د. نجاح إبراهيم - السّيابُ يشقُّ قميصَ الولادة

في ذكرى مولد الشاعر الكبير الراحل بدر شاكر السياب


بدأتَ الحياةَ غريباً
وغريباً انتصبتَ هنا
أعياكَ الوقوفُ المرُّ، ويداك الرّامحتان بالشوقِ
نحو الخلاصِ، ولا خلاصَ!
من الخوفِ الآتي
من ألماس لا يضوّيء سوادَ العتمةِ
لا شفاء من ملحمة الصّلبِ المعنّى
وطوي فصولِ الزّرقةِ حواليك
نظري يرتفعُ اليك
مارداً تبدو من فقرٍ مدمّى
وألمٍ يصلُ شرفةَ السّحاب
أتفق وإياك يا سياب
أنّ الحزنَ الكبيرَ ضاق به الكون
والجيوبَ الفارغةَ يعششُ فيها السّراب
والخشبة الخرافية الأصداء
لا تليقُ إلاّ بالأنبياء
فيا أيّها المصلوبُ!
بأيدي المدينة- وكذا المدن تثيبُ الشعراء- اقتفِ
سرّ اليمام
والرّذاذ
والمراكب التي تذهبُ
كم أنت يا صديقي متعبُ ؟!
كي تظلّ مثل منارةٍ تتراعفُ بالأضواء
تسألني مقلتان روّجت زمناً لبيعهما
عن حلمِ الجائعِ بالرّغيف
وبحفنةِ حبّ من ابنة الجلبي؛
ونافذتها الموغلة بالشناشيل
تمدُّ ضفائرَ أنوثتها، والأعين الرّامقة
يملؤها السهادُ والمواويلُ
وتسألني: عن مرضى أعياهم الدّاء
ونهشتهم الغربةُ دونما مأوى
ولا مال ولا قلبٍ يقوى..
عن بلادٍ كان حلمها الصّعود إلى الجلجلة
آه، ما أكبرَ حجمَ الأسئلة؟!
والصّخر الوضعتَ إشارةً عليه
كان ثقيلاً ثقيلا!
و"غيلان" الذي ما هجرتَهُ عن عمد
ظلّ دمعاً في سفرِ الإقصاء
وأشعارك؟!
حين ناديتَ أنا من سمعها
وأنا من زار دارَك، وصمتُ الموتِ فيها
فخضّرَ صوتي دروبَ فصولها
كسوتُ به أشلاءَ عريها
وأنبتُّ ألفَ صديق
يرقبُ انسيالَ فرحٍ منسيّ
من غرفةٍ موصدةِ البابْ
تشرفُ على فيضٍ من نزيفِ القصائدِ
وهالاتِ الغيابْ
وأنا من حملت الصليب، ومشيت بين رئتيك
في صمتِ مدىً رهيبْ
لأقطفَ الأنجمَ والأوسمةَ
ويسري فجرٌ في عروقِ الشجر
يا أيها اليشبهني!
يا عميقَ الجرحِ والاحتراقْ
يا من يسافرُ الوجعُ فيكَ
حتى منتهاه!
قل لي: كيف يحترقُ الماءُ من حواليك
وتدورُ الفُلك كالسّحرِ بين راحتيك ؟
وكيف تنتهي الأوطانُ من جراحٍ متعاقبة؟
ومتى تلطمُ النساء بماءِ وردٍ
ويغدو الفرحُ قطراتٍ متساكبة؟!
ومتى لا نضيعُ في زحمةِ الحروب
ومن دفءِ الأمانِ لا نعرى؟
" وجيكور" الذي عشقناه
يناورُ القصبَ وسكناه
و" عبد الجبار" يتوسل لينامَ
لا، لا تنمْ يا جيكور
أخشى ألاّ تفيق
وبعدها تصعقك بيادرُ النّدم!
إيه سياب!
يسّاقطُ دمعُك على جبهتي
يبلل بالندى خصلتي
أتظنّ إنْ غادرتك ألاّ أؤوب؟!
أغَفِلتَ عن خيالٍ كثيراً فيه ما نؤوب؟
طمئن قلبك اللهفان..
سنطوي فجيعةَ الأحزان
وتضعُ في كفي
الخرزَ الملوّن، كلّما تشرّب من الضّوء
ازدهى وتألق
والشعرُ مهما تاهَ ،غرّبَ وشرّق
على أصابعنا كاللبلاب يشتعلُ ويتسلّق
فلا تمت اليوم..
ولا غدا
وعشْ يا سيابُ مُمزِّقاً
قمصانَ الولادة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى