عزمي العفّاس - صرخة في ابتسام العبث

تحتمي الصّرخات ببعضها البعض، وأخرى تنبتُ في قوافِي الحنجرة. تتسلّقُ الحروفُ الأنابيبَ ثمّ تعجزُ عن الرّؤية وتتجهّز للاستلقاء في انتظار أخواتها. تنزلقُ الكلماتُ ثمّ تخرج مشوّهةً وكأنّ ما يُقالُ أحجيةُ المسافرِ نحوَ قُفل المستحيل. تتقارعُ النّقاطُ ثمّ تلتئم وتأخذ في النّحيب، وترثي الأوتارُ قدَر الجرحِ. ربّما كانَ يُمكن للأرض أن تنقلبَ حتّى يتغيّرَ اللّيلُ بالنّهار، أو ربّما كان يمكن للحافها أن ينهضَ حتّى يكون للآدميّ الحقّ في اسمهِ. وربّما كان يمكن أن لا يُضغطَ على البدايةِ كي نتمكّن من الاستيقاظِ في غربِ القيامةِ، فنعيد البوصلة نحوَ مسارِها يدويّا، ونواصل المسير.
القلبُ يبصم على لقائه بذاته عندما نُسيَ على أعتابِ الغدِ، والنّجمُ يقتربُ منهُ حتّى يأخذ منهُ موته المؤجّل. للدّم أن يتكوّنَ داخلَ ما نقول، وللمهجةِ أن تتفرّقَ حينَ تعجزُ عن استيعابِ الذّاكرة: هل الكلمةُ واحدةٌ كي نكرّرها أم كي نعيدها؟ وهلِ الحرفُ حدُّ القولِ أم القولُ؟ ألا يكفي أن نقولَ البداية كي تخضرَّ الأقبية بالمجهول؟ للسّؤال انعدامُ القدرةِ على الجهرِ، والقدرةُ على الاستيطان. تقتربُ الأسماءُ من الأشياءِ فكادتْ أن تقول إنّها هي، وأوشكَ الزّمنُ أن يفتقرَ إلى نقيضِهِ: نحنُ الأسماءُ، والأسماءُ ميعادُ القديم. يستعدّ الوقتُ للسّقوط، ويتفتّقُ الأفقُ عن إطلاقيّة الرّؤيا: هنا لا شيء كي يصير، هنا لا شيء كي يسير. أتحرّكُ وحيدا داخل الضّباب، والسّراب يعمّ الأبصارَ الشّاخصة في اتّجاهِ الزّيف، أمّا الواقعيّ فصورة أخرى للانهيار، وأمّا الخياليّ فسمة أخرى للانفجار. هل يجب أن نتوهّمَ كي نحلمَ بمركبةِ التّكوين؟ هل يجب أن نحلمَ كي نسطّر ملحمة جديدة للمسافرينَ في أقبية الحياة؟ هل يجب أن نعيدَ صياغة الجديدِ بحِلم الصّابرين؟ هل يجب أن نوقدَ دماءَ الأمسِ كي نذكّرَ بمنزلة الإمكانِ في الممكن؟ هل يجب أن نستعيد الاستعاراتِ كي نجدَ كنايةَ الواقع أم يجب أن نسمَ الحدث بوصمِ الاسم؟ ونسمّي كي يعلق الحدث بالاسم، كمغناطيسِ اللّامبالاة بالحدوث.
أحتمي بالصّرخات، والصّرخة مفتاحٌ لولوج الربيع القفر، أو هي عجزُ المسمّى عن الاسم في سلسلة الأشياء. أعبّ الضّباب، وأشكو وخزا في الظّهر، أقتربُ من الكلام، ويقترب منّي الصّوتُ ثمّ ينفلتُ بينَ الأشلاء، ولا أسعلُ سوى صمتي، ثمّ أنام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى