خير جليس غازي الذيبة - كتب تشبهني.. وأحبها وتحبني

كنت أذهب إلى اليفاعة، عندما أحضر لي أبي كتاب سيرة الزير سالم أبو ليلى المهلهل، بصيغته الشعبية الشامية، ولكم كانت دهشة الولد الصغير وهو يصغي لصوت الكلمات تنثال أمام عينيه. فاحتفظ بهذا الكتاب الذي خلخل كل نزعاته في الإقدام على ملاهي الأطفال، وصارت السير الشعبية مدده اليومي، فقرأ الأميرة الشماء وأبو زيد وسيف بن ذي يزن ، وكلها بصيغ شعبية.
بيد أن سيرة المهلهل، التي ظلت تؤرقني، هي التي فتحت رؤاي على آفاق متعددة في الكتابة، وأخذتني إلى اليوم، نحو رحابة يتسرب شذاها في ما أكتب.
فيما بعد، كان للكتب الممنوعة من النشر فعل السحر في جذب جيلي إليها، بخاصة تلك التي كانت تأتي منسوخة باليد أو بالماكينات، لكن أكثرها جذبا لي، كانت الأعمال الكاملة لغسان كنفاني، في مجلداتها الأربعة، حصلت على نسخة منها من عند صديق، أعارني إياها لثلاثة أيام، ولم أتركها حتى أتيت عليها. وبقي خزان غسان يدق ذاكرتي إلى اليوم، ويقربني كلما ابتعدت مني.
لا أخفي أن نزعتي القرائية في اليفاعة كانت غير طبيعية، وإذا ما روجعت غالبية بطاقات استعارة الكتب في مكتبة أمانة عمان حتى منتصف التسعينات، ربما، فسيوجد لي مرور عليها، إذ لم أترك كتابا في الأدب والجغرافيا والتاريخ والفلسفة هناك، إلا قرأته.
لكن الكتب التي كانت وما تزال تسرقني إليها وتترك أثرا جليا فيّ، ليست بعيدة: ديوان المتنبي بشرح التوحيدي، أبو نواس في ديوانه المسموح وقصائده المحرمة، النقائض، الأصمعيات، المعلقات، ثم محمود درويش، وسعدي يوسف ونزار قباني معلمي الأجمل.
وفي الذاكرة، كتب تتناثر كبقع ضوء خالدة لا تنطفئ، تظل تشعل حنيني إليها: مائة عام من العزلة، ثلاثية نجيب محفوظ، النمور في اليوم العاشر لزكريا تامر، أعمال محمد الماغوط وأنسي الحاج وأدونيس.. أسير عاشق ومذكرات لص لجان جينيه، والكتاب العلامة لبابلو نيرودا "أشهد أني قد عشت" وكذلك كتابه الشعري الضافي "النشيد الشامل"، وأعمال سليم بركات، والإشارات الإلهية للتوحيدي، وقصائد مختارة لجاك بريفير، وأشعار لوركا، وأناشيد مالدورو للوتر يامون، وأعمال رامبو.
كثيرة هي الكتب التي تركت أثرا في وجداني، وما تزال تحضر في كتابتي إلى اللحظة، ومن المؤرق الآن تعدادها، لأني أحتفظ في جزء من ذاكرتي بالخوف عليها من النسيان.
إنها علامات تشعل طريقي للضوء، أتمنى أن تكون معي في القبر، لأعيد قراءتها مرات ومرات.
أما القرآن الكريم، فهو أحد أكثر الكتب التي قرأتها، فقد كان استاذي في الكشف عن خبايا اللغة، ومدربي الأول على صياغة جملتي.. وفاتحة انهماكي بأسرار البلاغة.

غ.ذ


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى