شوقيه عروق منصور - بحاجة الى مكبر صوت عربي

أصبحنا نكره فتح العيون صباحاً ، حتى لا نسمع أخباراً وأحداثاً جديدة عن عالمنا العربي ،تؤلم وتكسر الظهر من شدة وقعها المخزي ، والمعلم الذي كان يعلمنا موضوع التاريخ ، وفتح صفحات الاعتزاز العربي ويتغزل بأبن خلدون وابن الهيثم وابن نفيس وباقي المكتشفين والمخترعين والفلاسفة والشعراء العرب ، والذين حملوا رايات التفوق والفخر ، هذا المعلم مؤكد انه الان مثلنا يهمس في سره رحم الله ايام زمان ، الذي أصبح في خبر كان ، المهم الآن .!! أين وصلنا ؟ وأين نقف ؟
لا يختلف اثنان أن العالم العربي يمر بمرحلة دم وتدمير لم يشهدها بهذه الوحشية والجنون الدموي المخيف عبر التاريخ ، ولم يتوقعها الثوار الذين ثاروا في سنوات الخمسينات والستينات والسبعينات ، وأعلنوا أن المطلب الأول هو طرد الاستعمار وبناء دول حديثة ، متطورة ، صناعية ، وايصال شعوبهم الى فوق ، الى عالم الكبرياء والكرامة ، عدا عن اعلانهم عودة الشعب الفلسطيني وقيام دولته وطرد المحتل .. وجرت مياه آسنة كثيرة في نهر الأردن ، ولم يبق من شعار " حي على البناء " الا أغنيات وباقي خطابات كانت تضخ الدم في العزائم آنذاك ، واليوم تضخ الحسرات والدموع الخفية .
حتى وصل بنا الأمر الى الهروب من الأوطان واللجوء الى الدول التي طردناها ، ونعيش في انفصام في الشخصية التاريخية واليومية ، نشتم ونكفر ونبصق على الدول الأوروبية ، ثم نهرع متوسلين على حدودها ، متسولين في شوارعها وجمعياتها ومؤسساتها ، ننتظر كلمات عطف من وزرائها ورؤساءها ، ونحقد على كل وزير أو مسؤول يطالب بطردنا .
ليس من باب الجلد وضرب الوجه بحذاء الذل ، ولكنه مسحوق القهر الذي نخلطه صباحاً مع حليب الانتظار ، نشربه خلال اليوم ، لعل اخباراً تأتي من دولة عربية تزيح الصخر عن صدورنا ، وينتهي اليوم ، ويأتي اليوم التالي ونكتشف أن المثل الذي تقوله أمي هو أصدق الأمثال الآن ( نيالو اللي بنام بهم عتيق ) لأن كل همومنا العربية جديدة ، تخرج من جيوب الحواة – الذين يرقصون الثعابين – يومياً ، وما أن ننتهي من هم حتى يهجم الهم الآخر .
اليابان خرجت من الحرب العالمية الثانية محطمة ومسلوبة الارادة ، لكن خلال عدة سنوات استطاعت أن تدخل ميادين الاختراعات والاكتشافات ، حتى تحولت الى دولة عملاقة في انجازاتها ، ينتظر العالم دائماً آخر اختراعاتها لدرجة الذهول .
الرجل الياباني المعروف ببنيته الضئيلة ، صاحب الانحناءة الشهيرة ، دليل التواضع واحترام الآخر ، فرض نفسه وأصابعه وعقله وتفكيره على البشرية ، عبر اختراعاته ، ومن ينسى أول من أدهش العالم حين اخترع الراديو الترانزستور ، الراديو الذي كان ذلك الجهاز الكبير الضخم ، لكن تحول بقدرة اليابانيين الى جهاز بقدر كف اليد .
ودولنا العربية تعج برجال ، كل رجل يستطيع أن يفصل من اليابانيين ثلاثة ، لكن لم يستطع أي رجل أن يصل الى جرأة اختراعاتهم - لا نريد أن نتكلم عن النساء – لأننا نعرف أن المجتمعات العربية لم تستطع اعطاء المرأة ما يجب أن تعطيه حسب السلم الحضاري الذي تعيش على درجاته - .
آخر اختراعات اليابانيين ، أو بالأحرى شركة " بانا سونيك " اخترعت مكبر صوت يحل محل المترجم الفوري ، حيث يتيح للمتكلم بلغة ما أن يقوم الجهاز بالترجمة الفورية عبر صوت الشخص ذاته الى لغة أخرى يختارها ، ، كأنك تتكلم تلك اللغة .
وقد جرب الاختراع في مطار طوكيو ، حيث وقفت المضيقة و تكلمت عبر المكبر باللغة اليابانية سرعان ما كان صوتها يعلن في أرجاء المطار باللغة الانجليزية ، ثم الفرنسية ، الصينية ، الكورية .
الشعوب العربية بحاجة الى مكبر من هذا النوع حتى يفهمون على بعضهم البعض، لأن اللغات التي يخاطبون فيها بعضهم البعض قد استبدلت بالحديد والنار ، استبدلت بالطعن والمؤامرة والاجساد المفخخة ، ومضت في دهاليز حقدها حتى وصلت الى قاع الدناءة التي لم يتصورها التاريخ يوماً .


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى