فاطمه مندى - رقعة فى ثوب الزفاف.. قصة قصيرة

بدأت الموسيقى تعزف أنغاما هادئة ؛ رقص عليها العروسان رقصة الوداع، تعانق العروسان، لقد هام بها شوقاً، لهفة، عشقاً، أحبها بجنون، بادلته عشقاً بعشق، وحباً بحب .
تناقلت حكايتهما الألسن، نظر إليهما البعض بشيء من حسد، وكثير من حقد، وقليل من إعجاب.
همس لها: تمني على حبيبتي، سأغزل لك من حياتي ثوب سعادتك، ومن راحتي وسادة هنائك، سأحيا عاشقاً لك، أرتشف من وجودك كأس هنائي، ستديرين مملكتي وتملئين روضتي بعبير محياك يا أميرة
قلبي، تمنى علي.
قالت في همس: هذا المساء سأروي بساتين فؤادك بعشقي، وستشرب من نهر محبتي، لقد أضرمت النار فى قلبي فلا تنطفئ إلا بجوارك، هذا المساء مضمّخ برائحة أحلامنا وآمالنا، ربوة الذكريات تتهاوى على صخرة الحاضر وتترامي شظاياها في المستقبل البعيد؛ كي نلاحق شمس الغد قبل طلوع الفجر، نروي ظمأ مشاعرنا لهواً وحباً وعشقاً ، ونسألها أن تهدينا ورداً وعطراً وسعادةً فتتوارى في الأفق البعيد، نسارع الخطى خلفها، كي نلاحقها، نتوسل إليها، ندركها؛ لكنها رغم الغياب تركت لنا خلف الأبواب سعادة مذاقها الشهد. قال : حبيبتي اطمئنّي، أينما أنتِ يكون كل شيء، كل شيء لك وكل شيء عندي فداك،
كلّ ما لديّ ملكك، سوف أبني لك ما تتمنى من أحلام، وأجعلك أميرة زماني الحنون.
لقد حلمت بك وكنت نجمة عالية تسبح فى فضاء
سمائي.
أردفت د: لا لا، أنت أمير كل الأزمنة والأمكنة، أنت أمير أحلامي، وفارسي الذى تمنيته.
دلفا إلى حجرتيهما، ينتشى خافقهما فرحا، مد أنامله يتحسس أناملها، طبع علي راحتها قبلة وترك أنامله تسبح داخل حنايا شعرها المموج الحريري، أخذها في حنان يرتشف وينتشى فؤاده من جمال محياها، وعزفا معا أجمل مقطوعة حب في سماء العاشقين.
انتفض على عجل من مرقده،
وتحدث هاتفياً إلى أهلها، وطلب منهم الحضور على عجل، ثم طلب من أهله أيضاً سرعة الصعود إليه.
وجه إليها حديثه : حبيبتى ارتدي ثيابك؛ هناك نذر قطعته على نفسى عندما أتزوج؛ نظرت إليه العروس فى ذهول وقالت : الآن تفى بالنذر فى هذا الوقت ؟!ومالهم الأهل بالنذر؟!
أردف: هذا من شروط النذر ، ارتدي ثيابك علي عجل ، نزل وأهله وحضر أهلها أمام المنزل وقبل نزولهم من عرباتهم ، توجه إليهم وقال لهم: اتبعونى لو سمحتم، نظر إليه والد العروس في دهشة دون تعليق.
أردف: عند وصولنا سأجيب على أسئلتكم، لقد نذرت نذرًا وعهدًا على نفسي وحان وقت الوفاء . قال له والد الفتاه: هل أنت طبيعي؟! هل شربت شيئاً غريباً ؟! أنت في كامل وعيك، ما الذى تفعله؟ قال العريس مبرراً : عذراً عمي عندما نصل ستتكشف لك الأمور، فقط أمهلني بعض الوقت إلى أن نصل، وستزول دهشتك.
ووصلوا جميعاً، وأمام قسم الشرطه نزل الجميع وسأل والد العروس : ما هذا؟
قسم شرطة في ليلة الزفاف ؟! هل جننت؟!
قاطع العريس دهشته : تفضلوا جميعاً ، وأمام الضابط وقف العريس وطلب من الضابط أن يفتح له محضر بالواقعة.
سأله الضابط :أية واقعة ؟ التفت إلى عروسه وأجهش بالبكاء، ورفع يده وصفعها صفعة قويه تقطر من فيها الدماء وقال فى شيء من ذل : حضرتك هذه زوجتي اليوم كان عرسي ، مكتوب في عقد الزواج البكر الرشيد، ولم أجدها بكرًا ؛ ولهذا فهي طالق طالق طالق.
أطرق والد العروس رأسه إلى الأرض في ذهول ورفض قائلاً : اخرس، ماذا تقول ؟ . أرد ف العريس : اعتذر لك ،ولكن هذا ما اكتشفته يوم عرسي، كما أريد توقيع الكشف الطبي عليها الآن لكى أثبت حقي ، وترد علي مهري.
ذهلت العروس من كلام عريسها وانزلقت دموعها وهى رافعة الرأس تنظر إليه في ذهول ورهبه واستنكار، ألجمتها المفاجئة ، أخرست لسانها، وأوقفت كل شيء فى عقلها .
.نظر إليها العريس قائلًا : لم أر غيرك، لم أحب غيرك، لم أقُبَّلك قط أثناء الخطبة، لم يسمح لي والدك أن أخرج معكِ ، فكيف حدث هذا وأنت أستاذة جامعة.
نظرت إليه وهي تذرف الدموع محدقة، ومعلقة: اليوم ألصقت بثوب زفافي رقعة لا يزيلها سواك، وعندما تريد إزالتها سوف يكلفك هذا غالياً . وكسرت قلبي يوم عرسي، وهذا لا يصلحه أحد .
لقد كنت لي الأمان ..الحماية ، اكتشفت يوم عرسي أنك أول من تركني، أول من عَرَّاني أمام الجميع.
وانصر ف الجميع في ذهول وصدمة إلى الطبيب لعمل الفحص الطبي ،وانتظر الجميع في وجوم وغضب.
جاء الطبيب : أين الزوج ، تقدم العريس . أردف الطبيب: إن زوجتك ما زالت بكرأً، لأن غشاءها من النوع المطاط. ..
أرسل الطبيب التقرير إلى الضابط.ا لمختص ،هرولت العروس إلى عربة والدها وهرول والداها في إثرها، وانطلق العريس خلفهم.
أوقف العريس السيارة وأمسك بباب العربة وهو يقول: أنا آسف .. أعتذر؛ عذرا أنا بعتذر، أنا آسف.
نزلت العروس من عربة والدها ووقفت أمامه مرفوعة الرأس تمسح بأناملها دموعها المسترسلة : إن اهانتك لي اليوم لا يعدلها اهانة، واتهامك لي سبة ورقعة في ثوب زفافي لن يمحيها إلا أنت.. ولكن؛ ليس الآن الاعتذار، فيما بعد .. تأتى إلينا في منزل والدي، ثم نفكر كيف تزيل هذه الرقعة من ثوبي، ولك دين عندي سأعطيه لك، ولكن بعد ازالة رقعتي .
دخلت العربة وانطلق الأب والأم إلى منزلهم .
وبعد عدة مواعيد لم تف بها العروس، على مضض وافقت على تحديد موعد لمقابلة عريسها، وجاء العريس وعند رؤيتها أقبل عليها يقبل يدها معتذراً ومعللاً: سامحيني، عقلي توقف اعذريني .
نظرت إليه في ثبات وثقة ودموعها تسبق كلماتها :
-هل هان عليك فضحى؟، ألم تتذكر أي شيء جميل يشفع لي عندك كي تتريث عدة أيام لتتفادى سحقي بهذه الطريقة القاتلة؟. أما تذكرت عشقي لك ؟، قصتنا التي تتناقلها الألسن، ويعجب بها كل من له صلة بنا ،
تريد صفحاً . قال :نعم ..أردفت : إذن عليك بإزالة رقعتي.
قال : موافق على أي شيء. قالت : أولاً تنقل متاعي من منزلكم إلى شقتي في منزل أبى . قال موافق.
ثم تمهرني مهرًا جديد|ً بما أنك طلقتني، نظر إليها مندهشاً : كما تشائي، أريد عفوك .
أردفت : هذا المهر هو أن تقيم لي عرساً آخر ،لأنك قتلتني يوم عرسي، و أعطيت الناس سياطاً يجلدون بها مشاعري كل يوم في ذهابي وإيابي من وإلى الجامعة، وجعلت الناس يمزقونني إلى أشلاء، وبسهام ألسنتهم المسنونة يذبحو ن كرامتي كل يوم، هم وذويهم ، وتعتذر لي مبررا هذا على الملأ هكذا تزيل رقعتي أمام الناس ،وأمام أهلك.
وافق وأتم كل ما طلبت وأقام فرحاً ثانياً، وعلى خشبة المسرح أمسك المايك وأبدى اعتذاره لها أمام الجميع مبرراً فعلته . وقفت العروس أمامه تذرف دموعها وأخذت المايك منه ووجهت كلامها له : لقد أحببتك أكثر من نفسي ، هذا المساء على غير العادة، مضمّخ برائحة أحلام مذبوحة، وآمال مبتورة على ربوة الذكريات تتهاوى على صخرة الحاضر وتترامى شظاياها في المستقبل البعيد، . تجلدني بسياط قاسية كل يوم كي لا ألحق شمس الغد، كي لا أر طلوع الفجر ، وأسألها في يأس أن تهديني وردا وعطراً، فتتوارى في الأفق البعيد، أسارع الخطى ألاحقها أتوسل إليها ، فترهقني ولا أدركها، لقد رددت لي كرامتي المذبوحة بنصل غدرك البارد وجنون تسرعك، عشقتك حد الجنون، والآن أزلت الرقعة من ثوب زفافي، أما وقد أصبح نظيفاً، الآن أرد إليك دًينك، نظرت إليه باكية، ورفعت راحتها وهوت بها على وجهه قائلة : لن أتزوج رجلاً تفنن في تعريتي أمام العامة ، وهرول بي ليلة عرسي إلى الشرطة، أراد ترقيع ثوب كرامتي مدى الحياة .

فاطمه مندى


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى