محمد السلاموني - الحداثة وما بعد الحداثة.. الإشكالية المُرَكَّبَة :

نحن كأفراد نلهو ، نعبث بوجودنا ، لا شك فى هذا - طالما أننا نصعد أو نهبط فى الحياة من غير وجهة ...
أمَّا أن تكون الدولة كذلك أيضا ، فتلك هى الطامة الكبرى ...
لدى قناعة راسخة بأن مأزقنا يرتد فى النهاية إلى الدولة ذاتها ، إذ نعتقد - كأفراد - بأننا (نحن الدولة) ، أى بأننا كـ (أجزاء) ، لا معنى لوجودنا خارج المعنى (الكلى) الذى تمثله الدولة ...
لدى تصور عن أن (مابعد الحداثة - الغربية) تجذر نفسها فى محاولة (الفرد - كجزء) فك ارتباطه (الميتافيزيقى) بالنسق الكلى (الذى تمثله الدولة) - ذلك الذى فرضته الحداث، دون أن يعنى هذا تنصله الكامل من فكرة النسق الكلى ، فـ (جماعة المعنى) التى يختارها بنفسه ، تلك التى تحدث عنها (مافيزولى ولوبرتون وآلان تورين وغيرهم) ، تدل دلالة قاطعة على إستحالة العيش بدون (الآخر، بما هو مصدر المعنى الذى تكونه الأنا عن نفسها) ...
ربما كان الفرق بيننا وبين الغرب الآن يكمن هنا تحديدا - هم يحاولون تجاوز فكرة (الأنا التى تستمد معنى وجودها من النسق الكلى المجرد والصلب ، المسمى الدولة) إلى (الأنا التى تستمد معنى وجودها من النسق الكلى الصغير، المحدد ، والليِّن ، المسمى الجماعة) / أما نحن ، فلم ننجز بعد فكرة (الدولة كنسق كلى) - ويبدو أن وجود (الدولة كنسق كلى) هو الشرط الواجب توافره أولا ، كى نشرع فى العمل على تفكيكه ، بتحويل الدولة نفسها إلى (دولة إدارية - تدير ولا تحكم) ، مما يبدد سلطتها ؛ بماهى سلطة النسق الكلى الذى يعمل دوما مستقلا عن الأجزاء التى يمثلها ...
ذلك التحول الـ (مابعد حداثى - الغربى) ، يعانى فى مساره المتعَرِّج ، من التناقض الحادث بين مشكلات العلاقات الدولية (المتعلقة بالنفوذ والثروة ) ، أى من عمليات بسط وتوسيع مجال الهيمنة الكلية على العالم - تلك التى ينزع إليها النسق الكلى الغربى (وهو ما يطلقون عليه تعبير : الحداثة فى نزعتها الكونية) ، وبين النزوع الفردى (الجزئى) المتعلق بالنسبية الثقافية والوجودية أيضا - أعنى أن الغرب يحيا الآن فى تناقض بين نزوعين ؛ أحدهما (كلى ، مطلق) ، والآخر (جزئى ، نسبى) ..
تكمن مشكلتنا - إذن - فى أننا نستعين الآن بأدوات ونتف فكرية وإجراءات (مابعد حداثية) فى إنجاز مشروع (حداثى) تقاعسنا عن إنجازه ...
لدينا تناقض واضح ، إذ نفكك الحداثة المتخلفة (التى تأسس عليها مشروع الدولة القومية لدينا) ، بأدوات ما بعد حداثية ، هذا فى الوقت الذى نسعى فيه لبناء دولة علمانية (حداثية بحق) ...
من هنا يمكن القول بأن التناقض الذى يحياه الغرب الآن (ما بين النسق الكلى الحداثى وثورة الجزء عليه ، سعيا لإعادة تعريف علاقته به) ، يقيم فى العمق من التناقض الذى نحياه نحن ، مما يجعل من إشكاليتنا الحضارية إشكالية مركبة ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى