حادة أوشني (جواهر ماسين) - العنكبوت

ركبت السيارة بجانبه وانطلقا يطويان المسافات، و يشاهدان حقول القمح وقد اصفرت وحان حصادها’ ويستمعان لموسيقى هادئة من سنفونيات بيتهوفن الجميلة ، كان متيما بها ينظر إليها وكأنه يراها لأول مرة، تحابا وتواعدا أن يظلا مخلصين لبعضهما وأن لا يفترقا أبدا، كان لا يمر يوم عليهما دون أن يلتقيا، يتنزهان ويشاهدان الشّمس وهي تتوارى شاحبة وتنحي كأنها تغتسل بمياه البحر المالحة، ويسمعان هدير الأمواج المندفعة بقوة بين الشقوق كأنها زئير هزبر كاسر، هذا المنظر الخلاب للشفق يجعلهما يبوحان ويعبران عن حبهما، بعيدين عن صخب المدينة وهموم الحياة وروتين الإدارة,
كانت الشمس تتوسط كبد السماء أحست بالعطش ـ بحثا على طول الشريط الساحلي عن دكان أو مقهى يقتنيان منه قنينة ماء أو مشروب بارد يطفئ عطشهما،حتى لاحت لهما من بعيد مقهى أو ما يشبهها على تله صغيرة تطل على البحر كانا سعيدين باكتشافهما هذا، فقد أحبا المكان وانتبذا غرفة قصية من قصب بها طاولة وكرسيين من البلاستيك ـ طلبا سمكا مشويا وبعض السلاطة وشاي منعنع ,
بعد الانتهاء قام العاشق الولهان يغسل يديه، وظلت الحبيبة تراقب قوارب الصيد وتشاهد نورسين يبنيان عشهما ,فجأة أحست بخيط رفيع يدغدغها ـأزاحته واستمرت تراقب حركة الطائرين السعيدين ـوفي لمح البصر وجدت نفسها محاطة بخيوط كخيوط الغزل تمسك بها عنكبوت كبيرة حاولت تخليص نفسها لكن كلما حاولت تمزيق الخيوط الا ووجدت نفسها يضيق الخناق عليها حتى صارت كشرنقة صرخت واستنجدت بحبيبها ليخلصها لكنه وقف واجما مذعورا كأنه يشاهد أفلام الرعب , توسلت إليه واستعطفته أن ينقذها , لكنه اخذ هاتفه ومفاتح سيارته من على الطاولة قائلا لها:
عفوا حبيبتي الغالية لدي التزامات وأسرة تنتظرني، وانطلق كسهم خرج من غمده، ظلت تصرخ وتصرخ وهي تتدلى كالمحكومة بالشنق، دعت الله العلي القدير أن ينقذها من ذلك العنكبوت المقرف ذو الأرجل الطويلة المزغبة و المشوكة كالسدر كما أنقذ النبي يونس من بطن الحوت، بالجوار كان عنكبوت اسود لاحظ أن غريمه اصطاد فريسة ثمينة فأراد أن يقاسه إياها شب صراع بينهما كل يحاول أن يستحوذ عليها لوجده وبين الشد والجذب تمزق الخيط وهوت المسكينة في البحر، التقطها أحد الصيادين كان بالجوار وأعادها على متن قاربه الصغير بعد أن فك وثاقها وعقم خدوش أرجل العنكبوت على ذراعيها.وفي اليوم الموالي باغتته في مكتبه يتصفح الأخبار.لم يصدق عينيه طلبت منه حقيبة يدها وهاتفها اللذين عاد وأخذهما حتى لا يفتضح أمره، إن عثر على جثتها معلقة بخيط العنكبوت، توسل إليها أن تغفر زلته وترحم ضعفه. شزرته وانصرفت والندم يعتصر قلبها المجروح.


جواهر ماسين



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى