شاكر مجيد سيفو - القداس الأخير من الحرب(1)

وحينما قلادتك فوق الأريكة تثرثر ذكرياتها
كان عطرها يذكرني بغابة اللحم الوردي،
من بهائه أحصيت وقفاً للهواء والضوء
والأشغال الشاقة في ساحة التدريب
أهجس العالمين في أعجوبة تتساقط من حديقتها
أقمار غريبة
تحمل النوارس أحلامك بعيداً عن سريري الأزرق
احتفظ بقدمي في الإستعداد وأفكر بحذائي الثقيل..
أفكر في عتمة القبر
اسمع أنين الحكمة الأولى
كان بوذا بعينه يكتب على الهواء برقياته
ويحارب بالمعنى،
إنني أمقت الطعام بعد منتصف الليل
تتجمع الخفافيش فوق مائدتي،
أسدل الشمس على فتحة القبر
وأقبض على الأمكنة أو على الملائكة
أطوي صدى التذكارات
وقبل أن أذهب إلى الحلم
أشهد تثاؤب الزبيب في صدرك
وشهقات ثدييك
أتذكر شهيق شقائق النعمان
تفتح ألف نهار لي في “ساحة النصر”(2)
في الصباح استيقظت الأحلام
مغلقة بالسهر والشهوات
وكانت تنجب غيمة لزجة،،،
هنالك انتظرت طويلا أن تنجب
القارات لي
أجنحة وقلوباً وموسيقى
وأقود حشود الأصفار إلى
لوغاريتماتها
وألوح بأعلامي المزركشة
لقافلة الحلوى التي تعثرت بقافلة البالونات والسخام
من أفران السماء،
الحرب فوهة كبيرة في جثتي
الحرب تثرثر ذكرياتهافي صالة
العمليات الكبرى
في مستشفى بعقوبة العسكري
صورتي في ألبوم المستشفى تهذي
وأرى فيها أصدقائي
يلوحون بأسرتهم البيضاء
وأكنس كل نقاط التفتيش،…
سأصل إليهم،
…..
رأيت قلبي يقفز من شرفة الممرضات
من الردهة الجراحية السابعة
ويقف فوق صدر ممرضة في العشرين،
تسأله عن سكائري وهاتفي النقال،
أرى حشداً من المصاطب وأتذكر فضته
صافرة الإنذار تستعيد حنجرة الحرب
حياتي في المرصد مهددة بالتقشير
ربما سيسعلها الصاروخ في لحظة ذكية…
الممرضة تفتح لي البوم الاصدقاء الجرحى
تكومت صورهم أمام بوابة التاريخ،
زجاج موحش تلمع فيه عيون
الجغرافية الحزينة
ومجد مازال يقرأ نبضه لضحاياي،
كلما مرت الطائرات
كأن ضحاياي يسرعون للدخول الى مدافنهم
أولئك من مواليد حديقة الأمة،
لا يكتفي الراصد في المرصد بأطلس واحد
وحبيبته أطلس شرقي في عينيه إلى الأبد
تلمع من شدة القصف ورغمه،
ويطير الحمام فوق السطوح..
مازال النهار في “مطحنة باكوس” يتلوى من شدة القصف
والحرب تلهو وتتسلى بأجساد
الملائكة الصغار..
تستعرض أشغالنا الشاقة
وترقن قلوبنا ـ دائما ـ إلى نبض المولدة الكهربائية
السورياليون يتزعمون مائدة انقلاب الشعرية
ذبذبات أحلامهم ثريات تلمع،
ولا بدّ أن أحيّي أندريه بريتون وبودلير
وأمضي مع فصل للجحيم
كي يسعد رامبو…
ثرثرة للضوء تطفر من فم ثريا
استبدل بها أحلامي
وأحمل الفانوس في نهار العائلة
وأمضي إلى “الشورجة”(3)..
اشتري وطناً
بغربال طحين “نمرة صفر”
هنالك الحب عاطل عن الخضرة
الأسف يملأ نايي
الجسر وصل إلى أجفاني
المارة يتثاءبون
كل واحد منهمك يحجز له قبراً
العم وديع رحل ولم يحجز له قبراً
أخذوه إلى المقبرة على طريق بعقوبة
كان يضحك من العالم، ويدعو التراب إليه،
والعالم كله يمشي إلى سريره
أنا أشبه قارة، صديقي أدونيس
رصاصة البدو ثقبت حضارتي
مازلت أرى أصدقائي الشهداء
يحملون جثامينهم على أكتافهم
سيأتون الليلة
ويتزوجون من زهور حديقتي الأزلية،،،
***
ماتت من النخالة -مرتا-
وفاض بالبنفسج “بهجت”وامتلأ ألبوم العائلة بالعتمة
نقلنا نهارنا إلى مستشفى الزهراوي بالموصل..
لم يكن هناك الزهراوي
رأينا طاقم العمليات كله في غرفة الإنعاش
والتاريخ يكتب على سراويله مأتماً أخيراً،
علقت أحزاني في تعويذة الجسر العتيق
بكى دجلة طوال حياته على تعويذتي
تذكرت هنالك ـ أنكسارات الأسود
والأبيض في صورتي التذكارية،
تذكرت البطريرك في خريفه
نقله ماركيز إلى مستشفى المجانين في كوبا
رايت كوبا كلها في السيكار الغليظ الخاص،
كلما وضعته في فمي أصبت بالحمى
وامتلأ وجهي بحب الشباب،
العالم كله يسبح في نهر التايتانك
وأنا أغفو فوق مصطبة قرب كنيسة
ماركوركيس،
حتى يستيقظ الاب الشاعر يوسف سعيد
ونبدأ ترتيلة القداس الأخير..

*** *** ***
(1) طريق الشعب، العدد1، 7 آب 2004.
(2) ساحة وقوف الحافلات وسط العاصمة بغداد.
(3) الشورجة: سوق تجاري شعبي كبير وسط العاصمة بغداد.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى