"الزمان والمكان في روايات نجيب الكيلاني "رسالة علمية نالت بها الطالبة وجدان يعكوب محمود على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها تخصص (أدب حديث) من قسم اللغة العربية كلية الآداب/الجامعة العراقية بإشراف أ.د. جبير صالح حمادي عام 1432هـ ،وفيما يلي عرض لهذه الرسالة على النحو التالي كما أوردتها الباحثة في رسالتها بالنص :
مقدمة : الرواية جنس أدبي يتميز بتماسك شديد بين العناصر المكونة له ، وإن عنصري الزمان والمكان من بين عناصر الرواية ، وهما بالذات لا يمكن فصلهما عن بعضهما ، فنحن لا يمكن أن نتخيل زماناً بلا مكان أو مكاناً بلا زمان في الرواية وفي غير الرواية ؛ولذ تناولت الباحثة في هذه الدراسة "الزمان والمكان في روايات نجيب الكيلاني "
أسباب اختيار الموضوع :
لقد آثرت الباحثة اختيار موضوع ( الزمان والمكان ) وذلك لميلها لدراسة عناصر البناء الفني في الرواية ، فقد وجدت أن معظم الدارسين لا يتطرقون إلى هذين العنصرين معًا في دراسة واحدة ، وإذا جمعهما أحد الدارسين فهو يجعل تطبيقه في رواية واحدة أو في عدد من الروايات لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ،أما لماذا هذه البحث في روايات نجيب الكيلاني بالذات ؟ لأن الالتزام سمة هذا الأديب ويمكن لأية قارئ أن يقتني رواياته دون حرج .
وترى الباحثة أن الخوض في دراسة عنصري الزمان والمكان في روايات أديب بلغ عدد رواياته إحدى وأربعين رواية ، عمل لن يبرأ من النواقص والهفوات ، فمهما بذل الباحث من الجهد في الدراسة والبحث ، يبقى عمله في النهاية عمل بشر لا يخلو من النقص ، وحسب الباحثة أنها جعلت عملها خالصًا لوجه الله ، فلم تطلق الأحكام جزافًا ، بل قيدت نفسها بالنصوص التي بين يديها ، وعلى قدر ما سمح به المصادر المتيسرة .
*مكونات البحث :
اشتمل البحث على ثلاثة فصول ، سبقها تمهيد في غاية التكثيف ، ودار الحديث فيه حول مصطلحي الزمان والمكان لغةً واصطلاحًا وتقديم نبذة عنهما في الأدب العربي ، وعن دور هذين العنصرين في الأدب الجاهلي بالذات .
وتم تخصيص الفصل الأول لنجيب الكيلاني الإنسان ، وكان في ثلاثة مباحث ، المبحث الأول دار حول أهم محطات الزمان والمكان في حياة الكيلاني ، وتكلم المبحث الثاني عن نتاج الأديب الأدبي والعلمي ، وعن الروافد الثقافية له.
أما المبحث الثالث فقد تم تخصيصه لدراسة العنوان في روايات الكيلاني ، وقد تناول هذا المبحث أهمية العنوان ووظائفه ، ومدى ثقل فكرة الزمان والمكان على الكيلاني في عنونة رواياته .
والفصل الثاني كان مخصصًا للزمان ، وتم تقسيمه إلى أربعة مباحث ، تناول المبحث الأول :أهمية الزمان في النص الأدبي وكيفية معالجته، والبحث عن طبيعة الزمن الروائي الذي جاء على نمطين: الزمن النفسي، والزمن الطبيعي .
وتكلم المبحث الثاني عن البناء الزمني في الرواية ، المتكون من أربعة أنساق : متقدم ، ومتراجع ، ومتوازٍ ، ومتراوح ، وتم الانتقال بعدها للبحث في وجود هذه الأنساق في روايات الكيلاني .
أما المبحث الثالث ، فتناول تقنيات السرد من مفارقات زمنية( استرجاع واستباق) ، وتكلم عن الحذف والإضمار والمشهد والخلاصة ، وتم تخصيص المبحث الرابع للزمن في الرواية التاريخية ، ودار حول أهمية الزمن في هذا النوع من الروايات ، وتم الانتقال إلى أهم المنعطفات التي مرت بها الرواية التاريخية ، وأخيراً تم تناول روايات نجيب الكيلاني التاريخية بالدراسة.
أما المكان فقد كان من حصة الفصل الثالث الذي تم تقسيمه إلى أربعة مباحث ، تم تخصيص المبحث الأول لطبيعة المكان وأهميته في البناء الروائي ، وتكلم علن الوصف أسلوبًا لتجسيد المكان ، وكذلك تم تناول طبيعة الوصف ووظائفه ، وكان المبحث الثاني عن وصف المكان المفتوح ،واتخذت الدراسة القرية والمدينة وسوح القتال نماذج ، و المبحث الثالث كان مخصصا للمكان المغلق ،وتم فيه دراسة البيت والسجن والمستشفى والمسجد ، وتناول المبحث الرابع ثنائية المكان الأليف /المعادي ، والواقعي / المتخيل ، والتاريخي / الآني .
وتم ختم البحث بجملة من النتائج ، ورد فيها ما تناثر عبر فصول البحث من خصوصيات الزمان والمكان في روايات الكيلاني .
وقد تمت الاستعانة في هذه الفصول الثلاثة بكل ما تيسر للباحثة من روايات الكيلاني ، وبعض الدراسات الجامعية التي خصت روايات الكيلاني بالبحث والدراسة مثل ، ( ملامح الشخصية الرئيسة في روايات نجيب الكيلاني السياسية ) ، لعبد الناصر المنتصر بالله محمد محمود ، و (الشخصية في سلسلة روايات إسلامية معاصرة لنجيب الكيلاني ) لأحمد طه أحمد الشعيبي، و (صورة المرأة في قصص نجيب الكيلاني)، لحنان بنت جابر عبد الرحمن الحارثي ، ومن أهم المصادر الأخرى كتاب (مذكرات الكيلاني بجزئيه) ، وكتاب ( بناء الرواية ) للدكتورة سيزا قاسم ، وكتاب( تحليل الخطاب الروائي ) لسعيد يقطين، وغيرها من المصادر الكثيرة والمهمة ذات الصلة بموضوع البحث .
نتائج البحث :توصل البحث إلى النتائج التالية :
-لقد عاش الدكتور نجيب الكيلاني حياة مليئة بمحطات زمانية ومكانية عدة ، ولقد كان من الشخصيات التي يتولد لديها شعور واضح إزاء المكان الذي تعيش فيه ، فهو إما يحب المكان بكل مشاعره مما يدفعه إلى استثمار هذا الحب في نقله إلى رواياته ، وإما يبغض المكان بكل مشاعره ، وكذلك ينقل هذا المكان إلى رواياته ، لذلك نقل لنا كل الأماكن التي عاش فيها من قرية ومدينة وسجن وكلية الطب ومستشفى وغيرها من الأماكن .
- كشف البحث عن ثقل فكرة الزمان والمكان على الكيلاني ، مما دعاه إلى وسم أغلب رواياته بما يعزز هذه الفكرة ، وسلط البحث الضوء على الإشكالية التي وقع فيها الدارسون لروايات الكيلاني ، في أن بعض رواياته كانت معنونة بعنوانين ، في حين قام الباحثون بعدّها روايات مستقلة ،وهذا ما جعل الباحثين يختلفون في العدد الحقيقي لروايات الكيلاني .
- اعتمد الكيلاني في رواياته أسلوبًا تغلب عليه الروح الإسلامية ، من خلال الاقتباسات الكثيرة لآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ، أو جعل الشخصيات ممن تؤدي الفرائض الإسلامية .
- توصل البحث إلى اعتماد الكيلاني على الزمن النفسي في رواياته السياسية والتاريخية ، في حين يقل هذا الزمن نوعاً ما في رواياته الاجتماعية .
تنوع طرق الكيلاني في استعماله للزمن النفسي ، فمرة يورده على لسان الراوي ومرة عن طريق الاسترجاع والاستباق ، وأخرى عن طريق الحوار بين الشخصيات .
- كشفت الدراسة عن اتساع الزمن الطبيعي في الروايات مجال البحث ، وقد حدد البحث نوع الأزمان التي تندرج بها هذه الروايات فكانت روايات محددة البداية والنهاية بكثير من الدقة ، وروايات يورد الكيلاني فيها أحداثاً مهمة نعرف زمنها الطبيعي ، وروايات تاريخية معلومة الزمن الطبيعي ، وروايات ترجح لنا زمنها الطبيعي من خلال بعض القرائن المذكورة في أحداثها .
- هناك أشكال عدة لترتيب نسق الزمن في الجنس الروائي ، ولقد كان الكيلاني من أنصار النسق التقليدي الذي يعتمد على تتابع الأحداث ، مع تشربه بنوع من موازاة الأحداث ، ولم نجد في رواياته نسقًا زمنيًا متراجعًا أو متراوحًا .
- توصل البحث إلى تنوع أسلوب الكيلاني في استخدام المفارقات الزمنية المتمثلة بـ " الاسترجاع " ، و " الاستباق " ، فالاسترجاع عنده ورد باستخدام الفعل " تذكر " ، أو كان محاورة بين شخصيات الرواية ، وقد اعتمد في استرجاعاته بشكل كبير على المونولوج الداخلي ، وقد انقسم الاسترجاع عنده إلى : استرجاع داخلي ، و استرجاع خارجي ، بينما لم نجد في كل رواياته الاسترجاع المختلط ، أما الاستباق فلقد كان متنوعًا بالطريقة نفسها ، ولقد انقسم إلى استباق صادق وخصوصًا في رواياته التاريخية ، واستباق كاذب خصوصًا في رواياته الاجتماعية .
- كشف البحث عن ورود الحذف غير المحدد بنسبة أكبر من الحذف المحدد في روايات الكيلاني ، في حين أن الحذف المحدد أكثر علوقاً بالذاكرة ، وتتغير الأحداث بعده بشكل كبير .
- توصل البحث إلى أن الكيلاني قد استثمر المشهد بنوعيه : البانورامي ، والمشهدي بقصد تأخير الأحداث وإيقاف الزمن الطبيعي ،ومن التقنيات الأخرى تقنية " الخلاصة " التي استخدمها للكشف عن تاريخ شخصية رئيسة ، أو لربط شخصية ثانوية بأحداث الرواية .
-جسد البحث مدى تنوع الأزمان التاريخية التي كتب عنها الكيلاني ،فكانت روايات تاريخية بعيدة الزمن ، ولا تتعدى في بعدها زمن فجر الإسلام ، وروايات تاريخية متوسطة البعد الزمني ، وروايات تاريخية قريبة الزمن ، وكانت روايات الإستدعاء التأريخي حاضرة لدى الكيلاني ، لقد تولى الكيلاني تسليط الضوء في هذه الروايات على ثلاث قضايا هي : قضية الدعوة الإسلامية ، وقضية النضال الفلسطيني ، وقضية النضال ضد الاستعمار والظلم .
-كانت القرية مسرحًا لعدد من روايات الكيلاني ، بملامح محددة ، ومعالم واضحة ، وبأسماء حقيقية ، وموقع جغرافي واقعي ، وسمها الكيلاني بروحية ابن القرية ، فنافست الشخصيات الرئيسة على البطولة ، وتطور الأحداث .
-كتب الكيلاني عن المدينة ، وكان في بعض رواياته قد وصف المدينة بروحية القروي الذي صدمته المدينة بمافيها من تناقضات ، وفي بعضها الآخر عبر عن حبه لهذه المدن التي عاش فيها ، فكانت المدينة حاضرة بوعي الكيلاني كما هي القرية .
- إن اتساع المكان في بعض رواياته خصوصًا الروايات التاريخية ، أكسب الشخصيات حركة وحيوية ، وكانت هذه الميزة إحدى وسائل الإقناع بأن المكان حقيقي ، تتحرك فيه شخصيات من لحم ودم ، مما أضفى مصداقية على الرواية .
- في رواياته التي اهتمت بقضايا المسلمين غير العرب ، كان المكان يشوبه كثير من الغموض والضبابية ، فالكيلاني قد كتب عن بلدان لم يزرها ، فشابَ المكان المفتوح في هذه الروايات كثير من الهشاشة ، والعمومية ، فسدّ الكيلاني هذه الثغرة باستخدامه العبارات الإنشائية ، التي يمكن أن تنطبق على أي مكان مفتوح ، محاولاً التركيز على وصف الأماكن المغلقة في هذه الروايات .
- توصل البحث إلى أن اهتمام الكيلاني بوصف البيت كان قليلاً ، فلم يصفه إلا بالقدر الذي يوضح فيه الوضع الإجتماعي والاقتصادي للشخصية ، محاولاً سبر أغوار الشخصية من خلال وصف الأثاث ، وكانت أجزاء البيت مقصودة الدلالة في روايات الكيلاني ، فيربط بين وصف المكان وطبيعة الشخصية التي تشغله .
-كشفت الدراسة عن المساحة المكانية التي شغلها السجن في روايات الكيلاني ، خصوصًا السياسية منها ، ونجد اهتمام الكيلاني الكبير بتجسيد السجن أمام القارئ ، فوصف السجن من الخارج ، ومن الداخل ، والزنازين والباحة ، والجبل الذي يقضي فيه السجين عقوبة الأشغال الشاقة .
- كان المستشفى مسرحًا لعدد من روايات الكيلاني ، وبينت الدراسة عدم مبالاة الكيلاني بوصف تفصيلات المستشفى ، فقد كان هذا الوصف متشظياً في أجزاء الروايات ، وغير مباشر ، وقد يرد بصورة عفوية على لسان الشخصية أو الراوي لغرض اكتمال الحدث ووضوح الصورة فقط .
-كان المسجد بما يشكله من مكانة عالية في نفس الكاتب ، بؤرة انطلقت منها بعض أحداث روايات الكيلاني ، فرسم المسجد مكاناً مشحوناً بكثير من الدلالات منها الروحية ، والاجتماعية والسياسية .
- إن عظم تأثير المكان في نفسية الشخصية ، قد يخرجها عن الفطرة السليمة ‘ فهناك اتفاق لدى جميع الناس على أن بعض الأماكن أليفة كالبيت ، والبعض الآخر معادٍ كالسجن ، إلا أن الثقل النفسي الذي يسلطه المكان على الشخصية يخلط الموازين ، فنجدها تعد بعض الأماكن الأليفة مكاناً معادياً، أو بعض الأماكن المعادية مكاناً أليفاً .
-إن الكيلاني في رسمه للمكان الروائي كان يستند في الغالب إلى الواقع ، وإلى الخيال في بعض الأحيان ، فجاءت مجمل رواياته بنسب متفاوتةٍ بين الحقيقة والخيال .
-لم تعبر الروايات التاريخية عند الكيلاني عن أزمنة تأريخية فحسب ، بل حاول الكيلاني أن يعبر من خلال هذه الروايات عن أماكن تاريخية ، من خلال أنسنة هذا المكان ، أو عن طريق حوار بين الشخصيات التأريخية ، أوعن طريق الوصف المباشر .
مقدمة : الرواية جنس أدبي يتميز بتماسك شديد بين العناصر المكونة له ، وإن عنصري الزمان والمكان من بين عناصر الرواية ، وهما بالذات لا يمكن فصلهما عن بعضهما ، فنحن لا يمكن أن نتخيل زماناً بلا مكان أو مكاناً بلا زمان في الرواية وفي غير الرواية ؛ولذ تناولت الباحثة في هذه الدراسة "الزمان والمكان في روايات نجيب الكيلاني "
أسباب اختيار الموضوع :
لقد آثرت الباحثة اختيار موضوع ( الزمان والمكان ) وذلك لميلها لدراسة عناصر البناء الفني في الرواية ، فقد وجدت أن معظم الدارسين لا يتطرقون إلى هذين العنصرين معًا في دراسة واحدة ، وإذا جمعهما أحد الدارسين فهو يجعل تطبيقه في رواية واحدة أو في عدد من الروايات لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ،أما لماذا هذه البحث في روايات نجيب الكيلاني بالذات ؟ لأن الالتزام سمة هذا الأديب ويمكن لأية قارئ أن يقتني رواياته دون حرج .
وترى الباحثة أن الخوض في دراسة عنصري الزمان والمكان في روايات أديب بلغ عدد رواياته إحدى وأربعين رواية ، عمل لن يبرأ من النواقص والهفوات ، فمهما بذل الباحث من الجهد في الدراسة والبحث ، يبقى عمله في النهاية عمل بشر لا يخلو من النقص ، وحسب الباحثة أنها جعلت عملها خالصًا لوجه الله ، فلم تطلق الأحكام جزافًا ، بل قيدت نفسها بالنصوص التي بين يديها ، وعلى قدر ما سمح به المصادر المتيسرة .
*مكونات البحث :
اشتمل البحث على ثلاثة فصول ، سبقها تمهيد في غاية التكثيف ، ودار الحديث فيه حول مصطلحي الزمان والمكان لغةً واصطلاحًا وتقديم نبذة عنهما في الأدب العربي ، وعن دور هذين العنصرين في الأدب الجاهلي بالذات .
وتم تخصيص الفصل الأول لنجيب الكيلاني الإنسان ، وكان في ثلاثة مباحث ، المبحث الأول دار حول أهم محطات الزمان والمكان في حياة الكيلاني ، وتكلم المبحث الثاني عن نتاج الأديب الأدبي والعلمي ، وعن الروافد الثقافية له.
أما المبحث الثالث فقد تم تخصيصه لدراسة العنوان في روايات الكيلاني ، وقد تناول هذا المبحث أهمية العنوان ووظائفه ، ومدى ثقل فكرة الزمان والمكان على الكيلاني في عنونة رواياته .
والفصل الثاني كان مخصصًا للزمان ، وتم تقسيمه إلى أربعة مباحث ، تناول المبحث الأول :أهمية الزمان في النص الأدبي وكيفية معالجته، والبحث عن طبيعة الزمن الروائي الذي جاء على نمطين: الزمن النفسي، والزمن الطبيعي .
وتكلم المبحث الثاني عن البناء الزمني في الرواية ، المتكون من أربعة أنساق : متقدم ، ومتراجع ، ومتوازٍ ، ومتراوح ، وتم الانتقال بعدها للبحث في وجود هذه الأنساق في روايات الكيلاني .
أما المبحث الثالث ، فتناول تقنيات السرد من مفارقات زمنية( استرجاع واستباق) ، وتكلم عن الحذف والإضمار والمشهد والخلاصة ، وتم تخصيص المبحث الرابع للزمن في الرواية التاريخية ، ودار حول أهمية الزمن في هذا النوع من الروايات ، وتم الانتقال إلى أهم المنعطفات التي مرت بها الرواية التاريخية ، وأخيراً تم تناول روايات نجيب الكيلاني التاريخية بالدراسة.
أما المكان فقد كان من حصة الفصل الثالث الذي تم تقسيمه إلى أربعة مباحث ، تم تخصيص المبحث الأول لطبيعة المكان وأهميته في البناء الروائي ، وتكلم علن الوصف أسلوبًا لتجسيد المكان ، وكذلك تم تناول طبيعة الوصف ووظائفه ، وكان المبحث الثاني عن وصف المكان المفتوح ،واتخذت الدراسة القرية والمدينة وسوح القتال نماذج ، و المبحث الثالث كان مخصصا للمكان المغلق ،وتم فيه دراسة البيت والسجن والمستشفى والمسجد ، وتناول المبحث الرابع ثنائية المكان الأليف /المعادي ، والواقعي / المتخيل ، والتاريخي / الآني .
وتم ختم البحث بجملة من النتائج ، ورد فيها ما تناثر عبر فصول البحث من خصوصيات الزمان والمكان في روايات الكيلاني .
وقد تمت الاستعانة في هذه الفصول الثلاثة بكل ما تيسر للباحثة من روايات الكيلاني ، وبعض الدراسات الجامعية التي خصت روايات الكيلاني بالبحث والدراسة مثل ، ( ملامح الشخصية الرئيسة في روايات نجيب الكيلاني السياسية ) ، لعبد الناصر المنتصر بالله محمد محمود ، و (الشخصية في سلسلة روايات إسلامية معاصرة لنجيب الكيلاني ) لأحمد طه أحمد الشعيبي، و (صورة المرأة في قصص نجيب الكيلاني)، لحنان بنت جابر عبد الرحمن الحارثي ، ومن أهم المصادر الأخرى كتاب (مذكرات الكيلاني بجزئيه) ، وكتاب ( بناء الرواية ) للدكتورة سيزا قاسم ، وكتاب( تحليل الخطاب الروائي ) لسعيد يقطين، وغيرها من المصادر الكثيرة والمهمة ذات الصلة بموضوع البحث .
نتائج البحث :توصل البحث إلى النتائج التالية :
-لقد عاش الدكتور نجيب الكيلاني حياة مليئة بمحطات زمانية ومكانية عدة ، ولقد كان من الشخصيات التي يتولد لديها شعور واضح إزاء المكان الذي تعيش فيه ، فهو إما يحب المكان بكل مشاعره مما يدفعه إلى استثمار هذا الحب في نقله إلى رواياته ، وإما يبغض المكان بكل مشاعره ، وكذلك ينقل هذا المكان إلى رواياته ، لذلك نقل لنا كل الأماكن التي عاش فيها من قرية ومدينة وسجن وكلية الطب ومستشفى وغيرها من الأماكن .
- كشف البحث عن ثقل فكرة الزمان والمكان على الكيلاني ، مما دعاه إلى وسم أغلب رواياته بما يعزز هذه الفكرة ، وسلط البحث الضوء على الإشكالية التي وقع فيها الدارسون لروايات الكيلاني ، في أن بعض رواياته كانت معنونة بعنوانين ، في حين قام الباحثون بعدّها روايات مستقلة ،وهذا ما جعل الباحثين يختلفون في العدد الحقيقي لروايات الكيلاني .
- اعتمد الكيلاني في رواياته أسلوبًا تغلب عليه الروح الإسلامية ، من خلال الاقتباسات الكثيرة لآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ، أو جعل الشخصيات ممن تؤدي الفرائض الإسلامية .
- توصل البحث إلى اعتماد الكيلاني على الزمن النفسي في رواياته السياسية والتاريخية ، في حين يقل هذا الزمن نوعاً ما في رواياته الاجتماعية .
تنوع طرق الكيلاني في استعماله للزمن النفسي ، فمرة يورده على لسان الراوي ومرة عن طريق الاسترجاع والاستباق ، وأخرى عن طريق الحوار بين الشخصيات .
- كشفت الدراسة عن اتساع الزمن الطبيعي في الروايات مجال البحث ، وقد حدد البحث نوع الأزمان التي تندرج بها هذه الروايات فكانت روايات محددة البداية والنهاية بكثير من الدقة ، وروايات يورد الكيلاني فيها أحداثاً مهمة نعرف زمنها الطبيعي ، وروايات تاريخية معلومة الزمن الطبيعي ، وروايات ترجح لنا زمنها الطبيعي من خلال بعض القرائن المذكورة في أحداثها .
- هناك أشكال عدة لترتيب نسق الزمن في الجنس الروائي ، ولقد كان الكيلاني من أنصار النسق التقليدي الذي يعتمد على تتابع الأحداث ، مع تشربه بنوع من موازاة الأحداث ، ولم نجد في رواياته نسقًا زمنيًا متراجعًا أو متراوحًا .
- توصل البحث إلى تنوع أسلوب الكيلاني في استخدام المفارقات الزمنية المتمثلة بـ " الاسترجاع " ، و " الاستباق " ، فالاسترجاع عنده ورد باستخدام الفعل " تذكر " ، أو كان محاورة بين شخصيات الرواية ، وقد اعتمد في استرجاعاته بشكل كبير على المونولوج الداخلي ، وقد انقسم الاسترجاع عنده إلى : استرجاع داخلي ، و استرجاع خارجي ، بينما لم نجد في كل رواياته الاسترجاع المختلط ، أما الاستباق فلقد كان متنوعًا بالطريقة نفسها ، ولقد انقسم إلى استباق صادق وخصوصًا في رواياته التاريخية ، واستباق كاذب خصوصًا في رواياته الاجتماعية .
- كشف البحث عن ورود الحذف غير المحدد بنسبة أكبر من الحذف المحدد في روايات الكيلاني ، في حين أن الحذف المحدد أكثر علوقاً بالذاكرة ، وتتغير الأحداث بعده بشكل كبير .
- توصل البحث إلى أن الكيلاني قد استثمر المشهد بنوعيه : البانورامي ، والمشهدي بقصد تأخير الأحداث وإيقاف الزمن الطبيعي ،ومن التقنيات الأخرى تقنية " الخلاصة " التي استخدمها للكشف عن تاريخ شخصية رئيسة ، أو لربط شخصية ثانوية بأحداث الرواية .
-جسد البحث مدى تنوع الأزمان التاريخية التي كتب عنها الكيلاني ،فكانت روايات تاريخية بعيدة الزمن ، ولا تتعدى في بعدها زمن فجر الإسلام ، وروايات تاريخية متوسطة البعد الزمني ، وروايات تاريخية قريبة الزمن ، وكانت روايات الإستدعاء التأريخي حاضرة لدى الكيلاني ، لقد تولى الكيلاني تسليط الضوء في هذه الروايات على ثلاث قضايا هي : قضية الدعوة الإسلامية ، وقضية النضال الفلسطيني ، وقضية النضال ضد الاستعمار والظلم .
-كانت القرية مسرحًا لعدد من روايات الكيلاني ، بملامح محددة ، ومعالم واضحة ، وبأسماء حقيقية ، وموقع جغرافي واقعي ، وسمها الكيلاني بروحية ابن القرية ، فنافست الشخصيات الرئيسة على البطولة ، وتطور الأحداث .
-كتب الكيلاني عن المدينة ، وكان في بعض رواياته قد وصف المدينة بروحية القروي الذي صدمته المدينة بمافيها من تناقضات ، وفي بعضها الآخر عبر عن حبه لهذه المدن التي عاش فيها ، فكانت المدينة حاضرة بوعي الكيلاني كما هي القرية .
- إن اتساع المكان في بعض رواياته خصوصًا الروايات التاريخية ، أكسب الشخصيات حركة وحيوية ، وكانت هذه الميزة إحدى وسائل الإقناع بأن المكان حقيقي ، تتحرك فيه شخصيات من لحم ودم ، مما أضفى مصداقية على الرواية .
- في رواياته التي اهتمت بقضايا المسلمين غير العرب ، كان المكان يشوبه كثير من الغموض والضبابية ، فالكيلاني قد كتب عن بلدان لم يزرها ، فشابَ المكان المفتوح في هذه الروايات كثير من الهشاشة ، والعمومية ، فسدّ الكيلاني هذه الثغرة باستخدامه العبارات الإنشائية ، التي يمكن أن تنطبق على أي مكان مفتوح ، محاولاً التركيز على وصف الأماكن المغلقة في هذه الروايات .
- توصل البحث إلى أن اهتمام الكيلاني بوصف البيت كان قليلاً ، فلم يصفه إلا بالقدر الذي يوضح فيه الوضع الإجتماعي والاقتصادي للشخصية ، محاولاً سبر أغوار الشخصية من خلال وصف الأثاث ، وكانت أجزاء البيت مقصودة الدلالة في روايات الكيلاني ، فيربط بين وصف المكان وطبيعة الشخصية التي تشغله .
-كشفت الدراسة عن المساحة المكانية التي شغلها السجن في روايات الكيلاني ، خصوصًا السياسية منها ، ونجد اهتمام الكيلاني الكبير بتجسيد السجن أمام القارئ ، فوصف السجن من الخارج ، ومن الداخل ، والزنازين والباحة ، والجبل الذي يقضي فيه السجين عقوبة الأشغال الشاقة .
- كان المستشفى مسرحًا لعدد من روايات الكيلاني ، وبينت الدراسة عدم مبالاة الكيلاني بوصف تفصيلات المستشفى ، فقد كان هذا الوصف متشظياً في أجزاء الروايات ، وغير مباشر ، وقد يرد بصورة عفوية على لسان الشخصية أو الراوي لغرض اكتمال الحدث ووضوح الصورة فقط .
-كان المسجد بما يشكله من مكانة عالية في نفس الكاتب ، بؤرة انطلقت منها بعض أحداث روايات الكيلاني ، فرسم المسجد مكاناً مشحوناً بكثير من الدلالات منها الروحية ، والاجتماعية والسياسية .
- إن عظم تأثير المكان في نفسية الشخصية ، قد يخرجها عن الفطرة السليمة ‘ فهناك اتفاق لدى جميع الناس على أن بعض الأماكن أليفة كالبيت ، والبعض الآخر معادٍ كالسجن ، إلا أن الثقل النفسي الذي يسلطه المكان على الشخصية يخلط الموازين ، فنجدها تعد بعض الأماكن الأليفة مكاناً معادياً، أو بعض الأماكن المعادية مكاناً أليفاً .
-إن الكيلاني في رسمه للمكان الروائي كان يستند في الغالب إلى الواقع ، وإلى الخيال في بعض الأحيان ، فجاءت مجمل رواياته بنسب متفاوتةٍ بين الحقيقة والخيال .
-لم تعبر الروايات التاريخية عند الكيلاني عن أزمنة تأريخية فحسب ، بل حاول الكيلاني أن يعبر من خلال هذه الروايات عن أماكن تاريخية ، من خلال أنسنة هذا المكان ، أو عن طريق حوار بين الشخصيات التأريخية ، أوعن طريق الوصف المباشر .