بدوي الدقادوسي - هدية أمي

أصاب شقيقي الأصغر ثراء مفاجئ؛ منذ هذا اليوم كلما هاتفته لا يرد ! أضطر في الأعياد أن أرسل له على الجوال : كل عام وأنتم بخير؛ في عيد الفطر يرد بكلمة " وأنتم" ، وفي العيد الأضحى يرسل سائقه بكيس فيه لحم الأضحية ، فأسارع بها لزوجتي وبناتي قائلا: عمكم لم ينس بره بكم وعطفه على أخيه .
هذا العام لم يرد ولم يأت السائق ، قتلني القلق ، ساقتني قدماي لقصره ، وجدته محاصرا بسيارات فارهة والحديقة تعج بالضيوف، عدت أدراجي سعيدا أنه بخير..
جاءتني رسالته ؛ فتحتها على عجل : أبلغني سعادة الوزير أنك انتقدته في منشور سخيف من هرائك الذي تكتبه على صفحتك في " الفيس" ؛ فيا أيها الصعلوك تأدب في مخاطبة الملوك ؛ وتذكر قول أبيك – رحمة الله عليه- " المية ما بتطلعش العالي والأيد اللي ما تقدر تقطعها بوسها ؛ دعك من هذا الهراء الذي يضحكون به على الحمقى ويدس فيه الحاقدون سمومهم "
أغلقت الجوال ؛ عبثت يدي بكل جيوبي لم أجد ما أشتري به اللحم ، بعت خاتم زواجي ؛ اشتريت لحما بقدر ما كان يرسله أخي ؛ دخلت البيت مبتسما ؛ ناديت زوجتي وبناتي : عمكم لم ينس بره بكم وعطفه على أخيه ؛ في انشغالهم بإعداد الطعام تسللت لفراشي ، ياااه في أول عهده بالمدرسة كنت أمسك يده بحرص وأسعد حين يستعين بي أمام رفاقه الذين يتحرشون به ساخرين من ضآلته ، أحمل عنه حقيبته في طريق عودتنا المليء بالأشقياء الذين يفتشون حقائب الصغار ويستولون على أقلامهم وأدواتهم ، وكيف اجتمعوا ذات يوم علينا قاطعين الطريق مانعينا من المرور وهم يحملون هراوات ، أعطيته الحقيبتين وأمرته أن يركض واحتجزوني ، لم أشعر بهراواتهم على ظهري فقد كنت مشفقا عليه وهو يجري بصعوبة وينوء بحمله .
انتبهت على صوت زوجتي تناديني للطعام ، اعتذرت بأني مجهد ، هزم الإرهاق حزني فغفوت ، رأيت المرحومة أمي مقبلة ، جلست عند رأسي ، وضعت يمناها على جبهتي ، أخذت تقرأ المعوذتين ، ضغطت بكفها كفي وخرجت تلوّح لي وهي تبتسم ، في الصباح وجدت خاتم زواجي في أصبعي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى