عبدالله قاسم دامي - هزمته أخيرا... قصة قصيرة

آثار سكّة قديمة، قرية إستراتيجية تعبرها الإمدادات الأيطالية المتوغلة نحو الشمال، بادرة شتاءاً حارّة صيفاً، تجذب بحيراتها العذبة وأتربتها الحمراء مجاميع البعوض وتراحيل الأبالة التائهين. تتمركز فرقتان من بقايا جبهة تحرير شعوب الجنوب مدخلها الجنوبي، إنهم عبارة عن لصوص في وطن لم يعد اسمه مسَجلا أصلا، أه وطناً سرقوه.
في عام ١٩٩٧ تفشى في القرية مرض الليشمانيا الكلازار، كان حينها طفلا يتيماً في السادسة من عمره يعاني من فقد المشاعر الإنسانية، لا إنسان هنا لا رحمة، لا مراحيض في القرية لا مدارس، لا طعام لا شيء يُأكل، وحده الربّ كان يراقب الجميع بعناية تفوق الخيال حتى أنه أنجاهم ذات يوم من مجاعة فتاكة بعد أن طلع شيخ الخلوة مع مريدية، وقد كان إحداهم، حاملين الألواح فوق رؤوسهم يلوّحون لله بأن ينزل عليهم مطرا. بكت يومها السماء كطفلة مبتورة القدمين، كانت معجزة إلهية في صيف بائس.

بدأ الجميع يفرّ نحو أقصى الجنوب حيث عاصمة متهالكة دمرتها الحروب الأهلية، يسكنها الرعب المخيف، تملأ شوارعها الجماجم والأوساخ. أه كم كان محظوظا يوم وصل تلك العاصمة.
كان وحيداً بلا وجهة، بلا أهل بلا زاد، ترافقه لعنات الأزمنة البائسة، لكنه إختفى منذ ذالك الحين لعلّه مات قهراّ أو وجد مأوى. من يدري؟ لا أحد.

قابلته البارحة، بعد أربعة وعشرين عاما، كان حزيناً للغاية، عابس الوجه كئيباً، ترافقه الخيبات والهموم. سألته:

"ما بالك؟"

"لم أُهزَم في حياتي قبل ذالك اليوم، إذ جمعتُ كل قواي على كتفها وقلبي على حُبّها.

اللعنة،

لقد قتلتني ببرودة مشاعرها فهُزمتُ حينها يا صديقي".

آه لقد هزمته أخيراً.
  • Like
التفاعلات: رجاء بسبوسي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى