علجية عيش - مظاهرات 17 أكتوبر 1961 سبقتها مظاهرات 14 جويلية 1953

(ما علاقة الصراع بين الحركة المصالية و جبهة التحرير الوطني بأحداث 17 أكتوبر 1961؟)
الصراع بين المصاليين و المركزيين تحول من صراع سياسي إلى صراع مسلح


أجبرت الظروف التي تعيشها الجزائر في الفترة من اندلاع ثورة نوفمبر 1954 إلى انتقال الثورة إلى الأرض الفرنسية ، حيث أحدثت تأثيرا على الرأي العام الفرنسي، هذا الانتقال الإجباري نتج عنه تأسيس فدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني، و جاء تأسيس هذه الفدرالية في ظرف حساس جدا، تزامن مع الصراع الذي وقع في فرنسا بين جبهة التحرير الوطني و الحركة الوطنية المصالية، تحول الصراع من صراع سياسي إلى صراع مسلح انتهى بمقتل 4000 مهاجر جزائري خاصة و أن الفدرالية كانت امتدادا لفدرالية حركة الانتصار للحريات و الديمقراطية


هذا ما جاء في دراسة تحليلية قام بها الباحث أحمد منغور بعنوان: "موقف الرأي العام الفرنسي من الثورة الجزائرية"، نشرها في كتاب صدر عن دار التنوير الجزائر، حلل فيه مشكل الهجرة في الجزائر خلال الاحتلال الفرنسي، و كيف انقسم المناضلون الوطنيون في فرنسا إلى مجموعات (الميصاليون، المركزيون و المنظمة الخاصة) كان عدد المهاجرين الجزائريين في فرنسا يصل إلى حدود 450 ألف جزائري و كان على جبهة التحرير الوطني أن تؤطرهم و تربطهم بالثورة الجزائرية في الداخل، لذلك قام محمد بوضياف بتعيين مراد طربوش على رأس هذه الفدرالية، كما ارتكزت مهام الفدرالية على تأطير الجالية الجزائرية المهاجرة و جرّها إلى صف الجبهة و تجنيد العمال الجزائريين في معركة التحرير، إلا أن الفدرالية واجهتها مشاكل و صعوبات كبيرة لأنها كانت تركز على فئة العمال دون الفئات الأخرى من الجزائريين مما جعلها تعجز عن جمع الأموال و الأسلحة و إرسالها إلى الجزائر.

أسباب الصراع بين المصاليين و المركزيين تعود إلى اعتقاد المركزيين بأن المصاليين الذين يمثلون الحركة الوطنية MNA كانوا على علاقة بالشرطة الفرنسية التي كان موريس بابون المسؤول الأول عليها و هو المعروف بعدائه الشديد للجزائر، فقد أراد بابون تطبيق على المهاجرين نفس السياسة التي طبقها في قسنطينة مما أدى إلى أحداث 17 أكتوبر 1961، أو كما سميت بـ: "معركة باريس"، خرج المهاجرون الجزائريون إلى شوارع باريس، في مسيرة سلمية و هم يواجهون الشرطة الباريسية ، هي ليست المواجهات الأولى التي تلقتها الجالية الجزائرية في فرنسا أيام الثورة، فقد سبقتها مظاهرات 14 جويلية 1953 عندما أطلقت الشرطة الفرنسية النار على الجزائريين المتظاهرين مع الكنفدرالية العامة للعمال CGT في ساحة الأمّة عند إحياء ذكرى الثورة الفرنسية و حدثت تجاوزات خطيرة ارتكبتها الشرطة الفرنسية في حق المهاجرين الجزائريين.

هذه التجاوزات يقول موريس بابون خلال محاكمته أن جبهة التحرير الوطني FLN وحدها تتحمل المسؤولية، لأنها نقلت الحرب إلى فرنسا، فالخطأ الذي وقع فيه الأفلان هو انه لم يبق الوضع هادئا في فرنسا، بحيث نقل صراعاته الداخلة إلى فرنسا، لأنه ليس من مصلحته كما يقول الكاتب إشعال نار الثورة في فرنسا طالما هو القاعدة الأساسية في تحويل الثورة و شراء الأسلحة، و هو السؤال الذي يطرح من جديد، ما علاقة الصراع بين المصاليين و المركزيين بأحداث 17 أكتوبر1961؟، لاسيما و هذه الصراعات تركت لدى الرأي العام الفرنسي تساؤلات، من أبرزها سؤال: لماذا يتقاتل الجزائريون في فرنسا؟، خاصة و أن الصراع بين الحركة المصالية و جبهة التحرير الوطني تحول من صراع سياسي إلى صراع مسلح، أي دموي اتخذ أسلوب التصفية الجسدية، حيث بلغ عدد القتلى حوالي 4000 قتيل و 9000 جريح من جملة 12000 اعتداء، تركزت أغلبها في العاصمة باريس و هذا في سنة 1958 و كان مصالي الحاج قد نجي من إحدى العمليات التي استهدفته في إقامته الجبرية، وبسبب غيابه ( أي مصالي الحاج) كانت نتائج الصراع لصالح الجبهويين و لذا لم تكن هناك ردود أفعال لدى الرأي العام الفرنسي خاصة و أن فئة كبيرة من الشخصيات الفرنسة و الكتاب و المفكرين و الصحفيين الذين يعارضون سياسة الحكومات الفرنسية في الجزائر ويرفضون الاستعمار.

فما هو متعارف عليه هو أن جبهة التحرير الوطني ولدت من صلب حزب الشعب الجزائري و كانت تسير على نهجه في حربها مع الاستعمار الفرنسي، و هو السؤال الذي لم يلق له جواب عن سبب انحراف جبهة التحرير الوطني عن حزب الشعب الجزائري الذي يعتبر التشكيلة السياسية الأمّ، كانت فيه القيادة واحدة يقودها مصالي الحاج، خاصة و كما تقول بعض الكتابات أن قياديي جبهة التحرير الوطني تخرجوا كلهم من "المدرسة المصالية" و لكنهم تمردوا عليها، فمصالي الحاج من خلال "نجم شمال إفريقيا" و "حزب الشعب الجزائري" ربط التحرر بالبعد الحضاري العربي الإسلامي، حسب تصريح مولود قاسم نايت بلقاسم، لولا مصالي الحاج لما وجد حزب الشعب الجزائري و لما عرف الجزائريون كلمة الاستقلال

أما الصحافة الفرنسية فقد كان لها اهتمام كبير بالقضية الجزائرية خاصة خلال أحداث 17 أكتوبر 1961 التي نظمتها الجالية الجزائرية في باريس بأمر من الجبهة، و تعرض المتظاهرون إلى القمع من طرف الشرطة الباريسية، حيث ألقت بعض الأقلام المسؤولية على جبهة التحرير الوطني باعتبارها المسؤول عن المظاهرات، في حين حمّل آخرون الجنرال ديغول المسؤولية على اعتبار انه لم يوفر الشروط الكافية لاستمرار المفاوضات في 20 ماي 1961 و التي توقفت في 19 جوان من نفس السنة، كما يظل السؤال مطروحا ما علاقة الصراع بين المصاليين و المركزيين في فرنسا بأحداث 17 أكتوبر 1961؟ هل كان مخطط من طرف الجبهة لإبراز قوتها أمام الحركة المصالية و بالتالي إفشالها؟

تشير بعض الكتابات أن جبهة التحرير الوطني عجزت عن مواجهة الراديكاليين بقيادة إدوارد هيريو و تمسكه بالنظرية الراديكالية التي بواسطتها يتم تحضير الشعوب و نشر الحضارة الفرنسية و بالتالي جعل الجزائر فرنسية و كذلك المنتخبون الأوروبيون من الجزائر و في مقدمتهم بورجو و ريني ماير و غيرهم، وكذلك الحزب الاشتراكي، المدافع عن مشروع الجزائر الفرنسية أمام إصرار رئيس الحكومة الفرنسية ميشال دبري على الحفاظ على المشروع باستعمال كل الوسائل، و هو بذلك يسير على النهج الديغولي، حيث قرر بابون تدمير جبهة التحرير الوطني و القضاء عليها نهائيا، ما دفع قادة الجبهة إلى إصدار أمر بخروج المهاجرين الجزائريين إلى الشارع في مظاهرات ونقل الثورة الجزائرية إلى فرنسا و هذا من باب الندية.

قراءة علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى