د. محمود عطية - فى مديح من مات وحيدا.. "أبو ذكرى"

لم تنطل على ضحكاته العالية والمتتالية ولا حتى خدعنى وجه الباسم دوما عن رؤية حزنه الدفين.. ولم تلهنى قدرته على عدم التوقف عن الحديث وكأنه ماكينة نسى صانعها تصميم مفتاح حتى تتوقف عن ضخ الكلمات المتلاحقة السريعة واختلاق الحكايات التى لا تنتهى وكأنه شهرزاد الرجال ..!
ابدا لا يدع لك فرصة لمراجعتة أو حتى للمساهمة فى حديثه المتدفق..يتشعب فى مواضيع متباينة حتى تفقد أحيانا متابعته..يستمر فى حديثه فى تتابع مربك كأنه يخشى أن يقع فى لحظة صمت يواجه فيها نفسه فيشتد حزنه على حلمه الضائع دوما.. يريد ان يخدع قلقه الدائم بحديثه معك.. !
ادركت اضطرابه الدائم من الحاح موهبته التى يكابدها حتى ترضى بما وصلت واستقرت إليه.. لكنها تأبى ان تريحه وترتاح لم يعد قادرا على الجام جموحها به.. ورغم تقدمه الدراسى والتحاقة بواحدة من أكبر الصحف والسماح له بمجالسة الكبار بها فيما يشبه صالونها الفكرى وهو مازال حديث عهد بالصحافة.. إلا انه لم يشعر بالتحقق ..!
دخل فى معارك طاحنة بالقاهرة وصلت للقضاء حتى تلهيه عن ضغط حلمه الخفى ..تساءل متى يستيقظ على أرض صلبه تتيح لحلمه وموهبته ان تتحقق..هو نفسه لم يعد قادرا على فهم حلمه المراوغ.
شعر بأن القاهرة وجريدتها لم تستوعبه.. لملم جراحة النازفة من معاركه بالقاهرة التى لم ينتصر فيها رغم جراءته وقوته ودفاعه ..ورجع لمسقط راسه للاسكندرية لحبه وعشقه..لكنه ظل عاشقا للقاهرة يتواصل مع كل محبيه دوما.
ويتكرر نفس السيناريو عدة مرات العودة للقاهرة ثم الرجوع لمسقط راسه بالاسكندرية قلق بلا مستقر..حتى وهو بالاسكندرية لم يفوت فرصه الا ويطمئن على زميل له بمقر الجريدة بالقاهرة ..يهنأ الزملاء على أعمالهم المنشورة ويناقشها معهم حتى يشعر انه مازال بالقاهرة ووسط الجريدة عشقه وتاريخه الذى خطه فيها وسط عمالقة فن الصحافة.
نفس وافرغ عن موهبته بكل انواع الكتابة بداية من الشعر حتى المقال والسيناريو وبرع فى النقد الفنى وابدع اكثر فى محبة الزملاء..كتب وتحدث بروح المتصوف المحب الولهان ..تلبس عباءة المتصوف كثيرا ..وعشق الزملاء ودافع عنهم كيسارى عتيد..وحفظ القرآن كولى وتاه وسط بحرى بالاسكندرية وروض الفرج بالقاهرة..
وفجأة يقرر ترك حبه وعشقة ليكمل مشوار ابيه ويحى مسجده ..لكنه بدأ يكتب وتفتحت امامه نوافذ الكتابة..وبدا يطوف على الزملاء وكأنه فى وداع مسافر ...يتنقل بين الزملاء فى العديد من الاقسام حتى على سلالم الجريدة يتحدث معهم يسمعهم قليلا ويتحدث اكثر وكأنه يهرب ويودع ويكمل رسالته.
فكان نبيا بلا رسالة..ومتصوفا بلا طريقة.. ورغم ذلك اكمل طريقه وذهب لينام وحده ويرحل وحده ويتركنا فى قلق حوله كيف كنت لحظاته الأخيرة.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى