سعيد العزب - المبدع الأستاذ سعيد العزب يطوف بنا بضريح حضرة الإمام

( فى حضرة الامام ) قصة قصيرة يدوخنا فى دروبها الأستاذ محمود سلطان - كعادته - بين ماض عريق وحاضر يأبى الا أن يهدمه أو يهمله كأنه يهدمه ، فى حضرة الامام محمد عبده يستفتح اديبنا بلقطة عبقرية تجمع حدثين فى مشهد واحد بينهما نحو قرن من الزمان ، يركن الراوى سيارته قريبا من دار الافتاء ويسير على قدميه مرورا بمسجد قايتباى ثم يتوقف على ناصية شارع الامام ( حاضر ) فيلمح متخيلا ( ماض بعيد ) جنازة الامام حيث يحمل جثمانه الملفوف فى جبة خضراء يتبعه جمع غفير من المشيعين ويمضى اديبنا معهم حيث مقبرة الامام التى وورى بها جسده فينقلنا الى احدى النوادر حيث تبارى فى رثاء الامام لفيف من قمم زمانه شعرا ونثرا بحثت عنهم فعرفت ستة منهم ولم اصل الى السابع ، على كل حال فقد تبارى القمم الستة فى رثاء شيخنا بترتيب من واحد الى ستة ومن عجيب الأقدار أن يرحلوا جميعا بذات الترتيب الذى القوا به مرثياتهم على قبر الامام وكان ترتيب الأستاذ حفنى ناصف الخامس ويليله شاعر النيل حافظ ابراهيم وقد كتب الأستاذ حفنى ناصف أبيات شعر موجهة لشاعر النيل يطمئنه أنه لن يسبقه حيث يقول :
اتذكر اذ كنا على القبر ستة
نعدد ٱثار الامام ونندب
وقفنا بترتيب وقد دب بيننا
ممات على وفق الرثاء مرتب
واختتم حفنى ناصف ابياته مطمئنا حافظ ابراهيم قائلا
فخاطر وقع تحت الترام ولا تخف ونم تحت بيت الوقف وهو مخرب
وخض لجج الهيجاء أعزل ٱمنا
فان المنايا عنك تنأى وتهرب
...... ومن العجيب ان القدر مضى بذات الترتيب ورحل حفنى ناصف تاركا حافظ لموعده فكتب شاعر النيل بعد رحيل ناصف قائلا :
اذنت شمس حياتى بمغيب
ودنا المنهل يا نفس فطيبى
قد مضى حفنى وهذا يومنا
يتدانى فاستثيبى وانيبى
ويختم شاعرنا ابياته قائلا :
وقفنا ستة نبكى على
عالم المشرق فى يوم عصيب
وقف الخمسة قبلى فمضوا
هكذا قبلى وانى عن قريب
.... هذا المشهد الذى أخذ مساحة كبيرة من النص فى محلها تماما وذكر علمين من أعلام مصر وروادها فى قلب الحدث يعطى دلالة قوية عن قيمة وقامة الامام محمد عبده ، لم يذكر الكاتب اسمه واكتفى بالامام تعريفا وكأن الصفة لصيقة بالموصوف وذكر الامام لا تعنى الا الشيخ محمد عبده وتلك براعة أخرى أن يكون بطل ومحور النص مجهلا الا من صفة وكأنه اختص بها وحده ، وبعد ان ينتهى كاتبنا الى استعراض أصحاب المرثيات واحدا تلو الٱخر وهو يجهلهم جميعا فيصل بنا الى المشهد النهائى فى الحاضر فيعلن لمن امسك بتلابيبه يسأله من انت يا فتى - مستنكرا جهله بهؤلاء القمم - فيجيبه انا طالب علم جئتكم من عام ٢٠٢١ فيصمت الرجل وقد يئس من حاله ويفيق صاحبنا على صوت صاحب الكشك يناديه ليأخذ علبة السجائر فيلتقطها ويدلف الى حوش مقبرة الامام حيث يتعثر فى أنواع من مخلفات أصحاب الكيوف من زجاجات البيرة وروائح المخدرات وأكوام الزبالة وقد غطت مقام الامام ، جهد رائع ونص بديع وتلك اطلالة قارئ فى رحاب النص ، كل التحية والتقدير للأديب محمود سلطان .

سعيد العزب




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى