أ. د. لطفي مَنصور - مُقْتَطَفاتٌ مِنْ "لُبابُ الْآدابِ"

هو كِتابٌ رائِعٌ في الآدابِ الْعَرَبِيَّةِ عامَّةً يَشْمَلُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ، وَالشِّعْرَ، والطَّرائِفَ، وَوَصْفُ الْأَشْياءِ، وَأُمُورًا كَثيرَةً تَتَعَلَّقُ بِحَياةِ الْإنْسانِ عَلَى هَذِهِ الْأرْضِ .
يَقَعُ الْكِتابُ في مُجَلَّدَيْنِ، أَلَّفَهُ الْعالِمُ الْكَبيرُ، وَالْكاتٍبُ النِّحْرير أَبو مَنْصور عَبْدُ الْمَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ الثَّعالِبٍيُّ النَّيْسابوري (ت ٤٢٩ هج) صاحِبُ الْمُؤَلَّفاتِ الْعُظْمَى، وَفي مُقَدِّمَتِها كِتابُ "يَتيمَةُ الدَّهْرِ وَمَحاسِنُ أَهْلِ الْعَصْرِ" يَقَعُ في سِتَّةِ مُجَلّّدات، وَهوَ تَراجِمُ لِلشُّعراءِ والأُدَباءِ في الْقَرْنِ الرّابِعِ وبِدايَةِ الْقَرْنِ الْخامِسِ الْهِجْرِيَّيْنِ . وفيهِ تَرْجَمَةٌ وافِرَةٌ لِشاعِرِنا الْعَظيمِ أبي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي، لا تُضاهيها تَرْجَمَةٌ أُخْرَى. وَلَهُ عَشَراتُ الْكُتُبِ في النََحْوِ وَالأدَبِ، وَمَنْ لا يَعْرٍفُ كِتابَهُ “فِقْهُ اللُّغَةِ” لا يُحْسَبُ مِنْ دارِسِي الْعَرَبِيَّةِ.
أَبْدَأُ بِإيرادِ كَلِمَةِ “كُلُّ” وَما بَعْدَها لِتَفْسِيرِ مُصْطَلَحاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَريمِ:
كُلٌُ ما عَلاكَ وَأَظَلَّكَ فَهْوَ سَماءٌ؛ كُلُّ أَرْضٍ مُسْتَوِيَةُ فَهِيَ صَعِيدٌ؛ كُلُّ حاجِزٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَهُوَ بَرْزَخٌ؛ كُلُّ بٍناءٍ مُسْتَدِيرٌ فَهُوَ أُطُمٌ (راجِعُوا غَزْوَةَ الْخَنْدَقِ: آطامُ الْيَهُودِ)؛ كُلُّ بِناءٍ مُرَبَعٌ فَهُوَ كَعْبَةٌ؛ كُلُّ بِناءٍ عالٍ فَهُوَ صَرْحٌ؛ كُلُّ شَيْءٍ دَبَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَهُوَ دابَّةٌ؛ كُلُّ ما غابَ عَنِ الْعُيُونِ وَكانَ مِصَوَّرًا في الصُّدُورِ فَهُوَ غَيْبٌ؛ كُلُّ ما يُسْتَحَى كَشْفُهُ مِنْ أَعْضاءِ الْجَسَدِ فَهُوَ عَوْرَةٌ؛ كُلُّ ما يُسْتَعارُ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ قَدُومِ (قَدُّوم) أوْ شَفْرَةٍ (سَيْف، سِكِّين، خنجر) أوْ قِدْرٍ؛ أوْ قَصْعَةٍ فَهُوَ ماعُونٌ؛ كُلُّ حَرامٍ قَبيحِ الذِّكْرِ، يَلْزَمُ مِنْهُ الْعارُ كَثَمَنِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ فَهُوَ سُحْتٌ (سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ)؛ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ مَتاعِ الدُّنْيا فَهوَ عَرَضْ؛ كُلُّ شَيْءٍ لا يَكُونُ مُوافِقًا لِلْحَقِّ فَهُوَ فاحِشَةٌ؛ كُلُّ شَيْءٍ تَكُونُ عاقِبَتُهُ هَلاكٌ فَهُوَ تَهْلُكَةٌ؛ كُلُّ ما هَيَّجْتَ بِهِ النّارَ أَوْ أَوْقَدْتَها فَهُوَ حَصَبٌ (حَصَبُ جَهَنَّمَ) كُلُّ نازِلَةٍ تَحِلُّ بِالْإنْسانِ فَهُوَ قارِعَةٌ.
مِنَ الْغَزَلِ الْعُذْرِيِّ: مِنَ الطَّويل
أَزَيْنَ نِساءِ الْعالَمِينَ أَجيبِي
دُعاءَ مَشُوقٍ بِالْعِراقِ غَرِيبِ
كَتَبْتُ كِتابي ما أُقيمُ حُروفَهُ
لِشِدَّةِ إعْوالِي وَطُولِ نَحِيبِي
(أُقِيمُ: أُصَحِّحُ مِنَ التَّقْوِيم، إعْوالي: بُكائي)
أَخُطُّ وَأَمْحًُو ما خَطَتُّ بِعَبْرَةٍ
تَسِحُّ عَلَى الْقِرْطاسِ سَحَّ غَروبِ
(الْغَرُوبُ: الدَّلْوُ الْمَلِيِءُ بِالْماءِ)
قَيْسُ بنُ خُفافٍ الْبُرْجُمِيُّ: شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُعاصِرٌ لِحاتِمٍ الطّائِي يَعِظُ ابْنَهُ جُبَيْلًا: مِنَ الْكامِل
فَاللَّهَ فَاتَّقِهِ وَأَوْفِ بِنَذْرٍهِ
وَإذا حَلَفْتَ مُمارِيًا فَتَحَلَّلِ
(مُمارٍيًا: مُجادِلًا بِقُوَّةٍ، وَهُوَ مِنَ الْمَرْيِ وهوَ الْحَلْبُ الّذي لا يُبْقي شَيْئًا مِنَ اللَّبَنِ في الدَِرَّةِ)
وَالضَّيْفَ فَاكْرِمْهُ فَإنَّ مَبيتَهُ
حَقٌّ وَلا تَكُ لَعْنَةً لِلنُّزَّلِ
(الضَّيْفَ: مَنْصُوبٌ عَلَى الِاشْتِغالِ بِفِعْلِ الأَمْرِ أْكْرِمْ، الَّذِي انْشَغَلَ عَنْ نَصْبِهِ بِنَصْبِ ضَمِيرِهِ. النُّزَّلُ: الضُّيُوفُ مُفْرَدُها نَزيلٌ)
وَاعْلَمْ بٍأَنَّ الضَّيْفَ مُخْبِرُ أَهْلِهِ
بَمَبيتِ لَيْلَتِهِ وَإنْ لَمْ يُسْأَلِ
وَصٍلِ الْمُواصِلَ ما صَفا لَكَ وُدُّهُ
وَاحْذَرْ حِبالَ الْخائِنِ الْمُتَبَذِّلِ
(الْحِبالُ: الْحِيَلُ، الْمُتَبَذِّلُ: تَرُكُ صِيانَةُ النَّفسِ والشَّفِ)
وَاتْرُكْ مَحَلَّ السُّوءِ لا تَحْلُلْ بِهِ
وَإذا نَبا بِكَ مَنْزِلٌ فَتَحَوَّلِ
(نَبا بِكَ الْمَنْزِلُ: جَفاكَ)
دارُ الْهَوانِ لِمَنْ رَآها دارَهُ
أَفَراحِلٌ عَنْها كَمَنْ لَمْ يَرْحَلِ
(الاستِفْهامُ بالْهَمْزَةِ لِلْإقْرارِ أوِ النَّفْيِ، وَالْجَوابُ هنا بِلا النّافِيَةِ)
وَإذا هَمَمْتَ بِأَمْرِ شَرٍّ فَاتَّئِدْ
وَإذا هَمَمْتَ بِأَمْرِ خَيْرٍ فَاعْجَلِ
(اِتَّئِدْ: مِنَ التُّؤَدَةِ وهي التَّمَهَُلُ لٍلنَّظَر، وَالْجَذْرُ الثُّلاثِيُّ وَأَدَ، وَبُنِيَ الفِعْلَ عَلَى افْتَعَلَ فصارَ اِوْتَأَدَ، وَلِضَعْفِ حَرْفِ الْعِلَّةِ الواوِ قُلِبَ إلَى تاءٍ وَأُدْغِمَتْ في تاءِ الافْتِعال فَصارَ اتَّأَدَ فَافْهَمْهُ)
وَإذا أَتَتْكَ مِنَ الْعَدُوِّ قَوارِصٌ
فَاقْرُصْ هُناكَ وَلا تَقُلْ لَمْ أَفْعَلِ
(إنَّها الْجاهِلِيَّةُ رَدُّ الشَّتْمِ وَالسَّبابِ بِأَعْنَفَ مِنْهُ مِمّا يُوَلِّدُ الشُّرورَ. فَأَيْنَ الْحِلْمُ الَّذِي أَقَرَّهُ الْإسْلامُ؟؟)
تَمَّتْ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى