عمر حمداوي - الشيخ السايح.. قصة قصيرة

في قرية جميع سكانها تقريبا يعيشون على تعارف بينهم وكل غريب يدخلها يعرف بسرعة وإن خال أنه مندمج في وسطها كأحد أفرادها وهذا خطأ في التصور أهل القرية يتم التعرف عل بعضهم البعض بسهولة فهم في الحقيقة كالأسرة الواحدة من قوة تلاحهم صاروا كالإخوة وإن لم يفطنوا لذلك لكن حكماءهم على علم ولم يفتهم هذا الفهم في ظاهره وعمقه وذات يون حدثت مناسبة عامة هامة كثر فيها تواجد الأجانب بالساحات والشوارع لأسباب متعددة في نهار ذلك اليوم دخلت وجوه جديدة وانتشرت كل منها أخذ موقعه الحساس _في المقاهي وقرب الدكاكين وبجانب حطان المساجد وفي وسط المدينة وعلى جوانبها لم يبقى مكان إلا نفذوا إليه وغطوه حراسة تامة مطبقة على المدينة لا تترك فجوة لتسلل العدو كلهم من رجال الحال متخفين في أزياء شعبية متنكرين و متخذين صورا توهم الرائي بأنهم مجرد أناس عاديون ولكن الحقيقة شيئ مختلف فهم يؤدون واجبهم ويقومون بعملهم كما ينبغي
السي علال واحد من هؤلاء الزوار الذين انتدبوا لتأدية هذا الدور يخفي شخصيته ويتقمص أخرى غيرها في صباح ذلك اليوم الذي خرج فيه للقيام بالمهام الموكلة له قدر له أن إلتقى بالشاب الطاهر وكان من أذكياء أهل المدينة المستقبلة لهذا الحفل السعيد قال له السي السايح وكان شيخا قد تجاوز السبعين من عمره أهلا بك طاب يومك رد عليه أهلا وسهلا بالشيخ الكريم بادره السايح إن السياسة قد لا ترضيك طريقة تصريفها لمجريات الأمور أجابه الطاهر لا يسيدي على العكس تماما فإننا هنا جد سعداء والحمد لله على النعمة إننا نقضي أوقاتا جميلة و في أحسن الأحوال ولن تجد يا سيدي مثل هذا المكان ولو جلت العالم كله وهذه مناسبة لا يسعنا إلا أن نعبر فيها عن سرورنا وابتهاجنا أجابه السايح صدقت ياولدي وقد أعجبني منطقك كثيرا ياولدي أدنو مني فإنني أريد ملاطفتك ببعض من الكلام الرقيق الذي يحيي المشاعر التي تكاد تضمحل وتموت _ قل ياسيدي قل ما تشاء فكلي إصغاء إليك وإلى ما تجود به قريحتك يبدو أن يومنا هذا مبارك بطلعتك الشيخ يقول إقترب حتى أحدثك عما يروقني و يروقك تكلم أنا في الإستماع هل تدري أجمل وأطيب وأحلى شيئ في هذه الدنيا ما هو ؟ ماهو أفدنا بعلمك وأنت مشكور على النصيحة التي تبذلها لشاب مثلي في مقتبل العمر _ إنها المرأة نعم إنها المرأة وأثر السحر الذي تتركه في عقل وقلب الرجل لا شيئ يصل إلى مستواها في الفتنة والسحر و الهوى
_ الشاب آه نعم وماذا بعد ياسيدي الشيخ سأقص عليك قصة أذهلتني لسنوات ذات زمان ذهبت إلى الحج وهناك أبصرت امرأة حوراء العينين غمزتها فردت بتقطيبة لمحتها في الحاجبين وهزت رأسها غاضبة و انصرفت لحال سبيلها والتفت خلفي لأراها ولأتأملها فقط وهي تمشي كأنها المها في البيداء تأخرت في العبادة وانشغلت بها عن كل ما سواها فقد حركت قلبي وملأته حبا ولما عدت بعد إنقضاء فريضة الحج سألتني زوجتي كيف تصرفت تلك المدة هناك وكيف أديت فرائض العبادة أجبتها لا تسألي عن حالي فقد كان الجو هناك ملائم ولكنني شعرت بقلة الصبر والتحمل لم أكن جاهزا كما ينبغي لعبد صالح وقد قصرت عن الأهم من الأركان لأخطاء انحرفت بي لضلال لا يحمد ذكره ولماذا ذهبت إلى هناك وماذا كنت تفعل يازوجي العزيز قال الشيخ السايح للشاب الطاهر ولم أشأ أن أطيل معها الحوار حتى لا تستفزني أكثر فأنفضح أمامها فما قلته كفيل بأن يلقي في قلبها الشكوك فيورطني في المحذور .. المهم يا صاحبي أقص لك حكاية أخرى جديرة بالمتابعة والإهتمام إسمع ذات مرة بعثت في مهمة إلى ألمانيا وفي أثناء جلوسي على مقعد الطائرة جاءت مقدمت طلبات الأطعمة وكانت شابة فائقة الجمال حركت شفتاي فحركت شفتاها وأشرت إلى الساعة فتقبلت مني الدعوة ووافقت بالإشارات التي بعثت إليها بها فتم اللقاء في الفندق قضينا أوقاتا سعيدة لا تمحى من الذاكرة وأقول لك في كل بلد زرته استمتعت ببناته فرنسا وبريطانيا كلهن تركن بصمتهن على قلبي ما أجمل الحياة برفقتهن لا أستطيع وصف مشاعري ومدى تأثري قال الشاب وما حال زوجتك للا الحاجة قال لا تعد إلى مثل هذا السؤال إنها دائمة تختلق الأعذار وتبتدر إلى فبركة المعارك مما جعلني أنفر من المنزل وأراه مظلما بسببها فهي لا تفهم ولا تناقش في شيئ يشرح الصدر كل كلامها يصب في إتجاه مناقض للحياة وهذا وحده يدفع للإلتزام بالصمت معها وكان الشاب يهوى الضحك وتزجية الوقت مع قصص وحكايا الشيخ السايح طوال المدة التي قضاها في مهمته
وخرج الطاهر بفكرة مفادها أن الحياة التي تعاش خير من التي تبقى مجرد حلم لا يعني شيئا وخال من أي تجربة حقيقية فالأغنياء يسافرون ويحيون الحياة و الفقراء ينظرون إليها من بعيد من وراء الفترينات أو يسمعون عنها فقط و لا يغتنمون منها أي شيئ إلا الفاقة و الأحزان وقال الشيخ أنا الآن في الواحد والسبعين من عمري ولكنهم لم يمنحوني التقاعد وقد رفض طلبي بدعو ى أن الشباب يحتاجون إلى مهارتي وتجربتي الجيدة في العمل ثم أنه رأى أحد تلامذته المتنكرين فسأله هيه يا فستق هل دبرت لنا العشاء الليلة قال له نعم الليلة ننزل ضيوفا عند سعيد وكان هذا رجل ثري طاعن في السن قال له إنه أشبعنا بالكسكس أنظر لنا شخصا غيره نريد التنويع في الطعام ما لك لا تمل ولا تفهم متطلبات المعيشة ثم أن السايح غاب مدة تجاوزت السنة بلغ الشاب خبر وفاته صديقه فحزن على فقده وتأسف وتحسر الطاهر على الشيخ السايح وفاضت عيناه بالدموع و كان كلما تذكره يصفه بصاحب النكتة والقلب الطيب الناصع البياض .
Écrire à Omar Hamdaoui
Aa

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى