المخزني؟ الذي عشعشت طويلا في الفكر والممارسة السياسية لنخب اليسار، والتي تخترق صفوفها، وبناء أدوات النضال الطبقي الجماهيري لتغيير موازين القوى القائمة والخروج من المأزق التاريخي. هذه أسئلة ضمن العديد منها تدق قلاعنا وتسأل ما علينا؟؟

تمارة في 11/10/2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى