صابر العبسي - بمشفى المجانين قد أودعوه وعادوا

عسْعسَ اللّيلُ جَاؤوا
وفي غفلة
عَقدُوا حلفهم
بعْد أنْ أقسموا بالحياة
مضى كلّ منهم إلَى دوره
......
......
......
في رحى الغد
منْ خدرِ الشهواتِ اسْتفاق نؤومُ الضّحى
ثملا بدماء الغزالِ
على مهلٍ سائلا يتثاءبُ
ما السّاعة الآن؟
ها إنّها سيدي الخامسة
بعيد الزوال
تأففّ أوّاه لمّا يزلْ يومُنا باكرا
ومُملا ّطويلاُ
فقال: لكلّ كلابِ الحراسةِ والجُنْدِ فلْتسْتعدّوا
لنخرجْ إلَى الصيْد كيْ نتسلّى قليلا
وكانَ كعادته الجنرالُ الموقرّ
في كلّ يوم لتزجية الوقْت
يصْطادُ سرْبَ عصافيرَ
يقْطفُ باقةَ ورْدٍ
ويجْلسُ في دِعةٍ فوْقَ جُمْجمةٍ يتشمّسُ
لكنّه الآن هذا المساء الحديديّ
منْ سُوءِ طالعه لمْ تطرْ
في السّماءِ العصافيرُ
والشمسُ لاذتْ ببرْقعِها من غيوم رماديّةٍ
مثلمَا الورْدُ لطخ بالفحْم والوحل أوْراقه...
جًنّ مُبْتلعًا ريقَه
لاهجًا يتوعّدُ
أينَ العصافيرُ
والشمْسُ والورْدُ ؟
مثلي أنا كلّ ما خلق اللهُ رهْنُ يدِي
لاَ يُلاطفني الهملُ العرضيّ
أنَا الذئبُ في جلْدٍ حمْل
أنَا الحَمْل فِي جلْدٍ ذئبٍ
أهيب بكم أن تظلوا
على العهد في منتهى العقل والودّ
هلاّ كففتم
عن الإحتجاج
غيابا
لئلاّ .....
فمنْ قمْقم الأفْقِ لحظتها
نطت الرّيحُ ولْهى
مدمْدمةً طوّقته
بمذراتها نزعت من أصابعه البندقيّة
وانتزعت قشّ بزّته العسكرية جامحة طوّحته
وقدْ جمّدته علَى هضبة عنْد مفترقِ الطرقات
العصافير في طرب حينها رفرفت
ثمّ حطتْ على كتفيْه مزقزقة
وانبرى الورْد مشْتعلا يتضوّعُ في حضْنه
عضّت الشمسُ من عسجد
غيْم برقعها المخملي مقهقهة
تستضيء البلاد بأنوارها
وتضيء جميع الجهات عداه
لكي يتجمّد من أثر البرد
لا تذوّبه يتطهّرُ
بل ليظل المحنط موعظة عبرة
على هضبة عند مفترق الطرقات وذاكرة العابرين
.............
............
............
وحفظا لتاريخنا والأساطير
وفق أوامر من لدن الجامعيين أولئك
قد سمنوا من مآدبه لغنائمه
الآن عمالنا الطيبون
لكي لا يصكّ
وكي لا يعضّ ويفْلت
قد قيّدوه بأعْتى الحبال
على متن شاحنة حملوه
إلى المتحف الأثري
ولكنهم خطأ في الطريق
بمشفى المجانين قد أودعوه
وعادوا إلى أهلهم باسمين.....
من كتاب الجنرال الذي أسقطت عرشه عربه
Écrire à Saber Absi
Aa

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى