أسامة كامل - الشاعرة التونسية فوزية العلوي... الريادة و أفق التجديد في الخطاب النسوي

لم أكن أعلم بوجود شاعرة كبيرة و متميزة و هامة لها حضور خاص و متميز في المشهد الشعري التونسي و العربي ، و إني لآسي حقا لأنني لم أتمكن من معرفتها أو التعرف على تجربتها الشعرية منذ سنوات ، و سأبقى ممتنا لليوم الذي عرفتها ، حيث أهدتني إسمها إنها الشاعرة فوزية محمود العلوي .
من خلال قراءتي لأوراق نقدية كتبت عنها و بعض ما توفر لي من صفحات أشعارها و قصصها ، حيث يؤكد النقاد في كتاباتهم بأنها تجيد العزف على وتري القصة و الشعر بنفس الرشاقة، أدركت بعض حقائق عن نتاجها الإبداعي و أيضا وقفت على نظمها الشعري و هو شعر إعتمد على المجاز و تنوعت فيه الإستعارات ، حيث ساعدها في طرح وجهات نظر هامة بشأن الحياة و التجربة الإنسانية .
تظل الكتابة شعرا كانت أو نثرا قوة نافذة الطرح و ذات فاعلية ديناميكية الأثر و التأثير و خزينة فكر المبدع كيفما كان نتاجه الإبداعي و بتفاوت فاعليته و تباين إفرازاته الذهنية المكتسبة من حصيلة استلهاماته من تجارب الآخرين و معارفهم.
و الشاعرة فوزية محمود العلوي منذء البدء كانت يقظة للتجارب العالمية و العربية الكبيرة ، و هي مثلها مثل بقية جيلها مشغولة بأسئلتها الخاصة حول ما يؤرقها كشاعرة منتمية إلى أمة مأزومة بالدين و التاريخ و لذلك لا تتردد في القول بأن السؤال عن ،جدوى الكتابة نفسها كان يشغلها حين تحاول ان تدافع عن كيانها الوجودي في وسط مجتمع ذكوري . لتؤكد بأن على الشاعر مهما يكن جنسه أو جنسيته و ظروفه وبرغم كل شيء عليه ان ينهض و ينتصب و ينفتح إلى أبعد من محيطه و خلف أيقونته الخاصة بعيدا عن التقليد و التقييد
في مجموعاتها تدفع فوزية العلوي بالقارئ إلى مناطق جديدة في خارطة الكتابة الخاصة بأسئلة الإنسان الكبرى المتماهية أحيانا مع وجوده و الغاضبة منه في أحيان أخرى . ليتساءل القارئ عن مدى شجاعة الجيل الشعري النسوي تحديدا في التعبير عن قلقه و اسئلته بكل ما تحمله من تشظ و جنون و لا إنتماء و ضياع. فلا يمكن أن يكون الشعر شعرا من دون إحساس و وجدان ..فمتى فشل الشاعرفي التعبير عن إحساسه و وجدانه توقف عن ان يكون شاعرا و فقد شاعريته.
يأتي بك الطمي
مضرجا ببخور اﻵلهة
وبما تبقى من عشبة جلجامش
أصابعك مازالت ممسكة بورق الورد
وبحبر في لون الدم
امراة ما حفرت على ظهرك احرفا
لا أحد غيرك يدرك مغزاها
فكيف اسالك وانت لا تصغي الي
وكيف أعلم الطريق الى كاهنك
كي يعمدك
وكيف تراي أوفي بعهدك
وقد اوصيتني؟
الانهار تبعث الحضارات
هكذا علمونا
والحضارات مشيدة على جماجم الموتى
والسنابل تلك
لا بد لهم من دم كي تزهر
من حفر هذا على بوابات المعبد
ومن يا ترى اوحى لعشتار
ان تضمخ غرة تموز
بكل هذا الرحيق الاحمر
نعشك الجميل مرفوع على اكتاف الشمس
ودجلة تلك مشغولة بغسل جدائلها
والنيل البعيد يزفر من أساه وبردى
الطيور الزرقاء تنشد ملحمتك
والاسماك فزعة ترسم دوواير في عنق النهر
كي لا ياكل احد في غيابك
وانا في دهشة الغسق
احاول فك طلاسم الحروف
ترى ماذا كتبت تلك المراة ؟
وكيف اوفي انا بالوعد؟
ربما خطت ما كنت رايته في منامي
هل لابد من الموت كي نحيى
هل لابد من الحب كي نموت
هل لا بد من هذه الانتثار
كي نصير باقة
ومن الظلمات كي
تتقد في افقنا الانجم ...؟.
الا رغن الشجي يواصل عزفه الرتيب
الخلجان تجدد ماءها
الطحالب تستحيل مواويل في قعر المحيطات
الرياح الموسمية
تنهض انت مضرجا ببهائك
تتلو على مسامع التاريخ
قصيدة كنا كتبناها معا .....
بيد إن الشاعرة فوزية العلوي استطاعت أن تنحت في قصائدها دروبا للمجاز يخرج الأشياء من بواطنها و ذواتها ليخرق القراءة العادية بعد تشكل الرموز عن حالة أو تجربة ناشئة عن مشاهدة ، و بذلك تكون بترجمانها الإنفعالي و كشف مستورها الشعري الغائر في جسد ذاتها و مكنونات حسها و بصدق التعبير و كسر رتابة الكتابات الأنثوية الخجلى بجرأة البوح ، و أنسا بإستثناءات العواطف البشرية الهادرة و إنتشاءات الأنثى الثائرة ،تكون قد طرحت موضوعات كونية -أي عامة على نحو مطلق- مما يدفع بالقارئ الى الفكر في امور الحياة حيث يلامس نظمها القلب و يعمق الأحاسيس و لعله يهدف إلى الإلهام أو التحفيز . و يقدر القارئ بدون شك أن يقف على رقة الحس و سمو العاطفة و المعرفة النقدية

بقي أن نذكر نبذة عن الشاعرة
ولدت فوزية محمود العلوي في تونس ولاية القصرين 1957 حاصلة على شهادة الماجستير في (نقد النقد) من كلية الآداب و العلوم الإنسانية بجامعة سوسي

* صدرت لها الأعمال التالية في الشعر
1997- برزخ طائر
2010- قربان الغياب
2012-حرة
و في القصة القصيرة
1995- علي و مهرة الريح
1999- الخضاب
2003- طائر الخزف
2004- حريق في المدينة الفاضلة
حائزة على العديد من الجوائز نذكر منها
1995- جائزة إمتياز في القصة القصيرة لملتقى نساء المتوسط بالتنسيق مع الكريديف بمرسيليا في فرنسا
1996- جائزة وزارة الثقافة للكتاب المطبوع
1999- جائزة زبيدة بشير
2001- الجائزة الأولى في القصة القصيرة من أندية فتيات الشارقة للمرأة العربية المبدعة عن مجموعتها (حريق في المدينة الفاضلة)

اسامة كامل - بغداد 12/4/2015....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى