د. محمد عبدالله القواسمة - آينشتاين والرواية

من المعروف أن عالم الفيزياء ألْبِرْت أينْشتاين Albert Einstein (1879 –1955) هو عالم ألماني الأصل، وسويسري ثم أمريكي الجنسية، اشتهر بأنه أبو النسبية؛ لأنه وضع النظريتين: النسبية الخاصة، والنسبية العامة اللتين تكونان أساس الفيزياء النظرية الحديثة، ونال جائزة نوبل في الفيزياء عام1921م عن بحثه في تفسير التأثير الكهروضوئي.

كان لهذا العالم الكبير، كما يذكر كتاب" آينشتاين في القرن الواحد والعشرين" مكتبة ضخمة تضم المؤلفات الكثيرة باللغة الألمانية لعدد من العلماء والفلاسفة والأدباء، فمن علماء الفيزياء: هلمهولتز، وبولتزمان، ومن الفلاسفة: إيمانويل كانط، ونيتشه، وشوبنهاور، ومن الأدباء: هاينرك هايني، وغوته.

من الكتب التي كانت تحتويها المكتبة، ويعود إليها صاحب النظرية النسبية من وقت لآخر الكتب الروائية المشهورة في عصره، وأشهرها رواية "دون كيخوته" أو "دون كيشوت" لميجيل دي ثيربانتس. ويقول العالم الفيزيائي ليوبولد إنفيلد، في كتابه عن سيرة أينشتاين الذاتية أن تلك الرواية لم تكن تفارق طاولته، وكان يستمتع بقراءتها ليلًا، وهو مسترخ في سريره، وكان معجبًا بشخصية بطل الرواية الفارس النبيل دون كيشوت ومرافقه وصديقه سانشو.

ومن الروايات التي قرأها آينشتاين روايات فرانز كافكا، منها: "المسخ" و"القلعة" و"المحاكمة". ووقف عند رواية "المحاكمة"، وانتقد رؤية كافكا للإنسان بأنه ليس معقدًا بالصورة التي ظهر عليها في الرواية.

أما أشهر الروايات التي قرأها أينشتاين، فهي روايات "الجريمة والعقاب" و"الأبله" و"الفقراء " و"الإخوة كارامازوف" للروائي الروسي المشهور فيودور دوستويفسكي، الذي أثر كثيرًا ليس في الأدباء والروائيين فحسب بل في علماء الفيزياء والنفس والاجتماع أيضًا. قال آينشتاين إنه تعلم منه أكثر مما تعلم من أي عالم آخر، حتى من كارل غاوس أحد رواد الهندسة اللاإقليدية، التي هي أساس نظريته النسبية. ووصفه بأنه "كاتب ديني عظيم يستكشف سر الوجود الروحي" وبخاصة في روايته "الإخوة كارامازوف".

ويشير الكاتب خوسيه جوردون في كتابه "كون يصعب إدراكه: أحلام الوحدة"، بأن شخصية كارامازوف الملحد والعقلاني في الرواية كانت تحاول تعرف هندسات لامرئية، ورأى أن آينشتاين كان يتحاور معه بوصفه "رجل أدب يعيش في رواية". ويشير عالم الرياضيات ديفيد فولر إلى أن تأملات دوستويفسكي حول الزمن والمكان متسقة مع إطار نظرية آينشتاين النسبية الخاصة.
في الحقيقة فإن آينشتاين اطلع على رواية "الإخوة كارامازوف"، التي صدرت عام 1880م بعد أن وضع نظرية النسبية العامة، التي طورها بين عامي 1907، 1915، ويكتب آينشتاين عن تلك الرواية عام 1920 بأنه وقع في أسرها، ولكنه أسف لأنه لم يقرأها قبل أن يضع نظريته النسبية العامة.
هكذا كان آينشتاين من العلماء الذين أدركوا أهمية الأدب وبخاصة الرواية بوصفها الجنس الأدبي الذي له علاقاته بالعلوم كافة من فيزياء، وعلم نفس، واجتماع، وتاريخ، وسياسة، وأنها الجنس الأدبي القادر على أن يساعد الإنسان على فهم حياته، وصقل وجدانه، وتوسيع خياله الذي، يقول عنه آينشتاين نفسه: " إنه أهم من المعرفة". لهذا فلا غرابة أن نجد آينشتاين يعترف بأهمية الروايات التي قرأها وبخاصة رواية دوستويفسكي "الإخوة كارامازوف". ولعل اهتمام آينشتاين بالرواية عامة كان له تأثير، كما أرى، في موقفه من استخدام الأسلحة النووية؛ فرغم وقوفه مع قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وتورطه حين اقترح على الرئيس فرانكلين روزفلت البدء بصناعة القنابل النووية، إلا أنه شجب فكرة استخدام السلاح النووي، وأدان تدمير مدينتي هيروشيما وناجازاكي عام 1945م، ووقع على بيان مع الفيلسوف البريطاني برتراند راسل يرفضان فيه هذا الاستخدام اللاإنساني. واعترف بأن أمريكا خانت الإنسانية حين ألقى ترومان القنبلة النووية على اليابانيين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى