في الاستراحة القصيرة، يدخلن ويخرجن، كما تفعل النحلات في خلية النحل. يحملن أكواب الشاي, أو باكيتات العلكة وأكياس المكسرات. الأستاذ كريم يدخن سيجارته الثانية. يفكر لنفسه: تحت هذه الثياب ملابسهن الداخلية. يرمقهن بطرف عينه، ويتخيّلهن يخلعن ما تحت ثيابهن ويجعلن منه كومة كبيرة هنا عند الباب. الخيال الجامح ليس مريضا بالضرورة. وأهم الاختراعات البشرية نابعة من تصور العالم أو الأشياء بطريقة مختلفة, معكوسة, أو حتى مضحكة. وقبل ألف سنة لم تكن هناك مسابقة لملكات الجمال مثلا، ولا أي ذكر للأرقام القياسية لمن كان يملك أطول شوارب، أو من يقعد أطول فترة ممكنة بدون هواء، تحت سطح الماء. ولكننا نعيش مؤمقتا فوق كوكب ينبغي أن يبقى المخفي فيه مخفيا, كما في لعبة. فهكذا لا تنتقص أهميته, ولا يصار الى تبديله. يمكن طبعا, على نفس الكوكب، التفكير بطرق بديلة، أكثر واقعية، لاثارة الذكور, أو دفعهم الى الجنون, قبل أن يتوصل الناس الى طريقة "الستربتيز" وكومة الثياب هذه. والتيار النسوي يعرف الوسيلة, ولديه الكثير من الأفكار: مثلا اظهار قسم من البطن, بما في ذلك السرة. لأن النساء قررن اخراج هذه المنطقة من منطقة المحذورات. سهل منبسط, عار كما ولدته أمه. وسطح يذكّر بقول الشاعر "أخمص البطن مرمل/ ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما". ومجمل الحديث أن السرة لم تعد عورة, ولا المنطقة المحيطة بها. والطريق الى هناك سالكة, كما يقول المذيعون في راديو الأردن. أما من الخلف فحدّث ولا حرج. اذ أن التجديدات والاختراعات أكثر من ملفتة للانتباه. فالسروال الداخلي, أو كما يقولون عندنا "الكلسون"، يظهرعلى الطالع والنازل, بلا حياء, عند أقل انحناء. فهو صغير, وهو ناعم, وهو حرير, وهو يحتمل الشد أو الحل أوالربط. وحتى أنه يحتمل اللهب. فلا يمكن حرقه بالنار. ولطالما مررنا ببائع ثياب يري سيدة كيف أن لباسها الداخلي لن تؤثر عليه البراكين, وذلك بأن يقرب ولاعة مشتعلة من القماش, مثلما يفعل البائعون المتحمسون مع "جاكيتات" الجلد في أسواق اسطنبول. كما أن الأيدي لا تستطيع تقطيعه. وقد يرتخي, وقد يمتد في كل الاتجاهات. ولكنك لن تجهد نفسك كثيرا، اذا رغبت في رؤيته, في وضح النهار, وبدون اذن من اللواتي يملكنه. أقصد رؤية قسم منه, للتأكد من لونه مثلا, او من نوعه, فهناك عدة أنواع: البكيني, والخيط الرفيع, وسمك القرش, وعطارد, والوردة المنقوشة, وكذا دستة من الاسماء والانواع. وهناك دائما ذلك الخيط الرفيع المكون من المطاط المدروز (لا نعرف كلمة ثانية), يخرج عن اسار البنطلون الذي يغطيه, ناعما, جائرا, مثيرا, عابقا بالذكرى, منتشيا بالعطر, مفعما بالمجد, ناشزا, رافعا رأسه, متحديا النظرات الجامحة للفضوليين – مثلي ومثلك - جاثما فوق ظهر صاحبته الأملس, الأجرد, والأكثر رقة من الحرير, والألطف من ورق التوت, أو وبر الصوف. وليست تلك مجرد أوصاف, أو ل لغويات, بل هي الحقيقة, لا تبعد عن هذا التجلي الجسدي, الذي أصبحت فيه قطع القماش رموزا للثورة أو للاستسلام, وأعلاما وبيارق للمروق أو للنكاية, وابراز الفتن, واظهار الدلال, في عالم لا تفصلنا فيه عن يوم القيامة الا بضعة أشبار, كما يقول العارفون والعالمون. وباختصار هناك أدب طويل عريض حول هذا الغرض الصغير. أدب تستطيع أن تبحث عنه في الكتب أو في "الانترنت". وتذكّر أن لا حياء في الدين، ولا نهاية لما تستطيع النفوس التي صدمتها تفاهة الحياة، أن تأتي به, أو تدور حوله.
هكذا وجد الاستاذ كريم, أستاذ "دورات التقوية في اللغة الانجليزية لمعلمات المدارس الابتدائية, في القسم العربي في وزارة المعارف", والمرشد المنتدب من قبل هذه الوزارة نفسها, في البرنامج المسمّى "مطاح" أو "شطاح" أو "بتاح", وهي كلها أسماء عبرية, أو اختصارات وزارية, تذكّر بأسماء قبائل الجن, أو رؤساء قبائل في آسيا الصغرى وأمريكا الجنوبية. وهي بالتالي لا تعني شيئا كثيرا, ما عدا انها رموز لكلمات جوفاء فارغة, أكثر فراغا وتفاهة من وزارة المعارف نفسها, والقائمين عليها, ينفع فيها قول القائل, أنها أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم, لا أنزل الله بها من سلطان.
ولكن ما العمل, اذا كان الجنس, عند الاستاذ كريم او عبد الكريم, كما هو مسجل في بطاقة هويته, انما يبدأ من هنا, من هذا المكان؟ من القطعة التحتية, التي يطلق عليها الناس في مصر وسوريا اسم "الكلوت". وهي كلمة لا تثير في عبد الكريم جزءا من مائة, مما تثيرة كلمة "كلسون" المجيدة، من الاحساس بالاثارة أو بالحياة والاندفاع, أو حتى بالخطيئة في بعض الأحيان. والمصريون هم غريبو الاطوار حقا, يشهد على ذلك تاريخهم, من بناء الأهرامات لغير ما حاجة نافعة, أو سرقتهم للحجر الأسود من مكة المكرمة في زمن القرامطة, أو تحالفهم مع ملوك اسرائيل في العصر الحديث, وغير ذلك من الافعال والأعمال المستهجنة, فكيف لا يسمون "الكلسون" "كلوتا", ويجردونه من عناصر جماله واثارته؟ والمعروف عن السوريين أنهم يذهبون عادة في أعقاب المصريين, ويقلدونهم, في كل ما "يهببونه" (بلغة أهل مصر), وان كانوا يفارقونهم في النهاية غاضبين. والامثلة على ذلك كثيرة, مثلا ما تردد عن الوحدة العربية وحرب أكتوبر, وغير ذلك.
ولطالما مارس الاستاذ الجنس مع نساء وأبقاهن مرتديات سراويلهن الداخلية, لأطول فترة ممكنة, قبل الوصول الى النهاية, أو الى الذروة, كما يدعوها معلمو المدارس, أو مؤلفو الكتب الرخيصة. وهي قمة الراحة بالنسبة له من ناحية، وقمة المأساة, من ناحية أخرى. خصوصا اذا كان مشوار العودة بعيدا. أو كانت المرأة التي معه من النساء الشبقات اللاتي يتعلقن بالرجل, تعلقا حقيقيا أو تعلقا بالتمثيل. والأفضل أن يكون بالتمثيل, لأن هذا يمكن معالجته بتمثيل مثله. ما عدا أن هناك من النساء من يمثلن دور الحب أفضل من النساء العاشقات بحق وحقيق, وأفضل من "أم الرجال". وهن يرين في مصاحبة الرجل فرصة لتعريف الحب أو تقديمه من جديد, بمسميات أخرى, وبسلوكات وخروقات لم نسمع بها، وعلى غير ما هو متبع. أي نعم لما هو متبع. أو أولئك اللواتي يبدأن نشاطهن الجنسي, في اللحظة التي يكون الرجل قد بلغ وتره منهن, أو قبل ذلك بقليل.
وكم مرة، طلب كريم من المرأة التي معه, وقبل خط الفاصل، نقطة النهاية (الذروة - لعنها الله), أن تقوم وترتدي ثيابها الداخلية مرة ثانية, بحجة أنه يريد أن يبتديء الفعل الجنسي من البداية. وهو طلب كانت معظم النساء يرضخن له عادة, وبكل سرور. بسبب أنه يوافق أهواءهن في المباهاة بهذه القطعة التي اخترنها اختيارا ناجحا قبل المجيء. وبسبب حاجتهن الى تلقي الثناء وسماع الاطراء على حسن الاختيار. فالغانيات يغرّهن الثناء, كما جاء في كلام المغفور له أمير الشعراء. والمرأة تلبس هذا الشيء "خصيصا" للشخص الذي تعاشره, ولذلك كان من حقها عليه, أن تسأله عن رأيه في ما قضت الساعات، تقلّبه وتتأمله من الخلف ومن الامام. ولزاما عليه أن يجيبها ويطيّب خاطرها, وهي أمور قلة من الرجال يستطيعون المناورة بها, أما الاكثرية فهم من الاجلاف, الذين لا يستطيعون اسعاد المرأة أو اعطاءها أبسط حقوقها. وقد لاحظ الاستاذ, عموما, أن الناس - رجالا ونساء - يعانون من قلة الاطراء. والبشر مقلون عادة في مادة الثناء. ولا يتكرمون به, الا في حالات الحاجة القصوى, كنوع من النفاق, أو المبادلة. انهم يرغبون في تلقي الاطراء ولا يرغبون في تقديمه, وكأنما مجرد تقديمه هو اعتراف بأفضلية الطرف الآخر, وتفوقه.
أما الاستاذ عبد الكريم, فقد كان يتلاعب بنسائه. كان يستدرج الواحدة منهن, (وقد كان له منهن, مثلما كان لابن أبي ربيعة، رحمه الله), حتى لو احتاج الأمر الى ساعات, لتقول كلمته المرغوبة والمحببة الى قلبه. وهو فعل يستغرق النساء بعض الوقت حتى التجرؤ والتلفظ به أمام رجل غريب. فاذا قالت ذلك,حتى التلفون, فان الطريق الى جسمها, والى أقدس الاماكن عندها, يصبح سهلا وميسرا. وأسلوبه في ذلك, أو ما يسمّيه تكتيكه جد بسيط, وهو لم يصرح به الا للقليل من الأصدقاء. ففي البداية يبدأ الحديث عن الملابس الداخلية. ثم ينفرج الى أسماء هذه الاشياء في اللغات الاخرى. وهي كلها أمور علمية أو لغوية صرف, لا ينبغي الممانعة أو التردد في تعلمها, كما ترون. ثم يجري الانتقال الى "الكلوت", ولكن على مهل وببطء السلحفاة. وعندما تنشب الغرائز أظافرها بالمتحدثين, تصير الحاجة عارمة الى الاستزادة في الحديث, وادخال الكلمة في لغة أهل فلسطين.
ولكن بعض الرجال ليس لديه قوة الصبر التي لدى الاستاذ. وليس لديه القدرة على المناوروة المتعبة التي تستمر أياما أو حتى شهورا، من أجل سماع كلمة واحدة. ثم ليس معظم الرجال في مثل ذكاء عبد الكريم, أو يعرفون طريقته. وهو يخمن الآن لماذا يقوم بعض الشواذ, بخطف النساء, وقتلهن قبل أو بعد الاغتصاب, كما تنشر وسائل الاعلام. حيث يظهرن موثقات بالسلاسل والأغلال, ومعذبات حتى الموت، عاريات كما ولدن, يثرن حتى شفقة الكافر. انه يعرف الجواب: فالأطفال أيضا يسعون الى تخريب الأغراض التي لا يستطيعون الوصول اليها. والمسيح نفسه دعا على التينة بالموت, لأنها لم تعطه الثمار. فهل يفعلون ذلك انتقاما، أو يفعلونه مللا، أو حبا في الامتلاك؟ . والانكى من ذلك, أن بعضهم يقتلون, حتى بعد أن يقضوا حاجتهم. وآخرون يجدون من الاسهل أن يمارسوا الجنس مع امرأة ترتعد خوفا, وتقدّم ما لديها بانكسار, تتقدم بأمر وتتأخر بأمر. تخلع ملابسها بأمر. تحيا وتعيش بأمر. وهناك من يفضل التعامل مع جثة هامدة, واقتناص لحظات من المتعة مع امرأة غادرها هذا التعالي الأنثوي, وزايلها التعجرف الذي يملكه أصحاب السلطة ورؤوس الاموال. ان القاتل هنا يحوّل الحبيب المرغوب, والعدو المتعجرف, الى حبيب عاجز عن المقاومة, صامت، ومستسلم, وقد غادرته وقاحته, وتخلى عنه جبروته وتمنّعه. وهذا هو المعنى الأصيل للسرقة: تأخذ كل شيء بدون حساب.
هو أيضا – مثل أي رجل - فكّر بالسرقة والانتقام. أن يقتل ويغتصب, ويسير في هذا الطريق القصير ولو أمتار. ما عدا أنه لا يستطع أن يقتل بعوضة, كما يقولون. وكم راقب نفسه وهو يخرج فراشة معذبة, أوحتى نحلة سقطت في كأس من الماء. فلماذا تسقط النحلة في الماء؟ ولماذا تقدم المرأة نفسها على أنها هذا الموضوع القابل للامتلاك؟ فتغريهم بامتلاكها؟ والأملاك عرضة دائما للهلاك.
يحاول البعض الوصول الى عمق المرأة, كما لو أنها طفل يرغبون في تقبيله، أو متمرد يرغبون في السيطرة عليه، قمعه أو امتلاكه والوصول الى قلبه. فاما لا يصلون, ويصابون بالاحباط, واما يصلون وةيصابون بالاحباط أيضا, بعد أن تخطوا جميع حواجز المرأة، النفسية والجسمية. انظروا الى اولئك الرجال المتزوجين المستعدين للتخلي عن زوجاتهم في أقرب هزة أرضية تصيب البلاد. انهم محبطون. اكتشفوا ان لا عمق هناك. وان كل ما يوجد قطع من القماش الذي حشر تحته لحم محزز, ظهرت فوقه بقع أو دمامل صغيرة برؤوس مدببة. نهاية قصة حزينة, سوف تعود على نفسها مرات ومرات. فاذا انكشف كل ذلك, وانقضى الفعل الجنسى, افضى الشوق الى فراغ. ولكنه يعود. في أول فرصة يعود. وعند الالتقاء بامرأة جديدة يعود. حتى اذا عاد, أخذ "المجنون" يبكي من جديد, ويندب حظه التعيس. يقدس, ويعبد, ويحلم, ويفكر بسر الاسرار الكامن وراء القماش المزخرف. يسحره النيلون, والمخمل المطرز بالورد، والمصنوع بأشكال عديدة.
أما الاستاذ, فكان يكفيه من المرأة, أن تقول, أو تكتب, أو تقرأ, كلمة "كلسون". وقد ظل يبحث عن طريقة أصيلة يجعل فيها فتياته يقلن هذه الكلمة, حتى دون أن يقصدن قولها. ولا يعني ذلك أن الاستاذ كريم, جلس وخطط, بل هو سراب من الافكار, يأتي ويروح, يغيب بعضه, وبعضه يعود.
فمثلا يمكن التفكير بدرس، في اللغة الانجليزية – شفاهية وكتابة - يبدأ بدخول البنات الى محلات الثياب. ما الذي سيفعلنه هناك؟ هل خططن سابقا لما ينبغي شراؤه؟ ما الذي ينقصهن أصلا؟ هل وضعن قائمة بالأشياء؟ ما المقابل لكلمة "قائمة"؟ انها list ولكن كيف تكتب؟ كلمة أخرى يستعملونها لقائمة الطعام, أنها كلمة menu ، كيف تكتب؟ وهناك طبعا كلمات أخرى. ثم هل فكرن بما يمكن أن تكلفهن المشتريات؟ من اجل ان يقارنّ ما اشترينه في النهاية, مع ما فكرن في شرائه في الاساس؟ كلها أسئلة مشروعة وبريئة في الظاهر, ولكنها سوف تفضي آجلا أو عاجلا الى الملابس الداخلية, الى "الكلوتات" وأنواعها وأشكالها, وألوانها وأسعارها. وسوف يأتي الاستاذ بقائمة من الملابس بأسمائها الانجليزية الغريبة, من البنطلون " trousers" الى القميص shirt” "، ومن هنا ستكون الطريق مفتوحة الى ال- "knickers "، فهل من كلمة أخرى؟ ولكن ماهو "النيكرس"؟ سوف يتهامس البنات. وسوف يسمع أحداهن تقول بصوت خفيض" كلسون". ولكن الاستاذ احتشاما واتزانا، سيقول "غيار داخلي" وعلى استحياء. يا للرجال! ثم هناك كلمات أخرى. وستتطوع طالبة أخرى وتقول بصوت جهوري يثقب الآذان: هناك "نيكرس" للرجال و"نيكرس" للنساء، مثل هؤلاء الطالبات يجعلن حياة الاستاذ سهلة، ثم انهن يبعدن الشبهة عنه أميالا وأميال. ففي النهاية هن من يسألن، وعليه الجواب. وها هو يفعل ذلك، دون أن يخدش الحياء العام. طبعا هناك الأندر بانتس" أيضا. ولسبب ما تقع هذه الاسماء في دائرة الجمع. وهناك "البانتس" "البانتاليتس"، وعلى الطالبات أن يميزن الفروق الصغيرة بين كل نوع ونوع. وتدل الكلمات الكثيرة لهذا الشيء باللغة الانجليزية، والتمييز الحاصل بين ما كان للذكور والاناث، على اعتزاز القوم لهذه الأشياء وتنوّع استعمالاتها عندهم. تماما كما كان للناقة – عند العرب عشرات الاسماء. وهذه ملاحظة لغوية تدل على سعة اطلاع الاستاذ في مقارنة اللغات. ودفعا لكل شبهة، يستعين الاستاذ بقائمة مطبوعة لهذه الاغراض، مصوّرة ومأخوذة من كتاب. والانجليز "جاي جاي" لا يستحون من هذه الكلمات, ولا يأخذون مدلولاتها الجنسية بحساسية زائدة، كما يفعل الاعراب. ولا بأس أن يرى صاحبنا الخدود الوردية وهي تحمر, والعيون المخططة بالكحل، تنثني على استحياء. وانك لن تعدم من ترفع اصبعا مترددا, وتقول "تحتونيم" في اللغة العبرية، مستفيدة من كون هذه الكلمة بصيغة الجمع أيضا. وهو ما سيكون فتحا جديدا ومباركا في مشاركة الطالبات. ولطالما استعمل الناس عندنا كلمات من لغات أخرى للتعبير، بدل الكلمات المحلية, التي تحمل شحنة بالغة الحدة، من جهة العاطفة أو التراث.
ويمكن طبعا اتباع طريقة أخرى, وهي أن يجعلهن يكتبن موضوع انشاء عن الملابس بشكل عام, أنواعها وأقسامها واستعمالاتها وما هناك. وعندها لن تكون هناك تحرجات كبيرة للبنات, كالتي تحصل عند نطق الكلام في حضرة الآخرين. ومن الاسهل للفتاة كتابة الكلمة أمامها فوق ورقة بيضاء, من أن تلفظها أمام رجل, هو في نهاية الامر شخص غريب. وقد نجح الاستاذ في هذه الخطة أيما نجاح. وقضى ساعات وساعات, يتأمل خط البنات النقي المكتوب بالحبرالأحمر الموضوع تحته خط, أو بالرصاص الزاهي يلمع بمعنى الكلمات, غارقا في لحظات من النشوة الدافقة والاغتلام, حتى ليكاد يخرج عن أطواره. وفي لحظة صفاء منقطعة النظير, تبادلت الكلمات معانيها, واتخذت لها صورا، وتنافست "الكلاسين" و"حمالات الصدر" و"التي – شيرت", و"جوارب الحرير والصوف", و"الهيلاهوب" أماكنها وألوانها, أشكالها وأحجامها.
والحديث عن البغاء، في درس للغة الانجليزية مأخوذ من جريدة أو صحيفة، هو حديث ذو شجون. وطرق هذا الموضوع لم يعد مقصورا على الصحف والمجلات، ولكن تعداها الى المدارس والجامعات. فأنت أمام ظاهرة اجتماعية ينبغي النظر فيها ودراستها، لكي يكون للبنات شيء من الثقافة الجنسية. فالبنت مثل الولد، ينبغي أن تعرف، لكي لا يصار الى الضحك عليها، أو خداعها، أو بلبلتها، ودرهم وقاية خير من الف قنطار علاج. وعن البغايا يمكن سؤال البنات، وسماع أجوبتهن حول أغراضهن وأدواتهن التي يستعملنها ثم ملابسهن, وهنا يمكن لمخيلة الاستاذ كريم أن تطفح بكم هائل من الاشياء، ومن تداعياتها. تجري في ذهنه التداعيات كما يجري في فمه اللعاب. فكل هذا جائز وغير بعيد المنال. وملابس العاهرات ينبغي أن تكون قصيرة ومغرية, وينبغي أن تكشف ما لا تكشفة ثياب النساء الاخريات. والاهم من كل ذلك أن يكون لدى الواحدة منهم مجموعة من "الغيارات". فهذا من الاهمية بمكان.
ويمكن طبعا الدخول هنا في الانشاء. ولا حاجة الى الاقتباس، فالمخيلة غنية، واللسان غير عاجز عن الكلام. ويتبع اللسان القلم السيّال. ووصف العاهرة من الخارج، ليس بالامر الذي ترفضه معاهد ترفع شعار "اسأل ما تريد، فنحن جاهزون في الجواب". لكن والحق يقال، أن الاستاذ كريم يتحفظ دائما, من الجنس الذي تقدمه بائعات الهوى. وان كان لا يرفضه، لو قدم له على طبق من قصدير، وبدون "شوشرات". والسبب انه يزهد بالمرأة التي تجعله ينظر أشياءها مباشرة وبدون مقدمات. وهو عدو لدود لجميع المظاهر التي تبرز مجانية المرأة من قريب أو بعيد. بل ولديه اقتراح لأولئك الذين يقدمون المشاهد الاباحية كأفلام. فهذه الافلام اباحية أكثر من المطلوب. والمشاهدون بحاجة الى جزء مستور يرنون اليه، ويتأملون كشفه بالتدريج. فاذا وجبت رؤيته، فيينبغي التمهل في الرؤية, وعدم الاسراع. وما يحدث في الافلام هو غير ما يحدث في الخارج. وينبغي اذن اعطاء المغازلة والممانعة وحتى المماطلة - في هذه الافلام - القسط اليسير من الاهتمام.
أما الاخبار السارة كما يقول الأجانب, فهي هذه التظاهرة العارمة من الاختلاط بين النساء والرجال. ولشدّ ما فكرالاستاذ كريم بهذه النعمة - الناقصة- التي تجعله مرشدا للعدد كبير من النساء. وانها لناقصة, ما دامت تنطوي على هذا التناقض المضحك, بين القرب الجسدي الحاصل - بينه وبينهن - والبعد القائم على عدم الاتصال. وما فائدة الجمال نحدق به، ولا نستطيع أن نمدّ يدنا اليه؟ وما فائدة الشم، اذا لم يفض الى اللمس؟ بل حتى أن هذا التقارب نفسه يؤدي الى ظواهر في غاية السلبية. ومرة أخرى تخطر على البال صور الرجال الذين يندفعون اندفاعات جنونية في محاولة الالتصاق بالمرأة, ومحاولة اغتصابها. وللاستاذ كريم نظرية في الاغتصاب تقول انه مرحلة تقع في رأس سلم مراحل، لا تختلف عن الاغتصاب الا بالدرجة فقط، وليس بالجوهر. مثلا الالتصاق بالمرأة في مكان عام، هو نوع من الاغتصاب البدائي. وفي الحافلات عندما كان طالبا في الجامعة, كان يتعمد أن يقف قريبا من الفتيات ويلتصق بهن, من الخلف، ومن الأمام, مستغلا زحام الناس. ثم اكتشف ان هذا التمرين الصباحي يقوم به معظمم ذكور الجامعة، الذين يأتون الى الصرح العلمي، عن طريق الحافلات. ولذلك كفّ عن هذه العادة، على أمل أن يجد امرأة حقيقية يستطيع أن يقف وراءها بمحض ارادتها، ثم يلتصق بها، ليس قبل أن يرفع تنورتها في الهواء, ويرى عريها مغطى بقطعة قماش.
هكذا وجد الاستاذ كريم, أستاذ "دورات التقوية في اللغة الانجليزية لمعلمات المدارس الابتدائية, في القسم العربي في وزارة المعارف", والمرشد المنتدب من قبل هذه الوزارة نفسها, في البرنامج المسمّى "مطاح" أو "شطاح" أو "بتاح", وهي كلها أسماء عبرية, أو اختصارات وزارية, تذكّر بأسماء قبائل الجن, أو رؤساء قبائل في آسيا الصغرى وأمريكا الجنوبية. وهي بالتالي لا تعني شيئا كثيرا, ما عدا انها رموز لكلمات جوفاء فارغة, أكثر فراغا وتفاهة من وزارة المعارف نفسها, والقائمين عليها, ينفع فيها قول القائل, أنها أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم, لا أنزل الله بها من سلطان.
ولكن ما العمل, اذا كان الجنس, عند الاستاذ كريم او عبد الكريم, كما هو مسجل في بطاقة هويته, انما يبدأ من هنا, من هذا المكان؟ من القطعة التحتية, التي يطلق عليها الناس في مصر وسوريا اسم "الكلوت". وهي كلمة لا تثير في عبد الكريم جزءا من مائة, مما تثيرة كلمة "كلسون" المجيدة، من الاحساس بالاثارة أو بالحياة والاندفاع, أو حتى بالخطيئة في بعض الأحيان. والمصريون هم غريبو الاطوار حقا, يشهد على ذلك تاريخهم, من بناء الأهرامات لغير ما حاجة نافعة, أو سرقتهم للحجر الأسود من مكة المكرمة في زمن القرامطة, أو تحالفهم مع ملوك اسرائيل في العصر الحديث, وغير ذلك من الافعال والأعمال المستهجنة, فكيف لا يسمون "الكلسون" "كلوتا", ويجردونه من عناصر جماله واثارته؟ والمعروف عن السوريين أنهم يذهبون عادة في أعقاب المصريين, ويقلدونهم, في كل ما "يهببونه" (بلغة أهل مصر), وان كانوا يفارقونهم في النهاية غاضبين. والامثلة على ذلك كثيرة, مثلا ما تردد عن الوحدة العربية وحرب أكتوبر, وغير ذلك.
ولطالما مارس الاستاذ الجنس مع نساء وأبقاهن مرتديات سراويلهن الداخلية, لأطول فترة ممكنة, قبل الوصول الى النهاية, أو الى الذروة, كما يدعوها معلمو المدارس, أو مؤلفو الكتب الرخيصة. وهي قمة الراحة بالنسبة له من ناحية، وقمة المأساة, من ناحية أخرى. خصوصا اذا كان مشوار العودة بعيدا. أو كانت المرأة التي معه من النساء الشبقات اللاتي يتعلقن بالرجل, تعلقا حقيقيا أو تعلقا بالتمثيل. والأفضل أن يكون بالتمثيل, لأن هذا يمكن معالجته بتمثيل مثله. ما عدا أن هناك من النساء من يمثلن دور الحب أفضل من النساء العاشقات بحق وحقيق, وأفضل من "أم الرجال". وهن يرين في مصاحبة الرجل فرصة لتعريف الحب أو تقديمه من جديد, بمسميات أخرى, وبسلوكات وخروقات لم نسمع بها، وعلى غير ما هو متبع. أي نعم لما هو متبع. أو أولئك اللواتي يبدأن نشاطهن الجنسي, في اللحظة التي يكون الرجل قد بلغ وتره منهن, أو قبل ذلك بقليل.
وكم مرة، طلب كريم من المرأة التي معه, وقبل خط الفاصل، نقطة النهاية (الذروة - لعنها الله), أن تقوم وترتدي ثيابها الداخلية مرة ثانية, بحجة أنه يريد أن يبتديء الفعل الجنسي من البداية. وهو طلب كانت معظم النساء يرضخن له عادة, وبكل سرور. بسبب أنه يوافق أهواءهن في المباهاة بهذه القطعة التي اخترنها اختيارا ناجحا قبل المجيء. وبسبب حاجتهن الى تلقي الثناء وسماع الاطراء على حسن الاختيار. فالغانيات يغرّهن الثناء, كما جاء في كلام المغفور له أمير الشعراء. والمرأة تلبس هذا الشيء "خصيصا" للشخص الذي تعاشره, ولذلك كان من حقها عليه, أن تسأله عن رأيه في ما قضت الساعات، تقلّبه وتتأمله من الخلف ومن الامام. ولزاما عليه أن يجيبها ويطيّب خاطرها, وهي أمور قلة من الرجال يستطيعون المناورة بها, أما الاكثرية فهم من الاجلاف, الذين لا يستطيعون اسعاد المرأة أو اعطاءها أبسط حقوقها. وقد لاحظ الاستاذ, عموما, أن الناس - رجالا ونساء - يعانون من قلة الاطراء. والبشر مقلون عادة في مادة الثناء. ولا يتكرمون به, الا في حالات الحاجة القصوى, كنوع من النفاق, أو المبادلة. انهم يرغبون في تلقي الاطراء ولا يرغبون في تقديمه, وكأنما مجرد تقديمه هو اعتراف بأفضلية الطرف الآخر, وتفوقه.
أما الاستاذ عبد الكريم, فقد كان يتلاعب بنسائه. كان يستدرج الواحدة منهن, (وقد كان له منهن, مثلما كان لابن أبي ربيعة، رحمه الله), حتى لو احتاج الأمر الى ساعات, لتقول كلمته المرغوبة والمحببة الى قلبه. وهو فعل يستغرق النساء بعض الوقت حتى التجرؤ والتلفظ به أمام رجل غريب. فاذا قالت ذلك,حتى التلفون, فان الطريق الى جسمها, والى أقدس الاماكن عندها, يصبح سهلا وميسرا. وأسلوبه في ذلك, أو ما يسمّيه تكتيكه جد بسيط, وهو لم يصرح به الا للقليل من الأصدقاء. ففي البداية يبدأ الحديث عن الملابس الداخلية. ثم ينفرج الى أسماء هذه الاشياء في اللغات الاخرى. وهي كلها أمور علمية أو لغوية صرف, لا ينبغي الممانعة أو التردد في تعلمها, كما ترون. ثم يجري الانتقال الى "الكلوت", ولكن على مهل وببطء السلحفاة. وعندما تنشب الغرائز أظافرها بالمتحدثين, تصير الحاجة عارمة الى الاستزادة في الحديث, وادخال الكلمة في لغة أهل فلسطين.
ولكن بعض الرجال ليس لديه قوة الصبر التي لدى الاستاذ. وليس لديه القدرة على المناوروة المتعبة التي تستمر أياما أو حتى شهورا، من أجل سماع كلمة واحدة. ثم ليس معظم الرجال في مثل ذكاء عبد الكريم, أو يعرفون طريقته. وهو يخمن الآن لماذا يقوم بعض الشواذ, بخطف النساء, وقتلهن قبل أو بعد الاغتصاب, كما تنشر وسائل الاعلام. حيث يظهرن موثقات بالسلاسل والأغلال, ومعذبات حتى الموت، عاريات كما ولدن, يثرن حتى شفقة الكافر. انه يعرف الجواب: فالأطفال أيضا يسعون الى تخريب الأغراض التي لا يستطيعون الوصول اليها. والمسيح نفسه دعا على التينة بالموت, لأنها لم تعطه الثمار. فهل يفعلون ذلك انتقاما، أو يفعلونه مللا، أو حبا في الامتلاك؟ . والانكى من ذلك, أن بعضهم يقتلون, حتى بعد أن يقضوا حاجتهم. وآخرون يجدون من الاسهل أن يمارسوا الجنس مع امرأة ترتعد خوفا, وتقدّم ما لديها بانكسار, تتقدم بأمر وتتأخر بأمر. تخلع ملابسها بأمر. تحيا وتعيش بأمر. وهناك من يفضل التعامل مع جثة هامدة, واقتناص لحظات من المتعة مع امرأة غادرها هذا التعالي الأنثوي, وزايلها التعجرف الذي يملكه أصحاب السلطة ورؤوس الاموال. ان القاتل هنا يحوّل الحبيب المرغوب, والعدو المتعجرف, الى حبيب عاجز عن المقاومة, صامت، ومستسلم, وقد غادرته وقاحته, وتخلى عنه جبروته وتمنّعه. وهذا هو المعنى الأصيل للسرقة: تأخذ كل شيء بدون حساب.
هو أيضا – مثل أي رجل - فكّر بالسرقة والانتقام. أن يقتل ويغتصب, ويسير في هذا الطريق القصير ولو أمتار. ما عدا أنه لا يستطع أن يقتل بعوضة, كما يقولون. وكم راقب نفسه وهو يخرج فراشة معذبة, أوحتى نحلة سقطت في كأس من الماء. فلماذا تسقط النحلة في الماء؟ ولماذا تقدم المرأة نفسها على أنها هذا الموضوع القابل للامتلاك؟ فتغريهم بامتلاكها؟ والأملاك عرضة دائما للهلاك.
يحاول البعض الوصول الى عمق المرأة, كما لو أنها طفل يرغبون في تقبيله، أو متمرد يرغبون في السيطرة عليه، قمعه أو امتلاكه والوصول الى قلبه. فاما لا يصلون, ويصابون بالاحباط, واما يصلون وةيصابون بالاحباط أيضا, بعد أن تخطوا جميع حواجز المرأة، النفسية والجسمية. انظروا الى اولئك الرجال المتزوجين المستعدين للتخلي عن زوجاتهم في أقرب هزة أرضية تصيب البلاد. انهم محبطون. اكتشفوا ان لا عمق هناك. وان كل ما يوجد قطع من القماش الذي حشر تحته لحم محزز, ظهرت فوقه بقع أو دمامل صغيرة برؤوس مدببة. نهاية قصة حزينة, سوف تعود على نفسها مرات ومرات. فاذا انكشف كل ذلك, وانقضى الفعل الجنسى, افضى الشوق الى فراغ. ولكنه يعود. في أول فرصة يعود. وعند الالتقاء بامرأة جديدة يعود. حتى اذا عاد, أخذ "المجنون" يبكي من جديد, ويندب حظه التعيس. يقدس, ويعبد, ويحلم, ويفكر بسر الاسرار الكامن وراء القماش المزخرف. يسحره النيلون, والمخمل المطرز بالورد، والمصنوع بأشكال عديدة.
أما الاستاذ, فكان يكفيه من المرأة, أن تقول, أو تكتب, أو تقرأ, كلمة "كلسون". وقد ظل يبحث عن طريقة أصيلة يجعل فيها فتياته يقلن هذه الكلمة, حتى دون أن يقصدن قولها. ولا يعني ذلك أن الاستاذ كريم, جلس وخطط, بل هو سراب من الافكار, يأتي ويروح, يغيب بعضه, وبعضه يعود.
فمثلا يمكن التفكير بدرس، في اللغة الانجليزية – شفاهية وكتابة - يبدأ بدخول البنات الى محلات الثياب. ما الذي سيفعلنه هناك؟ هل خططن سابقا لما ينبغي شراؤه؟ ما الذي ينقصهن أصلا؟ هل وضعن قائمة بالأشياء؟ ما المقابل لكلمة "قائمة"؟ انها list ولكن كيف تكتب؟ كلمة أخرى يستعملونها لقائمة الطعام, أنها كلمة menu ، كيف تكتب؟ وهناك طبعا كلمات أخرى. ثم هل فكرن بما يمكن أن تكلفهن المشتريات؟ من اجل ان يقارنّ ما اشترينه في النهاية, مع ما فكرن في شرائه في الاساس؟ كلها أسئلة مشروعة وبريئة في الظاهر, ولكنها سوف تفضي آجلا أو عاجلا الى الملابس الداخلية, الى "الكلوتات" وأنواعها وأشكالها, وألوانها وأسعارها. وسوف يأتي الاستاذ بقائمة من الملابس بأسمائها الانجليزية الغريبة, من البنطلون " trousers" الى القميص shirt” "، ومن هنا ستكون الطريق مفتوحة الى ال- "knickers "، فهل من كلمة أخرى؟ ولكن ماهو "النيكرس"؟ سوف يتهامس البنات. وسوف يسمع أحداهن تقول بصوت خفيض" كلسون". ولكن الاستاذ احتشاما واتزانا، سيقول "غيار داخلي" وعلى استحياء. يا للرجال! ثم هناك كلمات أخرى. وستتطوع طالبة أخرى وتقول بصوت جهوري يثقب الآذان: هناك "نيكرس" للرجال و"نيكرس" للنساء، مثل هؤلاء الطالبات يجعلن حياة الاستاذ سهلة، ثم انهن يبعدن الشبهة عنه أميالا وأميال. ففي النهاية هن من يسألن، وعليه الجواب. وها هو يفعل ذلك، دون أن يخدش الحياء العام. طبعا هناك الأندر بانتس" أيضا. ولسبب ما تقع هذه الاسماء في دائرة الجمع. وهناك "البانتس" "البانتاليتس"، وعلى الطالبات أن يميزن الفروق الصغيرة بين كل نوع ونوع. وتدل الكلمات الكثيرة لهذا الشيء باللغة الانجليزية، والتمييز الحاصل بين ما كان للذكور والاناث، على اعتزاز القوم لهذه الأشياء وتنوّع استعمالاتها عندهم. تماما كما كان للناقة – عند العرب عشرات الاسماء. وهذه ملاحظة لغوية تدل على سعة اطلاع الاستاذ في مقارنة اللغات. ودفعا لكل شبهة، يستعين الاستاذ بقائمة مطبوعة لهذه الاغراض، مصوّرة ومأخوذة من كتاب. والانجليز "جاي جاي" لا يستحون من هذه الكلمات, ولا يأخذون مدلولاتها الجنسية بحساسية زائدة، كما يفعل الاعراب. ولا بأس أن يرى صاحبنا الخدود الوردية وهي تحمر, والعيون المخططة بالكحل، تنثني على استحياء. وانك لن تعدم من ترفع اصبعا مترددا, وتقول "تحتونيم" في اللغة العبرية، مستفيدة من كون هذه الكلمة بصيغة الجمع أيضا. وهو ما سيكون فتحا جديدا ومباركا في مشاركة الطالبات. ولطالما استعمل الناس عندنا كلمات من لغات أخرى للتعبير، بدل الكلمات المحلية, التي تحمل شحنة بالغة الحدة، من جهة العاطفة أو التراث.
ويمكن طبعا اتباع طريقة أخرى, وهي أن يجعلهن يكتبن موضوع انشاء عن الملابس بشكل عام, أنواعها وأقسامها واستعمالاتها وما هناك. وعندها لن تكون هناك تحرجات كبيرة للبنات, كالتي تحصل عند نطق الكلام في حضرة الآخرين. ومن الاسهل للفتاة كتابة الكلمة أمامها فوق ورقة بيضاء, من أن تلفظها أمام رجل, هو في نهاية الامر شخص غريب. وقد نجح الاستاذ في هذه الخطة أيما نجاح. وقضى ساعات وساعات, يتأمل خط البنات النقي المكتوب بالحبرالأحمر الموضوع تحته خط, أو بالرصاص الزاهي يلمع بمعنى الكلمات, غارقا في لحظات من النشوة الدافقة والاغتلام, حتى ليكاد يخرج عن أطواره. وفي لحظة صفاء منقطعة النظير, تبادلت الكلمات معانيها, واتخذت لها صورا، وتنافست "الكلاسين" و"حمالات الصدر" و"التي – شيرت", و"جوارب الحرير والصوف", و"الهيلاهوب" أماكنها وألوانها, أشكالها وأحجامها.
والحديث عن البغاء، في درس للغة الانجليزية مأخوذ من جريدة أو صحيفة، هو حديث ذو شجون. وطرق هذا الموضوع لم يعد مقصورا على الصحف والمجلات، ولكن تعداها الى المدارس والجامعات. فأنت أمام ظاهرة اجتماعية ينبغي النظر فيها ودراستها، لكي يكون للبنات شيء من الثقافة الجنسية. فالبنت مثل الولد، ينبغي أن تعرف، لكي لا يصار الى الضحك عليها، أو خداعها، أو بلبلتها، ودرهم وقاية خير من الف قنطار علاج. وعن البغايا يمكن سؤال البنات، وسماع أجوبتهن حول أغراضهن وأدواتهن التي يستعملنها ثم ملابسهن, وهنا يمكن لمخيلة الاستاذ كريم أن تطفح بكم هائل من الاشياء، ومن تداعياتها. تجري في ذهنه التداعيات كما يجري في فمه اللعاب. فكل هذا جائز وغير بعيد المنال. وملابس العاهرات ينبغي أن تكون قصيرة ومغرية, وينبغي أن تكشف ما لا تكشفة ثياب النساء الاخريات. والاهم من كل ذلك أن يكون لدى الواحدة منهم مجموعة من "الغيارات". فهذا من الاهمية بمكان.
ويمكن طبعا الدخول هنا في الانشاء. ولا حاجة الى الاقتباس، فالمخيلة غنية، واللسان غير عاجز عن الكلام. ويتبع اللسان القلم السيّال. ووصف العاهرة من الخارج، ليس بالامر الذي ترفضه معاهد ترفع شعار "اسأل ما تريد، فنحن جاهزون في الجواب". لكن والحق يقال، أن الاستاذ كريم يتحفظ دائما, من الجنس الذي تقدمه بائعات الهوى. وان كان لا يرفضه، لو قدم له على طبق من قصدير، وبدون "شوشرات". والسبب انه يزهد بالمرأة التي تجعله ينظر أشياءها مباشرة وبدون مقدمات. وهو عدو لدود لجميع المظاهر التي تبرز مجانية المرأة من قريب أو بعيد. بل ولديه اقتراح لأولئك الذين يقدمون المشاهد الاباحية كأفلام. فهذه الافلام اباحية أكثر من المطلوب. والمشاهدون بحاجة الى جزء مستور يرنون اليه، ويتأملون كشفه بالتدريج. فاذا وجبت رؤيته، فيينبغي التمهل في الرؤية, وعدم الاسراع. وما يحدث في الافلام هو غير ما يحدث في الخارج. وينبغي اذن اعطاء المغازلة والممانعة وحتى المماطلة - في هذه الافلام - القسط اليسير من الاهتمام.
أما الاخبار السارة كما يقول الأجانب, فهي هذه التظاهرة العارمة من الاختلاط بين النساء والرجال. ولشدّ ما فكرالاستاذ كريم بهذه النعمة - الناقصة- التي تجعله مرشدا للعدد كبير من النساء. وانها لناقصة, ما دامت تنطوي على هذا التناقض المضحك, بين القرب الجسدي الحاصل - بينه وبينهن - والبعد القائم على عدم الاتصال. وما فائدة الجمال نحدق به، ولا نستطيع أن نمدّ يدنا اليه؟ وما فائدة الشم، اذا لم يفض الى اللمس؟ بل حتى أن هذا التقارب نفسه يؤدي الى ظواهر في غاية السلبية. ومرة أخرى تخطر على البال صور الرجال الذين يندفعون اندفاعات جنونية في محاولة الالتصاق بالمرأة, ومحاولة اغتصابها. وللاستاذ كريم نظرية في الاغتصاب تقول انه مرحلة تقع في رأس سلم مراحل، لا تختلف عن الاغتصاب الا بالدرجة فقط، وليس بالجوهر. مثلا الالتصاق بالمرأة في مكان عام، هو نوع من الاغتصاب البدائي. وفي الحافلات عندما كان طالبا في الجامعة, كان يتعمد أن يقف قريبا من الفتيات ويلتصق بهن, من الخلف، ومن الأمام, مستغلا زحام الناس. ثم اكتشف ان هذا التمرين الصباحي يقوم به معظمم ذكور الجامعة، الذين يأتون الى الصرح العلمي، عن طريق الحافلات. ولذلك كفّ عن هذه العادة، على أمل أن يجد امرأة حقيقية يستطيع أن يقف وراءها بمحض ارادتها، ثم يلتصق بها، ليس قبل أن يرفع تنورتها في الهواء, ويرى عريها مغطى بقطعة قماش.