محمد عباس محمد عرابي - وقفة موضوعية مع قصيدة الطين لإيليا أبو ماضي

بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان (12 ديسمبر من كل عام )يسعدنا أن نقدم لقراء الأنطولوجيا الأفاضل قصيدة الطين لإيليا أبو ماضي التي تبين أن المساواة في التعامل مبدأ ،والتفاضل بما يستوجبه؛ إقرارًا لحقوق الجميع في الحياة الآمنة المطمئنة حقوق لأي إنسان أي كان دينه وجنسه ولونه ،فكلنا إخوة في الإنسانية ؛يبين هذه المعاني كلها الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي في رائعته الطين ؛حيث يبين فيها أن الناس متساوون لا فرق في ذلك بين أحد وآخر سواء كان غنيا أم فقيرا ،فالكل له نفس المشاعر والأحاسيس ،والكل مصيره المحتوم واحد ألا وهو الموت
،وفيما يلي بعض من أبيات ما قاله إيليا في ذلك :
نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طينٌ،
حَقيرٌ فَصالَ تيها وَعَربَد
وَكَسى الخَزُّ جِسمَهُ فَتَباهى
وَحَوى المالَ كيسُهُ فَتَمَرَّد
يا أَخي لا تَمِل بِوَجهِكَ عَنّي
ما أَنا فَحمَة وَلا أَنتَ فَرقَد
أَنتَ لَم تَصنَعِ الحَريرَ الَّذي
تَلبَس وَاللُؤلُؤَ الَّذي تَتَقَلَّد
أَنتَ لا تَأكُلُ النُضارَ إِذا جِعـ
ت وَلا تَشرَبُ الجُمانَ المُنَضَّد
أَنتَ في البُردَةِ المُوَشّاةِ مِثلي
في كِسائي الرَديمِ تَشقى وَتُسعَد
لَكَ في عالَمِ النَهارِ أَماني
وَرُأى وَالظَلامُ فَوقَكَ مُمتَد
وَلِقَلبي كَما لِقَلبِكَ أَحلا
مٌ حِسانٌ فَإِنَّهُ غَيرُ جَلمَد
أَ أَمانِيَّ كُلَّها مِن تُرابٍ
وَأَمانيكَ كُلَّها مِن عَسجَد
وَأَمانِيَّ كُلُّها لِلتَلاشي
وَأَمانيكَ لِلخُلودِ المُؤَكَّد
لا فَهَذي وَتِلكَ تَأتي وَتَمضي
كَذَويها وَأَيُّ شَيءٍ يُؤَبَّد
أَيُّها المُزدَهي إِذا مَسَّكَ السُقــ
ـمُ أَلا تَشتَكي أَلا تَتَنَهَّد
وَإِذا راعَكَ الحَبيبُ بِهَجرٍ
وَدَعَتكَ الذِكرى أَلا تَتَوَجَّد
أَنتَ مِثلي يَبَشُّ وَجهُكَ لِلنُعمى
وَفي حالَةِ المَصيبَةِ يَكمَد
أَ دُموعي خِل وَدَمعُكَ شَهدٌ
وَبُكائي زُل وَنَوحُكَ سُؤدُد
وَاِبتِسامي السَرابُ لا رَيَّ فيهِ
وَاِبتِساماتُكَ اللَآلي الخَرَّد
فَلَكٌ واحِدٌ يُظِلُّ كِلَينا
حارَ طَرفي بِه وَطَرفُكَ أَرمَد
قَمَرٌ واحِدٌ يُطِلُّ عَلَينا
وَعَلى الكوخ وَالبِناءِ المُوَطَّد
إِن يَكُن مُشرِقاً لِعَينَيكَ إِنّي
لا أَراهُ مِن كُوَّةِ الكوخِ أَسوَد
النُجومُ الَّتي تَراها أَراها
حينَ تَخفى وَعِندَما تَتَوَقَّد
لَستَ أَدنى عَلى غِناكَ إِلَيها
وَأَنا مَعَ خَصاصَتي لَستُ أُبعَد
أَنتَ مِثلي مِنَ الثَرى وَإِلَيهِ
فَلِماذا يا صاحِبي التيه وَالصَد
كُنتَ طِفلاً إِذ كُنتُ طِفلا وَتَغدو
حينَ أَغدو شَيخاً كَبيراً أَدرَد
أَلَكَ القَصرُ دونَهُ الحَرَسُ الشا
كي وَمِن حَولِهِ الجِدارُ المُشَيَّد
فَاِمنَعِ اللَيلَ أَن يَمُدَّ رَواقاً
فَوقَه وَالضَبابَ أَن يَتَلَبَّد
وَاِنظُرِ النورَ كَيفَ يَدخُلُ لا يَطـ
ـلُبُ أُذناً فَما لَهُ لَيسَ يُطرَد
مرقَدٌ واحِدٌ نَصيبُكَ مِنهُ
أَفَتَدري كَم فيكَ لِلذَرِّ مَرقَد
ذُدتَني عَنه وَالعَواصِفُ تَعدو
في طِلابي وَالجَوُّ أَقتَمَ أَربَد
فَسَمِعتُ الحَياةَ تَضحَكُ مِنّي
أَتَرَجّى مِنك وَتَأبى وَتُجحِد
أَلَكَ الرَوضَةُ الجَميلَةُ فيها
الماء وَالطَير وَالأَزاهِر وَالنَد
فَاِزجِرِ الريحَ أَن تَهُز وَتَلوي
شَجَرَ الرَوضِ إِنَهُ يَتَأَوَّد
وَاِلجُمِ الماءَ في الغَدير وَمُرهُ
لا يُصَفِّق إِلّا وَأَنتَ بِمَشهَد
إِنَّ طَيرَ الأَراكِ لَيسَ يُبالي
أَنتَ أَصغَيتَ أَم أَنا إِن غَرَّد
وَالأَزاهيرُ لَيسَ تَسخَرُ مِن فَقـ
ري وَلا فيكَ لِلغِنى تَتَوَدَّد
أَلَكَ النَهرُ إِنَّهُ لِلنَسيمِ الرَطـ
ـبِ دَرب وَلِلعَصافيرِ مَورِد
وَهوَ لِلشُهبِ تَستَحِمُّ بِهِ في الصَيـ
ـفِ لَيلاً كَأَنَّها تَتَبَرَّد
تَدَّعيهِ فَهَل بِأَمرِكَ تَجري
في عُروقِ الأَشجارِ أَو يَتَجَعَّد
كانَ مِن قَبلُ أَن تَجيء وَتَمضي
وَهوَ باقٍ في الأَرضِ لِلجَزر وَالمَد
أَلَكَ الحَقلُ هَذِهِ النَحلُ تَجني
الشَهدَ مِن زَهرِه وَلا تَتَرَدَّد
وَأَرى لِلنِمالِ مُلكاً كَبيراً
قَد بَنَتهُ بِالكَدحِ فيه وَبِالكَد
لَو مَلَكتَ الحُقولَ في الأَرضِ طُرّاً
لَم تَكُن مِن فَراشَةِ الحَقلِ أَسعَد
أَجَميلٌ ما أَنتَ أَبهى مِنَ الوَر
دَةِ ذاتِ الشَذى وَلا أَنتَ أَجوَد
أَم عَزيز وَلِلبَعوضَةِ مِن خَدَّي
كَ قوت وَفي يَدَيكَ المُهَنَّد
أَم غَنِيٌّ هَيهاتِ تَختالُ لَولا
دودَةُ القَزِّ بِالحَباءِ المُبَجَّد
أَم قَوِيٌّ إِذَن مُرِ النَومَ إِذ يَغـ
ـشاك وَاللَيلُ عَن جُفونِكَ يَرتَد
وَاِمنَعِ الشَيبَ أَن يَلِمَّ بِفَو
دَيك وَمُر تَلبُثِ النَضارَةُ في الخَد
أَعَليمٌ فَما الخَيالُ الَّذي يَطـ
ـرُقُ لَيلاً في أَيِّ دُنيا يولَد
إِنَّ قَصراً سَمَكتُهُ سَوفَ يَندَكُّ
وَثَوباً حَبَكتَهُ سَوفَ يَنقَد
لا يَكُن لِلخِصامِ قَلبَكَ مَأوىً
إِنَّ قَلبي لِلحَبيبِ أَصبَحَ مَعبَد
أَنا أَولى بِالحُبِّ مِنك وَأَحرى
مِن كِساءٍ يَبلى وَمالٍ يَنفَد
ويمكن سماع هذه القصيدة على الرابط :
بصوت الشاعر وائل العبابسة:
وبصوت الأستاذ /خالد عبد العزيز
ويمكن سماعها بصوت الأستاذ /محمد الرشيد على الرابط
كما يمكن سماع تحليل :قصيدة الطين للشاعر المهجري إيليا أبي ماضي بصوت الأستاذ شفيق الزهر
وهكذا يقر إيليا بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان في أن الناس كل الناس سواسية يعيشون في عالم واحد ،يعيشون ويتعاونون معًا في عمارة الأرض ،تسودهم جميعًا المعاملة الحسنة دون تكبر أو تعالي ،فالكل من تراب ،لا فرق بين غني وفقير ،فالبعوضة تؤذي الغني والفقير على حد سواء .
وحري بالبشرية بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان أن يسود أفرادها التواضع بعيدًا عن التكبر ،وفهم حقيقة الدنيا :حياة ثم موت وحساب ،وهذا مدعاة للتواضع ،وعدم الخجل من الفقر ،وحري أن تسود بيننا المحبة فنحن جميعًا مخلوقين من طين ،حري أن ننزع الطمع والنهم ،وحب الاكتناز من نفوسنا ؛فسنترك كل شيء ،وهذا يوجب علينا ألا نتنازع على شيء فسنتركه جميعًا ونغادره .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى