د. علي خليفة - مسرحية ملك القطن للكاتب المصري يوسف إدريس «1991 - 1927»

تعد هذه المسرحية من أوائل المسرحيات التي كتبها يوسف إدريس، وهي تقع في فصل واحد، وتدل على براعة يوسف إدريس في كتابة المسرحية إلى جانب ما عُرِف عنه ببراعته الكبيرة في كتابة القصة القصيرة.
ويصور يوسف إدريس في هذه المسرحية الفوارق الطبقية الكبيرة التي كانت في مصر قبيل ثورة يوليو، وكيف أن هذه الفوارق تعبر عن أن الفلاح
– على وجه الخصوص – كان يعيش حياة بائسة، وهو لا يحصل على أي شيء بعد أن يزرع ويحصد سوى شعوره بالسعادة؛ لأن محصوله أثمر بعد تعبه وكده في زراعته ورعايته.
وتصور هذه المسرحية خلافًا وقع بين قمحاوي المستأجر لأرض زراعية، وبين السنباطي مالك هذه الأرض – وهو يعد من صغار الملاك –.
ونرى في أحداث هذه المسرحية أن قمحاوي يقوم بزراعة القطن وجنيه مع زوجته وأولاده، ويحمله بعد ذلك من الأرض الزراعية لساحة بيت السنباطي، ويحاسبه السنباطي على ما له وما عليه، ويستبشر قمحاوي وأولاده خيرًا، فابنه الكبير محمد يرغب في الزواج، وزوجة قمحاوي ترغب في تعريش بيتهم البسيط، وقمحاوي لا يأمل إلا في أن يوفر الطعام لأسرته.
وبعد حساب السنباطي لقمحاوي يذكر له أن ما يتبقى له هو خمسة جنيهات وأربعون قرشًا، ويغضب قمحاوي، ويخرج ويأتي بمالك آخر في هذه القرية له به صلة قرابة ضعيفة هو الحاج شوادفي، ويظهر الحاج شوادفي في البداية حرصه على أن يزيد السنباطي في المبلغ الذي يعطيه لقمحاوي، ويرد عليه السنباطي بأنه يتعامل مع المستأجرين لأرضه معاملة أشد من معاملته هو مع قمحاوي، وشيئًا فشيئًا يتراجع الحاج شوادفي عن مناصرة قمحاوي، ويوافق على أن يزيد السنباطي قمحاوي قليلاً من المال، فيرى أن يعطيه ستة جنيهات ونصف.
ويصل مشتري القطن، ويعرف قمحاوي من حديثه مع السنباطي أن قيراط القطن يزيد سعره عن المبلغ الذي حدده السنباطي له، فيصر على أن يحصل على مبلغ اثنين وعشرين جنيهًا ونصف، ولا يعبأ به السنباطي.
وفي النهاية يستسلم قمحاوي لمصيره، ويطلب الى السنباطي أن يعطيه الستة جنيهات ونصف، فيقول له السنباطي: سيظل هذا المبلغ عندي كما هو الحال كل عام، وسأخصمه مما ستحصل عليه من مبيدات حشرية وبذور وغير ذلك، وهكذا لا يحصل قمحاوي وأسرته على أي شيء من هذه الأرض التي زرعوها ورووها واهتموا بها.
ويتصادف في هذا الوقت أن يدب حريق في مخزن القطن في بيت السنباطي – لرمي ابن السنباطي الكبير عقب لسيجارة أشعلها في ذلك المخزن وشربها ورمى بعد ذلك عقبها فيه –فيبادر قمحاوي لإخماد ذلك الحريق بهمة كبيرة هو وأسرته، ويخمدونه دون حدوث خسائر كبيرة، وعند ذلك يقول الحاج شوادفي لقمحاوي متعجبًا: وما الذي جعلك تنقذ هذا القطن، وليس لك فيه أي ربح؟ فيجيبه بأنه زرعته التي اهتم بها، وسهر ليراها بهذا الشكل، ولا يمكن أن يدعها تحرقها النيران.
وأعتقد أن هذه المسرحية القصيرة من أقوى المسرحيات التي توضح الآثار السيئة للفوارق الطبقية، فالسنباطي المالك الصغير يتعامل باحتقار مع قمحاوي وزوجته وأبنائه، ويرى أنه من العيب أن يقول عوض بن قمحاوي الصغير لابنه الذي هو من سنه اسمه مجردًا من كلمة سي قبلها.
ويبدو محمد بن قمحاوي مُغيبًا عن هذا الواقع، فهو يعتقد أن سعاد ابنة قمحاوي ستخضع له بالحب، وعند ذلك تتحول لفلاحة تقوم بأعمال الفلاحين، وتنبهه أمه إلى أنه يحلم، وأن هذا الحلم لن يتحقق.
والحقيقة أن هذه المسرحية قد استطاع يوسف إدريس من خلالها أن يكشف بعض النفوس الإنسانية، وما فيها من رغبة في التعالي، ونظرة أنانية لنفسها لا سيما في شخصية السنباطي وزوجته نظيره، وولديه الكبير والصغير.
ويتردد في المسرحية حلم الخلاص على لسان قمحاوي، وهو يأمل في اليوم الذي يأتي ويتخلص فيه الفلاح من ذلك الرّق الذي يكبله به ملاك الأراضي، وأسيادهم الأجانب من فوقهم، وقد كان ما أمله قمحاوي بعد حدوث ثورة يوليو في توزيع الأراضي على الفلاحين الذين كانوا مستأجرين في هذه الأراضي من قبل.
ونرى براعة يوسف إدريس في رسم شخصيات هذه المسرحية، وبراعته
في إدارة الحوار الواقعي بينها، وكذلك نرى الروح الكوميدية فيها التي تنبع
من تسلط نظيرة على زوجها السنباطي، وخضوعه لها، وكذلك نرى الكوميديا تنبع في هذه المسرحية من أسلوب محمد بن قمحاوي الظريف في غزله لسعاد بنت السنباطي، وكذلك يمثل الحاج شوادفي في هذه المسرحية نمط الشخص البخيل الذي يثير الضحك بشدة بخله.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى