بهاء المري - حجية ما يُنشَر على شبكة الإنترنت من بيانات في الإثبات، ومدى جواز قضاء القاضي بعلمه بها.

مما يثور في صدد الحديث عن حجية الأدلة الرقمية، البيانات التي تنشر على شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" فهل يجوز للقاضي أن يستند إليها كدليل استقاه بنفسه من هذه الشبكة ويأخذ به، أم يعد ذلك من قبيل العلم الشخصي له مما لا يجوز له القضاء به؟

- مبدأ "لا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من القيود التي ترد على مبدأ حرية اقتناع القاضي في مجال الإثبات الجنائي، أن يكون الدليل مبنيا على أدلة مستمدة من أوراق الدعوى، وهو ما ينبثق عنه المبدأ الشهير: "لا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه الشخصي".

- حدود المبدأ:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يجوز للقاضي الاستناد إلى معلومات شخصية لم تطرح في جلسة المحاكمة، أي خارج نطاق المرافعات التي تمت في الجلسة وتمت مناقشتها، كأن يكون قد رأى واقعة بنفسه أو سمع بها في غير مجلس القضاء، ذلك أن مثل هذا الدليل لا يكون قد طرح أمامه في الجلسة، فلا يجوز بناء الاقتناع على معلومات القاضي الشخصية.
والمقصود بالمعلومات الشخصية المعلومات التي يتحصل عليها القاضي خارج مجلس القضاء بصفته من آحاد الناس وليس بصفته قاضيا.
ومؤدى هذا أنه "يجوز للقاضي أن يعتمد في حكمه على المعلومات التي حصلها وهو في مجلس القضاء أثناء نظر الدعوى، فإن ما يحصله على هذا الوجه لا يعتبر من المعلومات الشخصية التي لا يجوز للقاضي أن يستند إليها في قضائه. وإذاً فلا تثريب عليه إذا قال في حكمه "إن الفريقين من النوع المعروف بالفتوات، وقد ارتكبا مع بعضهم جناية قتل في المحكمة أثناء نظر هذه القضية في جلسة سابقة وقد ضبط للجناية واقعة مستقلة، وترى المحكمة استعمال الشدة مع الطرفين.

- محكمة النقض تحسم المسألة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد حسمت محكمة النقض – الدوائر المدنية – هذه المسألة، وقضت في غير مناسبة في أقضية حديثة بجواز قضاء القاضي بعلمه بالبيانات المنشورة على شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" متى كانت تلك البيانات من قبيل العلم العام الذي لا يحتاج إلى دليل على قيامه، مثل ما جرت عليه العادة على الاعتداد بالبيانات والأرقام المنشورة للاتفاقيات الدولية الموقعة في إطار منظمة الأمم المتحدة، بما في ذلك المنظمات أو الوكالات المتخصصة المرتبطة بمنظومة الأمم المتحدة كصندوق النقد الدولي، التي تعتمد على تدقيق المعلومات وتحديثها على نحو دائم، ومصر عضوا بصندوق النقد الدولي.(نقض مدني الطعنان: 10103 لسنة 86 ق جلسة 23 / 4 / 2019، 2317 لسنة 59 ق جلسة 8/2/1996 س 47 صـ 317. ونقض الدائرة التجارية والاقتصادية: الطعن رقم 8308 لسنة 87 جلسة 8 / 1 / 2019).
كما قضت بجواز قضاء القاضي بعلمه بقواعد القانون الأجنبي الذي صار قواعد بمقتضى المعاهدات الدولية مثل القانون البحري، وقالت في ذلك: "إن المعاهدات الدولية قد أصبحت مصدرا هاما من مصادر القانون البحري وطريقا لتوحيد أحكامه على النطاق الدولي وصارت قواعد بمقتضى هذه المعاهدات قواعد دولية معروفة لدى القضاء البحري في كثير من الدول وكانت مصر قد انضمت إلى المعاهدة الدولية الخاصة بتوحيد بعض القواعد القانونية المتعلقة بسندات الشحن الموقعة ببروكسل في 1924/8/25 والتي أصبحت تشريعا نافذ المفعول في مصر بموجب المرسوم بقانون الصادر في 1944/1/31 وكان بروتوكول هذه المعاهدة قد خول الدول المتعاقدة الحق في تنفيذها إما بإعطائها قوة القانون أو بإدخال أحكامها في تشريعها الوطني وكان من المعلوم فقها وقضاء أن انجلترا قد أدخلت أحكام معاهدة سندات الشحن لسنة 1924 في تشريعها الداخلي حيث أصدرت قانون نقل البضائع بحرا لسنة 1924 وجعلت أحكامه مطابقة لأحكام المعاهدة المذكورة التي أصبحت تشريعا نافذا في مصر فإن علم القاضي بمضمون هذا القانون يكون مفترضا ولا يكون ثمة محل لإلقاء عبء إثبات مضمونه على عاتق من يتمسك به (نقض مدني، الطعن رقم 2317 لسنة 59 ق جلسة 8/2/1996 س 47 صـ 317).


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى