د. محمد العدوي - جذور اللهجات العامية المصرية .. محاولة للفهم ١ - الدلتا

١ - الدلتا

إذا تجولت في أرياف وسط الدلتا فسوف تسمع لهجة مميزة محببة على ألسنة الناس هناك حيث الاختلاف الواضح عن اللهجة العامية الشائعة المعروفة باسم لهجة القاهرة (الأدق أنها لهجة المدن الكبرى القديمة) .. سوف تلحظ اختفاءا لحرف الشين في كلمات كثيرة مثل سمس (شمس) وسجرة (شجرة) وغيرها كما ستلاحظ اختفاء الحرف الأخير من بعض الكلمات عند النداء واستبداله بالهاء مثل يا ولاه (ولد) ويا به (بت) لكن في مقابل ذلك سوف تجد نطق حرق القاف ألف مثل لهجة القاهرة واللهجة الشامية على نحو أمر (قمر) و إرد (قرد) وألم (قلم) وأبر (قبر) كما ستجد نطق بعض الأفعال بالكسر وليس الفتح مثل اللغة الفصحى على نحو نزل وطلع وفسد وعطل بكسر الحرفين الأولين دائما وأيضا اختفاء تام للحروف ذ ث ظ واستبدالها تماما بالأحرف د س ز بشكل واضح بينما حرف ج ينطق بدون تعطيش ..
وإذا اتجهت غربا باتجاه ترعة الباجورية فسوف تلحظ فورا تغييرا كبيرا في تلك المنطقة التي عرفت قديما باسم (جزيرة بني نصر) والتي تضم أجزاء من المنوفية والغربية وكفر الشيخ .. هناك سوف تنقلب ق إلى ج مثل جلب (قلب) و جمر (قمر) بينما حرف ج سوف يتم تعطيشه مثل لهجة البادية .. وإذا واصلت رحلتك شمالا فسوف تجد بعض مناطق كفر الشيخ ودسوق تبالغ في تعطيش حرف ج حتى يصير فعليا ش واضحة بينما حرف ش نفسه سوف يقلب إلى ياء مدغمة ثقيلة وحرف ق يتحول إلى غ خفيفة .. ويستمر ذلك على نحو أشد إذا عبرت فرع رشيد إلى البحيرة حيث يضاف لها جمع الأفعال مثل اللهجة الإسكندرانية على نحو نخرجوا ونشربوا ونلعبوا ونشتروا وكذلك فتح الحرفين الأولين في الفعل الماضي مثل طلع ونزل وكسب وسكت مثل اللغة الفصحى وخلافا للهجة القاهرة ..
أما إذا اتجهت شرقا ناحية ريف الدقهلية ودمياط فسوف تصاب بالحيرة حيث هناك تعطيش خفيف لحرف ج لكن حرف ق يعود نطقه ألف مرة أخرى مع فتح الأفعال مطلقا على نحو يسدد ويحلل ويرتب ويجهز بفتح الحرف الثالث في الفعل (خلافا للفصحى ولهجة القاهرة معا) بالإضافة إلى ظهور خفيف لحروف ذ ث ظ مع كسر بعض أوائل الكلمات مثل إحمر وإصفر .. ويظهر كل ذلك بوضوح عند الاتجاه جنوبا ناحية القليوبية بينما تزداد وتيرته في الشرقية التي امتلكت لهجة خاصة بها في معظم مراكزها حيث تعطيش حرف ج ونطق حرف ق كأنه ج أو غ مثل اللهجات البدوية المعروفة بالإضافة إلى التعبيرات التي تتقدم فيها أداة النفي مثل قولهم : " مش إلك دعوة " أو " مش تيجي عندي تاني " أو " مش تاكل الأكل " .. أما الصعيد والإسكندرية والسواحل وسيناء والواحات فلها قصة أخرى ..


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى