رسائل الأدباء تسع رسائل من محمود شقير إلى أسرى وأسيرات فلسطينيين في سجون الاحتلال

* الرسالة الأولى:

الأخ مروان البرغوثي/ سجن هداريم

أرجو أن تصلك رسالتي هذه وأنت في صحّة جيدة وعافية. والصحيح أنني أشعر بالحرج وأنا أكتب لك هذه الكلمات، فهي أقل ما يمكن أن أتوجّه به إليك، لعلّها تعبّر ولو بقسط ضئيل عن مقدار الاحترام الذي أكنّه ويكنّه أبناء هذا الوطن لك ولزميلاتك وزملائك الأسرى الشجعان.

وحينما أقرأ كتبك التي ضمّنتها رؤاك فيما نحن فيه من أوضاع... حينما أتابع حواراتك التي تنشرها الصحف بين الحين والآخر، وألاحظ ما تتّسم به هذه الحوارات من تبصّر عميق وعقلانية واتزان، ومن قدرة على تشخيص الظروف وتحديد البرامج والأهداف، فإنني أزداد قناعة بأن هذا الاحتلال إلى زوال، وبأن شعبنا سيحقّق إنْ عاجلاً أو آجلاً أهدافه في الحرية وتقرير المصير والاستقلال.

ولعلك تذكر أننا التقينا غير مرّة خارج الوطن حينما كنا، أنا وأنت وآخرون من أبناء شعبنا، نعيش في المنفى القسري، والتقينا غير مرّة في رام الله بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، لكنني واثق من أننا سنلتقي مرّات ومرّات حينما تغادر سجنك إلى ساحات الوطن ومدنه ومخيّماته وقراه، في وقتٍ أرجو أن يكون غير بعيد.

دمت وسلمت قائدًا ومناضلاً وإنسانًا وأخاً وصاحب قضية عادلة، هي من أنبل قضايا الحرية في العصر الحديث.


* الرسالة الثانية:

الرفيق أحمد سعدات/ سجن رامون

لم نلتق من قبل، لكنني سمعت باسمك كثيرًا قبل أن يعتقلوك في المرّة الأخيرة ويحتجزوك في زنازين العزل التي ما زلت تحيا فيها حتى الآن ومنذ سنوات. حينما سمعتك تتكلم على الهاتف وأنت محاصر في سجن أريحا، وتردّ على أسئلة رجال الصحافة والإعلام، لفت انتباهي هدوء صوتك والرصانة البادية فيه رغم هدير الدبابات الإسرائيلية من حول السجن، وحينما أخرجوك من السجن، أنت وبقية رفاقك وزملائك، رأيتك على شاشة التلفاز وأنت تمشي واثق الخطو رغم قسوة جيش الاحتلال الذي انتصر عليكم وأنتم عزّل إلا من إيمانكم بشعبكم.

واليوم، حينما أرى صورتك منشورة في الصحف أو في بعض المواقع الإلكترونية، بشعرك الأشيب الوقور وبنظرتك العميقة المتأملة الذاهبة نحو البعيد، فإنني أدرك مقدار ثقتك في المستقبل وفي جدارة القضية التي نذرت نفسك لها بالتضحيات.

من صمودك ومن صمود زملائك الأسرى وزميلاتك الأسيرات نستمدّ الأمل والرغبة في الحياة.


* الرسالة الثالثة:

الرفيق باسم خندقجي/ سجن جلبوع

لم يسبق لنا أن التقينا. وأنا الآن أكتب إليك وفي ذهني مؤبداتك الثلاثة التي أتمنى أن يجري اختصارها من الآن إلى ثلاثة أسابيع أو ثلاثة أشهر على أبعد تقدير. وأكتب إليك وفي ذهني بعض كلماتك التي تقول: "إن المعرفة والنقد والتغيير هي ثالوث التقدم والتحرر. وهذا الثالوث هو الذي يفرض المنهج النقدي الجدلي الذي يعالج به المثقف المفكر واقع ثقافته المتفسخة والمشتتة والحائرة القوى...". وأنا أحييك على بعد النظر هذا الذي يطلّ علينا من خلف قضبان السجن لكي ينير لنا الطريق إلى المستقبل.

وأعتقد أننا أصبحنا بحاجة إلى الثقافة النقدية على نحو ملحّ، لكي نخرج من هاوية التخلف الاجتماعي التي ننحدر إليها في الوقت الراهن، ولكي نرمّم نسيجنا الاجتماعي الآخذ في التمزق والتفسخ بسبب من ضعف حضور الثقافة الوطنية الديمقراطية في واقعنا، وبسبب انتعاش التعصّب والتزمت والنزعة العشائرية في بلادنا.

أتمنى لك ولزملائك الأسرى الإفراج العاجل والعيش الكريم في وطن متحرّر من الاحتلال.


* الرسالة الرابعة:

الأخ ابراهيم مشعل/ سجن هداريم

ربما التقينا قبل سنوات كثيرة. لم أعد أذكر متى كان ذلك، فأنا وأنت ننتمي إلى الشقيرات الذين قدموا للوطن تضحيات ليست قليلة، شأنهم في ذلك شأن بقية أبناء هذا الشعب الطيب المعطاء. وحينما كنت أنا منفيًّا في الخارج ذهبت أنت إلى السجن المؤبد، فلم تُتح لنا فرصة اللقاء بعد عودتي إلى الوطن.

غير أنني تذكّرتك بكل التقدير وأنا أحضر حفلاً للمتفوّقين من طلبة التوجيهية، جرى تنظيمه في قاعة المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، وكان ابنك جمال واحدًا من المكرّمين في هذا الحفل. تأمّلت يومها مقدار ما يتّسم به هذا الشعب من قدرة على الاحتمال: فالأب في سجنه منذ عشرين سنة، والابن يكبر برعاية مثابرة من الأم الصابرة المكافحة، ويتفوّق في دراسته وينال التكريم الذي هو جدير به.

أتمنى لك إفراجًا عاجلاً أنت والأسرى الفلسطينيين والعرب، والأسيرات الفلسطينيات.


* الرسالة الخامسة:

الأخ حسام زهدي شاهين/ سجن رامون

قبل ثلاثة أسابيع، التقيت والدك الذي هو ابن عمّ والدتي. التقينا في عرس لابن أخي، وهذه ليست المناسبة الوحيدة التي نلتقي فيها، ففي مناسبات كثيرة نلتقي، وتكون أنت محور الحديث الذي يدور بيننا، ولا يندر أن يشارك في الحديث آخرون من أبناء بلدتنا ومن غير أبنائها الذين يحملون لك الودّ والتقدير.

أتوجه إليك بكلماتي هذه، وفي ذهني مقالتك الجميلة التي كتبتها وأنت في سجنك البعيد عن كتابي "مدن فاتنة وهواء طائش". أكبرت فيك هذه الروح المتوثّبة، فأنت تسهم في تعزيز مسيرة الحياة حتى وأنت ممنوع من ممارستها على نحو طبيعي، لأنك صاحب تطلعات مشروعة إلى الحرية التي هي حق لك ولشعبك المكبّل المأسور.

ولا يفوتني في هذه الرسالة أن أنوّه بمقالاتك التي تنشرها في صحيفة القدس، وفيها تشخيص صحيح للأوضاع، وفيها كذلك جرأة في النقد والتحليل.

كلماتك النبيلة تسهم في رسم معالم الطريق إلى مستقبلنا المنتظر.


* الرسالة السادسة:

الأخت آمنة منى/ سجن الدامون

أنت ابنة القدس، والقدس يجري تهويدها كل صباح وكل مساء. وأنت وبقية أخواتك الأسيرات في بال من يعنيهم حاضر القدس ومستقبلها. أنت جديرة بالحرية لا بالعيش مدى الحياة خلف قضبان السجن وتحت عسف السجّان. وحياة الفلسطينيين لن تتوقف عن الجريان رغم الصعوبات. وأرجو أن تظفري أنت وأخواتك الأسيرات بالإفراج العاجل لكي تعيشي أنت ويعشنَ هن أجمل الأوقات في ربوع الوطن بين الأهل والأحباب.

بصمودك وبصمود زميلاتك الأسيرات ينكتب للفلسطينيين تاريخ جديد.


* الرسالة السابعة:

الأخ الشيخ محمد أبو طير/ سجن نفحة

ها هو ذا نصف عمرك ينقضي في السجون الإسرائيلية. ولعلّك تذكر أننا التقينا في إحدى محطاتك الكثيرة، في سجن بيت ليد. كان ذلك في العام 1974 . أحييك على استعدادك الذي لا ينفد للتضحية والعطاء. وأتوقّع منك في ضوء ما مرّ عليك من تجارب داخل السجون وخارجها أن تبذل كل جهد مستطاع، لوضع شعار الوحدة الوطنية الذي بات مطلبًا ملحًّا موضع التنفيذ. فأنت ابن بارّ لهذا الشعب المعطاء.


* الرسالة الثامنة:

الأخ أيمن الشرباتي/ سجن هداريم

أكتب إليك لأذكّرك بأن القدس التي عشت فيها سني شبابك ما زالت تنتظرك. أنت منقطع عنها منذ خمس عشرة سنة، وأنت صامد في سجنك رغم حكم المؤبد الذي تحمله على كتفيك. صامد لأنك مؤمن بالغد، حيث لا يمكن لهذه الأحوال أن تستمر على هذا الحال، ولا بدّ مهما طال الزمن من وصولنا إلى أهدافنا العادلة في الحرية والاستقلال.

أعتقد، من خلال ما قرأته لك، أنّ لديك قدرة على كتابة القصص للأطفال، ولعلّ حرمانك من العيش مع زوجتك الفاضلة وأطفالك الأربعة يحتم عليك أن تواصل كتابة القصص لأطفالك ولأطفال شعبك، فالابتسامة التي ترسمها قصة جميلة على شفتي طفلة لها جدواها، لأنها تساعد على اجتياز الصعوبات نحو برّ الأمان الذي لا ريب أنه قادم رغم ظلام أيامنا الراهنة.


* الرسالة التاسعة:

الأخ رائد صالح السلحوت/ سجن جلبوع

تحياتي لك ولكلّ زملائك الأسرى، وتحياتي لأبناء السواحرة الموجودين معك في سجن جلبوع. تحياتي لهم واحدًا واحدًا، متمنياً لك ولهم ولكل زملائك الأسرى الإفراج العاجل. وأرجو أن تكون كما هو عهدي بك مواظباً على الاستفادة من وقتك في السجن، سواء أكان ذلك في مجال التحصيل الجامعي أم في قراءة الكتب الأدبية والفكرية.

وأنا أعرف أن أهلك زاروك وجهاً لوجه للمرّة الأولى منذ سنوات، من دون شبك من أسلاك أو فاصل من زجاج. وكنت حدّثتني في إحدى رسائلك إلي عن شعورك المدهش وأنت تقابل والدتك مباشرة وعن قرب. ولمحاسن الصدف فقد رأيت والدتك في العيد، وأخبرتني عن الزيارة نفسها التي كنت تنتظرها بفارغ الصبر، مثلما كان أهلك ينتظرونها بفارغ الصبر.

أتمنى لك ولزملائك الصحة والعافية والحرية التي هي حقٌّ طبيعي لكلّ إنسان.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى