ميرفت الخزاعي - عاقبة

انه الحظ الذي جعلَ الطائرة التي كانت تقلها لوجهتها تتعطل وتسقطُ فوق جزيرةٍ نائية في احدى المحيطات.
حاورتْ بنظراتها المياه الزرقاء والسماء فردا عليها بأصوات بعض الناجين مثلها.
ايُّ مصادفةٍ تلك ، ان تكون هي الفتاة الوحيدة على ارض هذه الجزيرة مع خمسةِ شبان.
أمرٌ يدعو للخوف ام للفرح؟!
حتما سيساعدوها وسيحرصون عليها كجوهرةٍ ثمينة او شيء غالٍ او حجرٍ نفيس ، ما دامت هي الانثى الوحيدة هنا.
على مهلكم ، فليس هذا ما ظنته تلك الفتاة فقد خافتْ وارتعدت فلربما حاول اولئك الشبان مهاجتمها او اذيتها او التحرش بها او معاكستها او التودد اليها كونها الطرفُ الاضعف في معادلة الحياة الآن.
ساورتها الشكوك وهددت الكوابيسُ مناماتها فقررت الإنزواء والإنعزال عنهم وحينما كانوا يدعونها لتناول ما يجمعونه من فواكه الجزيزة او مشاركتهم ما امكنهم اصطياده من أسماكٍ أو حيواناتٍ برية ؛ ترتبك وتجلسُ صامتة وهادئة وكأن الطير يقفُ على قمةِ رأسها ، تمضغُ بعض لقيماتٍ على عجل وتسرعُ بالعودة الى مكانها.
_ انتظري قليلا ، ماذا لو اهتدينا لطريقةٍ للخروج من هنا او تمكنا من الاتصال ببعض الناس لمساعدتنا، كيف سنعلمكِ بذلك ونحن لا نعرف اين تختبئين!
صاحَ احد الشبان خلفها وهي تهمُ بالمغادرة وحمل بعض قطع الطعام معها.
_ أنا لا أختبئ، لكني احب البقاء بمفردي ، هذا افضلُ لي.
_ ولنا ايضا ، ههههه
ضحك شابٌ ثانٍ بتهكم.
ركضتْ وهي تلتفتُ للوراء خوفا من أن يتبعها احدٌ منهم ، فكرت ان تغير طريقها
لكنها لم تفعل ، فلربما تاهت وضيعت مكان جحرها.
لاحظت بأن اربعة شبان يقضون الليلَ في السهر والمرح والغناء والمسامرة واللعب ببعض الاحجار حتى ينبلج الفجر ويسفرُ الصباح عن وجهه.
فيما عدا الخامس ، يقضي وقته منزويا ومطرقَ الرأس ، سارحا ومهموما ، فظنت انه ربما يكون مختلفا عنهم لذا فهو لا يبالي بتجمعهم.
بعد عدة ايامٍ وليال في الجزيزة ، بدا الضيق والضجر والملل على وجوه وتعابير الجميع فلا املَ يلوح في الافق ولا اثر لبادرةِ انفراج حتى إنها سمعت احد الشبان يتحدث لرفيقه حين مرت من امامهم:
_ نريد وسائل جديدة للمتعة ، لقد مللنا ملمسَ الرملِ والحجر.
_ معك حق، فلا جوالات ولا مشروبات ولا سجائرولا حتى نساء!
في تلك الليلة هاجمتها هواجس فخططت لاصطيادهم كلا على حدة و أن تستغل الظروف المحيطة بهم : الكآبة التي ارتفع مستواها في ارواحهم ، اليأس الذي أخذ يحفرُ في نفوسهم، الجوع ، العطش والحر.
تعمدت الاختلاء بالشاب المفتول العضلات ومحاولة الاقتراب منه اكثر وايهامه بأنها تستلطفه.
_ لقد جمعتُ رزمةً من اغصان الاشجار لكنني لا اقدرُ على حملها.
فأنبرى لها وكأن قوةً قد دبت في جسده فجأة واقترح ان يرافقها حيث مكانها الخاص.
ولما قطعا مسافة وتوغلا في الغابة .....
_ احذرْ فالارضُ رخوةً قليلا هنا
_ سأتقدمكِ ، لا تقلقي
وعندها شعر بقدمه تزلُ في حفرةٍ عميقة ، هوى فيها بكامل ثقله.
تركته حتى خفت اصواتُ صرخاته و أنقطع انينه.
في اليوم التالي استغربَ الشبان الثلاثة غياب صاحبهم فتوجهوا اليها وسألوها عنه فأجابتهم بأنه قد اوصلها لمنزلها ورجع حتى انه لم يستجب لطلبها بالمكوث بضع دقائق.
ذهبَ الثلاثة وبحثوا عنه ونادوا عليه دون جدوى ثم رجحوا التهامه من قبل ذئبٍ او حيوان مفترس ممن تعج بهم الجزيزة.
" لابد من طريقة للانفرادِ بأحدهم " حدثت نفسها وهي تمرقُ امامهم وتصيح بصوتٍ مسموع:
_ سأذهب للاغتسال عند نهرٍ في اطراف الغابة .
تظاهر احد الشبان بأنه تعب وبحاجة للهدوء والراحة وراح يتبعها ببطء ، كانت بين الحين والآخر تديرُ رأسها نحوه وتومئ له بحركاتٍ وبطرف ثوبها الذي لم يتبق منه الا قطعُ لا تكاد تسترُ جسدها الفاتن.
حالما وصلت النهر ، نزلت وراحت تتقلبُ كسمكةٍ في مياهه الباردة المنعشة داعيةً إياه بالانضمام اليها .
كان منظرها شهيا ومغريا ، اخذت ترشقه بالماء وتطلقُ ضحكاتٍ في الهواء مما زاده نشوة.
عندها تظاهرت بأنها تغرق فأندفع نحوها واحتضنها، طوقتْ رقبته بذراعيها ورمستْ رأسه في الماء حتى انقطعت انفاسه.
ظلَ الشابان حائرين لا يعرفان كيف اختفى صديقهما الثالث ولم يجدا له اثرا في اي مكان ، في الحقيقة خشيا من الذهاب لبقية مناطق الجزيرة تحسبا لوقوع مكروه لهما فالعدو غير معروف او ربما هي مجرد مصادفة لا اكثر ، حاولا اقناع نفسيهما بهذا.
نسيتُ ان اخبركم بأن طوال هذه الاحداث كان الشاب الخامس يجلس هادئا كعادته ولم يحاول الاستفسار او الاستقصاء عن احد او شيء.
_اسمعْ يا اخي ، علينا ان نكون عصبة والا تعرضنا للتصفية على يد… . لا اعلم ، المهم ليس من المستحسن بقاؤك بمفردك ، لا تبتعد وكن قريبا منا.
لكنه لم يحرك ساكنا بل تابع نظراته الساهمة.
التخلص من اثنين في آنٍ واحد ليس أمرا سهلا وعليها تجربة ُ شيء مختلفٍ هذه المرة.
_ ما رأيكما بتسلق الجبل الذي يتربع في وسط الجزيرة ، علنا نجد سكانا او قرية خلفه.
اقترحت عليهما ذلك ، وافق الشابان وقبل ان يصلوا لقمته ، احتضنت الارضَ بذراعيها :
_ لقد إلتوى كاحلي ، تابعا الصعود، سألحقُ بكما
وما ان ابتعدا حتى نهضت وتسللت للجهة الثانية ، سبقتهما و سحبت حبلا مربوطا به جذعُ شجرة فتدحرج مسببا انهيارا صخريا لم يستطيعا تفاديه.
نزلت وإماراتُ الراحة مرتسمةً على وجهها فتفاجأت برؤية الشاب الاخير ينتظرها بكل برودٍ في الاسفل وحالما اقتربت منه ضربَ كفيه فرحا:
_ شكرا للسماء ، لم يعد هناك ما يمنعني من افتراسك فقد كان اولئك الشبان يسهرون حتى الصباح لحمايتكِ والاعتناء بك.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى