د. يوسف حطيني - مِنْ مَقَامَاتِ طَرِيدِ الزَّمَانِ الطَّبرَانيّ(7) أَبُو القَاسِم الطُّنْبُورِيّ يُفَكّر في اقتِحَامِ القَصْرِ الجُمْهُوريّ

(7)
أَبُو القَاسِم الطُّنْبُورِيّ يُفَكّر في اقتِحَامِ القَصْرِ الجُمْهُوريّ


إلى منتظر الزيدي
الذي رقص الكثيرون على إيقاع معاناته
حِينَ آبَ طَرِيدُ الزَّمَانِ مِنْ زِيَارَةٍ مُفَاجِئَةٍ للعِرَاق، جَمَعْنا الأَهْلَ والرِّفَاق، لِنُعَبِّرَ لَهُ عَنْ فَرْحَتِنَا بِلِقَائِهِ بَعْدَ الفِرَاق. وَإِذْ هَنَّأنَاه بسَلامَةِ السِّفَارَة، سَألْنَاهُ دُونَ إِبْطَاءٍ عَنْ سَبَبِ تِلْكَ الزِّيَارة؛ فَقَالَ: أمَا قَبَّلْتُم الأَيْدِي، لِكَي أُحَدِّثَكُم عَنْ مُنْتَظَر الزَّيْدِي؟ قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: مَا سَافَرْتُ إلا لهَذهِ الغَايَة، بَاحِثاً عَنْ أَصْلِ الحِكَايَة، بَعْدَ أَنْ جَهّزْتُ سُفْرَتي، واِسْتَنْفَرْتُ همِّتي.
قُلْنَا: هلا صَحْصَحْتَ لَنَا مُرَادَ الكَلام، ولجَأتَ إلى التَّوْضِيحِ بَدَلَ الإِبهَام.
قَالَ: إنّ مَا كُنْتُ أُعَوِّل عَلَيْه، هُوَ أَنْ أَجْلِسَ إِلَيْه، فَأَسْأَلَهُ عَنْ مُسَوِّغِ فِعْلَتِه، وغَايَةِ طلبَتِه، ولَكِنّني لم أَسْتَطِعْ تحدِيدَ وُجْهَتِه، عَلَى الرُّغْمِ مِنْ اكتِرَائي حِصَاناً أبْلَق، واستِعَانَتِي بِالذّبَابِ الأَزْرَق، لِذَلِكَ لم أَرَ بُدّاً مِنْ تَغْيِيرِ هَذَا السَّبِيلِ الأخرَق، والابتِعَادِ عَنْ لَسْعِ عَقَاربِه، فجَعَلْتُ وُجْهَتي بُيُوتَ أهلِهِ وأقَارِبِه، وإذْتَرَاءَدَ الضُّحى مع انبساطِ شمسِه وارتفاعِ نهارِه، وَصَلتُ إلى بَيتٍ فِيهِ نَفَرٌ غَيرُ قَلِيلٍ مِنْ زُوَّارِه، يَقُومُ عَلَى حُسْنِ وِفَادَتهم شَبَابٌ وبَنَات، استَغْلقَتْ عَلَيَّ كَثْرَتُهُم، فَقِيلَ لي: هَذَا بَيتُ مُنْتَظَر، وَهَؤُلاءِ إِخوَتُهُ وأَخَوَاتُه، ثمَّ كانَ لِقاءٌ غَرِيب، قَادَني إلى رَجُلٍ في البُخْلِ عَجِيب."
قُلْنَا: هَلّا دخَلْتَ أَتُونَ الحِكَايَة، لنَأْخُذَ مِنْها عِظَةً وآيَة.
قَالَ طَرِيدُ الزَّمَان:
"حِينَ دَخَلْتُ الدَّارَ رَأَيْتُ مَزِيجَاً مِنَ الحُزنِ والفَخَار ، إذْ تَأَلَّقَ في العُيُونِ تمَرُّدٌ غَاضِب، وعَلا الوُجُوه هَمٌّ نَاصِب. وسَرْعَانَ مَا تَقَدَّمَ نَحْوِي أَحَدُ إِخْوَتِهِ قَائِلاً: أَنَا شَقِيقُ مُنْتَظِر الزَّيْدِي، فهَمَمْتُ أن أُخبرَه بِمَا عِنْدِي، فَبَادَرَني: لا نَسْأَلُكَ شَيْئاً حَتَّى تختبرَ إِدَامَنا، وتَأْكُلَ طَعَامَنا، وتَتَذَوَّقَ حِسَاءَنا، وتَشْرَبَ إنَاءَنا، فحَلَفْتُ لَهُ أَنّي هقِفْتُ وضَعُفَتْ شَهْوَتي للطَّعَام، فَجَاءَني بِبَعْضِ الرُّطَبِ الَّذِي تَنْدَى طَلاوَتُه، فَوَجَدْتُهُ قَدْ مَسُخَ وَقلَّت حَلاوَتُه، فَخَمَّنْتُ في نَفْسِي حُزْنَ النَّخِيل، عَلَى مَا أَصَابَ العِرَاقَ القَتِيل. وَعِنْدَهَا سَألَني عَن هُوِيَّتي ومَكَاني، فَقُلْتُ: أنَا طَرِيدُ الزَّمَانِ الطَّبَرَاني.
فَقَامَ مِن فَورِه، وضَمَّني إلى صَدْرِه، قَائَلاً: أَهْلاً بِكَ أيّها العَمّ.. يَا شَرِيكِي في الهَمِّ والغَمّ.
فَقُلْتُ لَهُ: أتَغْتَمُّ وقَدْاجتَمَعَ غُمَارُ النّاسِ في حَفْلٍ بهيج، ورَاحُوا يَرْقُصُونَ بينَ المحيطِ والخَلِيج، احتِفَاءً بِذَلِك الحِذَاء المَيْمُون، الَّذِي رَمَاه مُنْتَظَر في وَجْه الطَّاغِيَةِ المَأفُون، فَكَانَ أَبْلَغَ وَدَاع، لأُسِّاللُّؤْمِ والخِدَاع؟.
وَعِنْدَهَا تَبَلْسَمَ وَجْهُ الشَّقِيقِ مِنَ الغَضَب، ونَسِيَ مَا بَيْنَنَا مِنْ رُطَب، فَكَأنَّما تَلَبَّسَهُ إبلِيس، أو حَلَّتْ بِهِ دَاهِيَةٌ عَنْتَريس، وَقَالَ وَقَدْ أخَذَ مِنْه الهيَجَان: لَقَدْ قَامَ أَخِي بِوَاجِبِه دونَ نُقْصَان، وَرَفَضَ أنْ يَمُدَّ جَسَدَ شَعْبِهِ المضرَّجَ بالدّمَاء، عَلَى هَيْئةِ سَجَّادةٍ حَمْرَاء، يَدُوسُها زُعَمَاءُ الإِرْهَاب، فَاجْتنَبَ بِذَلِكَ النَّقِيصَةَ والذَّاب . لَقَدْ قَامَ أَخِي بخُطْوَةٍ رَمْزِيَّة، تُشْعِلُ في النُّفُوسِ الحَمِيَّة، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لا يُحَرِّرُ وَطَناً ولا يَحْسِمُ قَضِيَّة.. أَرَادَ أنْ يَكُونَ ضَرْبُ الحِذَاءِ رِسَالة، للصَّفْوَةِ والحُثَالَة، حَتَّى يَرْفَعَ المَظْلُومُونَ السِّلاح، لَكِنَّهم حَمَلُوا الحِذَاء في مُظَاهَرَاتٍ حَتَّى بَوْلجَةِ الصَّبَاح .
قُلْتُ: أَتُرِيْدُ أنْ تُنَغِّصَ عَلَيْنَا فَرْحَتَنَا بِالحِذَاء، وَقَدْ وَصَلَتْ زَغَارِيدُنَا إلى أعْنَانِ السَّمَاء ؟ حَتَّى إِنَّ شَاعِرنَا غَازي القُصَيْبِيُّ قَالَ:
مُتْ إنْ أَرَدْتَ فَلَنْ يَمُوتَ إِبَـاءُ مَا دَامَ في وَجِـهِ الظَّلُومِ حِذَاءُ
مَاذَا تُفِيـدُك أُمَّـةٌ مَسْـلُوبةٌ أَفْعَالُـهَا يَـوْمَ الوَغَـى آرَاءُ
للهِ أنْتَ، أكَـادُ أُقسِـمُ أنَّـهُ لجَـلالِ فِعْلِكَ ثَارَتِ الجَوْزَاءُ
لو ضُخّ بَعْضُ دِمَاكَ في أوصَالِنا مَا كَانَ فَوقَ عُرُوشِـنا عُمَلاءُ

ثمَّ إِنَّ الشَّقِيقَ قَالَ دُونَ أنْ يَنْظُرَ إليّ: أَتَعَجَّبُ مِنْ أُمَّةٍ تختَصِرُ الفِعْلَ الثَّورِيَّ في مُظَاهَرَة، وتجعَلُهُ حَدِيثَ مُنَادَمةٍ أو مُسَامَرَة.
غَيْرَ أنَّني مَا زِلْتُ بِهِأُبَاسِطُه وألاطِفُهُ حَتَّى ثَأْثَأَ عِنْهُ الغَضَبُ، وَهَدَأَت الطَّوِيّة، وسَأَلَني عَن طَبَريَّة، فقُلْتُ: أَجْلَى العَدُوُّ سُكَّانَهَا ، ودَمَّرَ بُنْيَانَهَا، وَجَعَلَ "جَامِعَ الجِسْرِ" قَاعاً صَفْصَفَا، وَبَنَى عَلَى أَرْضِه مَتْحَفَا.
ثمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ مُنْتَظَر، وظُرُوفِ اِعْتِقَالِه، فَقَالَ: إنَّي لا أَعْلَمُ شَيْئاً مِنْ مَآَلِه، فَأَرْدَفْتُ دُونَ تَمْهِيد:
- أينَ الحِذَاء؟
قَالَ: مُكبَّلٌ بالحَدِيْد.
قلتُ مُبْتَسِماً: فَمِنْ أينَ جَاءَ بهذَا السِّلاح؟
فقَالَ: يا لَكَ مِنْ مِلظاظٍ مِلحَاح.. ثمَّ أضَافَ: أتحفَظُ السَّرِّ والمِيثَاق؟
قُلْتُ: في أَعْمَقِ الأَعْمَاق.. (وَكُنْتُ أَعْرِفُ أنَّ حِفْظَهُ لَيْسَ في مَقْدُورِي).
فَقَالَ: لَقَدْ استَعَرْتُهُ مِنْ عِنْدِ أبي قَاسِمٍ الطُّنْبُورِي.
قُلْتُ: فَهَلُمَّ بِنَا إِلَيْهِ.
فأبى أنْ يُرَافِقَني، لأنَّ الطُّنْبُورِي يَأْتِيْهِم صَبَاحَ مَسَاء، طَالِباً ذَلِكَ الحِذَاء، فَتَعَجَّبْتُ أَشَدَّ العَجَب مِنْ سُؤَالِهِ عَنْ حِذَائِه، وهُوَ الَّذِي طَالما أرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ بَلائِه. غَيْرَ أنَّي سَعَيْتُ إَلَيْهِ وَقْتَ الظَّهِيرَة، فَوَجَدْتُهُ عَلَى حَصِيرَة، يَأكُلُ مِنْ بَقَايَا طَعَام، فَأَسْرَعَ إلى مَا تَبَقَّى مِنْ لُقَيْمَاتٍ وزَلْقَمَها ، واسْتَفَطَ مَا في الإدَاوةِ مِنْ مَاء. ثمَّ قَال: حَيَّاكَ وبَيَّاك، وَلَوْ كَانَ لَدَيْنَا طعامٌ أو شَرابٌ لاستَضَفْنَاك، قُلْتُ: لا أَرْغَبُ في طَعَامِكَ أو شَرَابِك، وأنَا لِغَيْرِ هَذَا وَاقِفٌ عَلَى أعتَابِك. فَأَشَّ وَبَشَّ إذْ غَادَرَتْهُ البَأْسَاء، فَأَجْلَسَني على أَرْضٍ حَثْوَاء ، وَسَأَلَني عَنْ اسمِي وحَاجَتي، فَقُلْتُ: أَنَا طَرِيدُ الزَّمَان الَّذِي حَكَم عَليَّ بالشَّقَاء، وَقَدْ جِئْتُكَ سَائِلاً عَن الحِذَاء.
قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي، فَقَدْ أَخَذَهُ مُنْتَظَر الزَّيْدِي.
- إذاً فَقَدْ أَعَرْتَهُ إيّاه؟
قَالَ: نَعَم، فَعَلْتُ ذَلِكَ. وَقَد سَبَقَ أنْ استَعَارَهُ مِنّي خرُوتْشُوف فَأَجْفَلَ الدُّوَلَ المُرْتَعِدَة، إذْ ضَرَبَ بِهِ مِنَصّةَ الأُمَمِ المتَّحِدَة، ثمّ أعَادَه إليّ فَعَادَتْ مَعَهُ المَشَاكِل، وَحَاوَلْتُ التَّخَلُّصَ مِنْهُ بِشَتَّى الوَسَائِل، إذْ اتُهِمْتُ بِسَبَبِهِ أنَّني قَاتِل، وَكَانَ السَّبَبَ في إِجْهَاضِ امرَأةٍ حَامِل، وَمَا زِلْتُ أَفَكّرُ في حِيْلةٍ تُخَلِّصُني مِنْ نَحْسِه، بَعْدَ أنْ عَانَيْتُ سَطْوَةِ بَأسِه، حَتَّى جَاءَني مُنْتَظَر، فَأَخَذَهُ مِنِّي، وانقَطَعَتْ أَخْبَارُهُ عَنّي، إلى أنْ رَأَيْتُهُ طَائِراً في الهَوَاء، نَحْوَ مَنْ حَمَلَ إلَيْنَا البَلاء، فَشَعَرْتُ بِفَرَحٍ غَامِر، إذْ كَانَ حِذَائِي سِلاحَ النَّصْرِ البَاهِر. لِذَلِكَ فَأَنَا مُصِرٌّ أنْ أستَعِيدَهُ، وإنْ كَانَ أُولُو الأَمْرِ يَتَحَفَّظُونَ عَلَيْه.
قُلْتُ: وُمَا حَاجَتُكَ إِلَيْه؟ وَقَدْ عَمِلْتَ زمناً عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ شَرِّه المُسْتَطِير، حَتَّى إِنّكَ رَمَيْتَهُ في المَجَارِير.
قَالَ: سَمِعْتُ أنّ أُمَرَاءَ النِّضَالِ في بِلادِ الرَّشِيد يَلْبَسُون الجَدِيد، وَيَعِيشُونَ في المنطقَةِ الخَضْرَاء، بَعِيداً عَنِ السُّوقَةِ والدَّهْمَاء، وَيَضَعُونَ حَوْلَهُم الحُرَّاس، بَعْدَ أنْوَلِغُوا في دِمَاءِ النَّاس.
قلتُ: وَمَاذَا أَنْتَ فَاعِلٌ بِهِ أَيُّهَا الطُّنْبورِي؟
قَالَ: أُفَكِّر في اقتِحَام القَصْرِ الجُمْهُورِي.
ثمَّ نَكَتَ الأرضَ حَوْلَهُ بِعُودٍ كَانَ في يَدِهِ، وَأَضَاف: وَلَكِنَّني يَا طَرِيدَ الزَّمَان مُتَرَدّد حَيْرَان.
قُلْتُ: فَفِيمَ التَّرَدُّدُ، وَقَدْ رَأَيْتَ مِنْ هَؤلاءِ الجُبَنَاء كُلَّ مَظَاهِرِ الضَّعْفِ والاستِخْذَاء.
قَالَ: رَأَيْتُ مَا حَدَثَ في قِطَاعِ غَزّةَ، مِنْ قَتْلٍ طَالَ البَشَر، وتَدْميرٍ طَالَ الشَّجَرَ والحَجَر، وَقَنَابِلَ فُوسفُورِيَّةٍ نَزَلَتْ عَلَى رُؤُوسِ النَّاس كانهِمَارِ المَطَر، وآَلافِ الأِطْنَانِ مِنْ قَذَائِفِ الأعْدَاء الَّتي هَدَمَتْ المَسَاجِدَ والمَدَارِسَ ومَقَابِرَ الشُّهَدَاء، وَبَعْدَمَا رَأَيْتُ المُعْتَقَلِين الَّذِينَ جَعَلَهُم العَدُوُّ دُرُوعاً بَشَرِيَّة، لاقْتِحَامِ المنَاطِقِ السَّكَنِيَّة، وَبَعْدَمَا رَأَيْتُ الجَرْحَى الَّذِين شَوَتْهُم القَنَابِل، ثمَّ شَهِدْتُ بَعْدَهَا السَّعْيَ إلى تَبْرِئَةِ القَاتِل، وَجَدْتُ مِنْ وَاجِبي أنْ أُغيّرَ وُجْهَةَ الحِذَاء نَحْو مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الأعدَاء والأصدِقَاء.
قُلْتُ: وَمَنْ سَتَضْرِبُ بِهِ؟
قَالَ عُدَّ عَلَى أَصَابِعِكَ:
سَأَضْرِبُ به الصَّامِتِينَ مِنْ دُعَاةِ التَّحَضُّر والمَدَنِيَّة، والشَّامِتين مِمَّن يَدَّعُونَ الاِنْتِمَاءَ للأُمَّةِ العَرَبيِّة، وَمَنْ قَابَلُوا العُدْوَانَ بالصَّمْتِ المُرِيع، وَمَنْ يَسْتَمِرُّونَ حَتَّى الآنَ بالتَّطْبِيع، وأَضْرِبُ المُتَخَاذِلِين الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ التَّشْوِيشَ عَلَى النَّصْرِ المُبِين الَّذِي حَقَقَتْهُ العُنُقُ عَلَى حَدِّ السِّكين، ومَن يُشَارِكُوَن في الحِصَار، مِنْ عَبَدَةِ الطَّاغُوتِ والدُّولار، لِيَفْرِضُوا عَلَى غَزّةَ الَّتي انتَصَرَتْعَلَى شُرُوطِ الهَزِيمَةِوالعَار، بَعْدَ أنْ دَافَعَ المُقَاوِمُونَ عَنِ الدَّار، وحَمَوا الذِّمار.
قُلْتُ: أَرَى أنَّ أمَامَ حِذَائِكَ مَعَارِكَ كَثِيرَة، أَكْثَرُهَا ضَرَاوَة مَعَ الأهْلِ والعَشِيرَة، فَتَمَثَّل بِقَوْلِ طَرَفَةَ بنِ العَبْدِ:
وظُلْمُ ذوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَام المُهَنَّدِ
ثمَّ إنَّ أبَا قَاسمٍ الطُّنْبُوري سَأَلَني: ألا تَسْتَعِيرُ الحِذَاء، لِتَضرِبَ بِهِ رُؤُوسَ الأعْدَاء؟
قُلْتُ: لا، فالأعْدَاء يَسْتَحِقُّون الرَّصَاص، وهذا عَدْلُ القِصَاص، إلا أَنْ يَتْرُكوا أَرْضَ أَجْدَادِي المَارِعة، ويَبْحَثُوا عَن أجدَادِهِم في بِلادِ اللهِ الوَاسِعة.
ثمَّ أضَفْتُ مُبْتَسِماً: بُورِك لَكَ في الحِذَاء، تَضْرِب بِهِ مَنْ تَشَاء، هَذَا إِذَا أفرَجَتْ عَنْهُ الوَكَالةُ الذَّرِّيَّة للطَّاقَةِ النَّوَوِيَّة، فَقَدْ سَمِعْتُ أنَّهُ عُدَّ مِنَ الأَسْلِحَةِ غَيْرِ التَّقْلِيدِيَّة".
ثمَّ إنَّ طَرِيْدَ الزّمَانِ وَاعَدَنا في يَوْمٍ قَرِيب، ليُحَدِّثَنا بحَدِيثِ الأَرِيب، عَمَّا تَجْنِيهِ الأُمَّة.. مِنْ مُؤتَمَرَات القِمَّة، وَحِينَ هَمَمْنا بالمُغَادَرَة أشَارَ عَلَيْنا أنْ نَبْقَى للمُسَامَرة، فَبَقِينَا نَتَجَاذَبُ الكَلام، حَتَّى غَلَبَهُ المَنَام، أو لَعَلَّهُ تَظَاهَر بالنَّومِ حَتّى يَحْرِمَنا الشَّايَ بالميرميَّة، بَعْدَ أنْ أَصَابَتْهُ العَدْوَى الطُّنْبُورِيَّة، لِذَلِكَ غَادَرْنَا مَجْلِسَهُ بِهُدُوءٍ مُغَادَرَةَ الشَّفِيق، وتَشَأْشَأْنا كُلٌّ في طَرِيق.

26/1/2009

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى