د. نعيمة عبد الجواد - المسابقة..

وقف في الشباك ينتظر إطلالتها التي صارت رحيق حياته والمتنفس الوحيد بعد يوم عصيب مليء بهموم ومشاحنات العمل. وأخيرًا، بدأت نافذتها الخشبية القديمة تنفتح ببطء لتكشف عن ذراعين شديدي البياض لافتي النظر، وكأنهما مصباحين نيون متوهجين، يشع نورهما؛ ليغويه ويناديه أن يرتمي في حضن تلك الجميلة الناصعة البياض. وبعد أن ينجلي مصراعي النافذة عن ذاك الضياء الآدمي المتوهج، يبدأ ناظره يرتفع ببطء سالكًا طريقًا صار مألوفًا لديه، يبدأ من حافة النافذة، ليرتفع شيئًا فشيئًا من منطقة الصدر الناهد، وصولًا للرقبة الطويلة البيضاء، مرتفعًا للمُحيَّا الذي يُقْسِم أنه رائع الجمال كصاحبته. وأَخيرًا، يبدأ رحلته اليومية في الغوص في عيني تلك الحسناء، فهو تارة يُجْزِم بأنهما نجلاوتان، وتارةً أخرى يُقْسِم أنهما كحيلتنان. لكن ما عساه فاعلًا؟! فالمسافة البعيدة الفاصلة بين نافذتيهما لا تجعله يتبيَّن ملامحها التي يشعر بأنها ساحرة، وخير دليل على ذلك شعرها الأسود الكثيف التي تمشطه من حين لآخر وهي تطيل النظر في وجهه، وينفرج ثغرها بين كل فنية وأخرى عن ابتسامة لا يمكن أن تكون موجهة لأحدٍ آخر غيره؛ ففي كل مرة يلتفت حوله يجد جميع النوافذ إما مغلقة أو غير مُضاءة، ولا عجب في ذلك؛ فمن عساه يجافي النوم عينيه يوميًا لهذا الوقت المتأخر من ليالي الشتاء الباردة تلك؟! وما يسعده حقًا أن تلك الجميلة تشمر له عن ذراعيها وتكشف له عن بياض صدرها بملابسها الغير آبهة ببرودة الشتاء. “بالتأكيد، هي معجبة بي!” جملة يرددها يوميًا بعد أن يفرغ من طقسه المقدس المتمثل في انتظار تلك الفاتنة حتى تفتح نافذتها، وصولًا للحظة التي تغلقها بنفس الطريقة التي فتحتها بها، لقاء لا يستمر سوى لدقائق معدودة.

واستمر الحال على هذا المنوال و”أسامة” مغتبط بهذا اللقاء العابر الذي بات يُشْعِل مخيلته، ويملأ أحلامه بأسعد الأوقات على مدار أسبوع كامل. فمنذ أن انتقل لهذا الحي البائس منذ عشرة أيام لم يكون صداقات، ولم يقابل أي من الجيران؛ وأنَّى له ذلك وهو يؤوب في ساعة متأخرة من الليل بعد الانتهاء من دَوامِه الذي يستمر حتى الثانية صباحًا يوميًا، عدا يوم الجمعة من كل أسبوع. ولم يمكنه الحظ حتى الاختلاط بالبقّال أو بائع الخبز؛ لأنه يحضر كل متطلباته من الهايبر القريب من الكمباوند الذي يعمل به كموظف أمن.

لم يعد هذا اللقاء العابر كافيًا له؛ فهو راغب في المزيد. العواطف المُلتهبة على غرار الخمسينات والستينات، قد عفا عليها الزمن. لكم يتمنى أن يعلم اسمها، ويا حبذا لو عرف حسابها على الفيسبوك، أو حصل على رقم جوالها؛ فيرسل لها رسائل نصية كل صباح ومساء، ويقضيان طوال اليوم يتحدثان على الميسينجر!! أفكار باتت تسيطر على ذهنه في كل ليلة، وتدفع لديه الرغبة أن يذهب في هذا الوقت من الليل يطرق بابها ويأخذ منها ما يريده من معلومات. وعندما يستبد به الشوق، يُلْهِي نفسه بتصفح تطبيق الفيسبوك على جواله، فيضحك على النكات المبعثرة بين صفحاته، ويزور “الجروبات” التي اشترك فيها مؤخرًا، وخاصة جروب الأكابر هذا الذي يجمع شخصيات من كل حدب وصوب، ويتهافت على الاشتراك فيه نجوم المجتمع، وكأنه نادي للصفوة. وبعد أن يمتع ناظره كل يوم بصور الإناث الجميلات اللائي يفصحن عن هويتهن، وصور القامات الشهيرة من الذكور الطامحين في اصطياد فتيات جميلات لقضاء أوقات فراغ لذيذة معهم – يشكر “أسامة” حظه الرائع الذي مكنه من الاشتراك في جروب الصفوة، ولم يلحظ أحد أنه مجرد حارس أمن يتواتر عليه من هم على شاكلة هؤلاء المرفهين. فهو يراهم زمرة محظوظة هبطت النقود والنفوذ عليها من السماء وهم لا يستحقون ذلك. ويذكِّر نفسه دومًا أن الفارق بينهما هو الماديات فقط؛ فعندما يرتدي بزَّاته وملابسه الأنيقة يصير أفضل من أي واحد فيهم، بل أنه أيضًا يفوقهم أناقة. وجلَّ ما يُحْزِنه رؤيته لصور أعضاء الجروب يتنزهون سويًا، ويذهبون في رحلات اليوم الواحد. وكان يفطر قلبه أنه لو توافر لديه المال، لن يتوافر لديه الوقت. فيزفر بأسى على نفسِه! لكن في هذه اللحظة يتذكر معشوقته الجميلة التي تَنْتَشِله من الإحساس بالضياع، فيغلق جواله ويضعه على الطاولة المجاورة له، ويخلد إلى فراشه حاضنًا وسادته الحريرية التي تتراءى له وكأنها معشوقته، فيهيم في أحضانها ويقرر أن يجد سبيلًا للوصول إليها في اليوم التالي.

وبعد مرور أسبوعين، كان “أسامة” يحاول جاهدًا أن يزيد من فترات اللقاء، وفي كل يوم قبل النوم كان يلعن حظه العاثر الذي يجعله يغطّ في سبات عميق، ولا يصحو إلا قبيل موعد العمل بفترة وجيزة، فيهرول بكل ما أوتِي من قوة مسرعًا خارج منزله، لكنه لا ينسى يومًا أن يلقي نظرة حسرة على شباك معشوقته المُبْهَمَة مُمَنِيًا نفسه أن يجد وسيلة للاتصال بها، لكن هيهات!

لم يعد طيف معشوقته يداعب خياله ليلًا فقط ، بل صار يداهم أفكاره بالصباح أثناء الدوام، لدرجة أنه صار كثير الشرود؛ لأنه يفكر في وسيلة للقاء. وبينما كان يقلب في صفحات الفيسبوك، لفت نظره أن جروبه المحبب يعلن عن قيام مسابقة مجانية الحضور لجميع الأعضاء بجوائز قيِّمة، ولدخول المسابقة يكفي إرسال صورة شخصية مرفق بها الاسم والسن، وينتهي التقديم بعد ثلاثة أيام من إعلان المسابقة، ولسوف تكون حفلة الإعلان عن الفائزين في يوم الجمعة القادم.

تشجع أسامة وقرر الاشتراك، فهو يرى أن شبابه يؤهله للفوز، ولن يتكلف أي شئ سوى صورة حديثة. وفي اليوم التالي، قرر الذهاب للعمل بأفخم بزَّة لديه؛ حتى يلتقط له زميله صورة في أفضل مكان في حديقة الكمباوند الفخم، وكأنه أحد قاطنيه. وفي طريقه للخروج تذكَّر معشوقته، وتمنَّى لو تراه وهو في أبهى زينته، لكن لم تحبطه نافذتها المغلقة دائمًا، فلقد قرر أن يجد يجمع معلومات وافية عنها. فذهب للبقَّال المجاور؛ تحت ذريعة شراء علبة دخان، في حين كان مأربه جمع معلومات عن معشوقته تحت ستار الرغبة في معرفة المزيد عن جيرانه. لسوء حظه أخبره البائع أنه انتقل توًّا للعمل في هذا الدُكَّان، ويربكه أيضًا سكان الحي الغير ودودين. لكن أخبره أنه سوف يعلمه حال تنامي أي معلومة لمسامعه.

وسط المساحات الخضراء الشاسعة بالكمباوند، برع زميل “أسامة” في إلتقاط صور عديدة له، جعلته ينظر إليها متباهيًا بجماله الذي يذكره بنجوم هوليوود. أرسل “أسامة” أفضل إثنين منهم لمسابقة الجروب، وإن تمنَّى أن يرسلهم جميعًا لمعشوقته، أو حتى تراه وهو في كامل زينته وهو في طريقه للمنزل أو عند اللقاء الخاطف، لكن في تلك الليلة لم تفتح الشباك، على غير عادتها. أخذ ينزع ملابسه بتثاقل وكسرة نفس. وخلد للنوم وهو ينظر لصورته على الجروب المحبب له، ويفرح وهو يرى تزايد ضغطات الإعجاب والتعليقات المؤيدة له. ترك موبايله على الطاولة وأطفأ مصباح الحجرة، وأغمض عينيه. فأحس بأنفاس قريبة منه، ويد رقيقة تمرر أصابعها بين خصلات شعره، وصوت يهمس في أذنه قائلًا :”موعدنا المسابقة”. أصابه الفزع، وعندما أضاء المصباح المجاور لفراشِه، لم يجد أحدًا، فأجزم بأنه كان مستغرقًا في نومه، ثمَّ استدار ليطفئ زرالمصباح، فلمح فتاة ممشوقة سوداء الشعر ذات هيأة تشبه معشوقته وكأنها تخرج من باب الحجرة دون أن تفتحه. فسَّر المسألة بأن شدة تفكيره فيها جعلت عقله يجنح لتلك الخيالات الصيبيانية. أطفأ المصباح ونام وهو يعانق وسادته، متأكدًا أن شوقه العارم يقضّ سكينة مضجعه.

أثناء الدوام لم يفكر سوى في معشوقته، وفتَّ في عضده الإحساس بأن ما رآه وأحسه كان أوهامًا وليس واقعًا، لكنه أيضًا كان يقسم لنفسه ألف مرة أن ما أحسه كان حقيقة؛ فهو لا يزال يشعر بأنفاسها، وأصابع يدها الرقيقة التي تُمَرَر بين خصلات شعره كلما خلا إلى نفسه. وفي المساء، فتحت جميلته نافذتها في غنج؛ على غير عادتها بدأت بفتح أحد مصراعيها، ثم أطلت برأسها في دلال فانسال شعرها اللمَّاع من الشباك، وداعبت خصلاته نسمات الهواء الرقيقة. ثم فتحت مصراع النافذة الآخر سريعًا. وميَّزها تفغر ثغرها عن ضحكة جزلة أبت أن يكون لها صوتًا مسموعًا، وأشارت له بيدها، ثم نفخت له قبلة في الهواء وهي تغلق الشباك سريعًا، وكأن ما أقدمت عليه أربكها.

لم يشعر بنفسه إلا وهو يشهق من شدة الفرح، ويحاول ألا يكبت مدى تأجج شعوره. وصارت تموج به الخواطر: هل تعلم اسمه؟ لربما علمت حسابه على الفيسبوك؟ هل هي أيضًا مشتركة بهذا الجروب؟ هل رأت صوره، ومن ثمَّ لم تكبت مدى إعجابها به؟ انخرط في دوَّامة أفكاره، وفجأة وقع في سبات عميق، وتراءت له معشوقته في المنام، وهي تضحك له بجرأة وتؤكد عليه “المسابقة موعدنا.” استفاق من نومه فجأة وهو يشعر بأنفاسها بجواره، فتنهد بعمق ممنيًا نفسه رؤياها، وراح مغتبطًا في سبات عميق. استمرت مغشوقته في مداعبته بجرأة ليلًا عند اللقاء، وعند نومه في أحلامه، وصار طيفها العطر يلازمه، فتحولت أيامه لحدائق غنَّاء لا يرى فيها سوى معشوقته التي تملأ حياته، وصار ينتظر بفارغ صبر عودته للمنزل؛ حتى يلقاها.

عند ذهابه للعمل في يوم الخميس استأذن رئيسه في الانصراف مبكرًا اليوم، مدعيًّا أنه في صباح اليوم التالي سوف يسافر إلى قريته لظرف طارئ. لم يمانع رئيسه؛ لأنه موظف ملتزم وهذه المرة الأولى التي يطلب فيها الانصراف مبكرًا. انصرف “أسامة” في تمام التاسعة مساء، ووصل لشارعه البائس في تمام العاشرة. وقبيل دخوله للمنزل قصد محل البقالة لشراء جبن وعلبة دخان، ولما رآه البائع أخبره أن صاحب البقالة يأتي صباح كل يوم جمعة، وهو أحد سكان هذا الشارع منذ الطفولة، ومن ثمَّ، يمكن الاستفسار منه عن أي شيء. ضحك “أسامة” في قرارة نفسه؛ لأنه صار ليس بحاجة للاستفسار عن أحد، فلسوف يلقى غدًا معشوقته التي تهيم به، وجمعت معلومات وافية عنه، لدرجة أنها علمت حسابه على الفيسبوك.

صعد لشقته المتواضعة سريعًا وتناول عشاءه أمام نافذة حجرته لعل معشوقته تفتح شباكها في أي وقت. كان يراقب النافذة، ويخال له طيفًا يمر من وراء النافذة، لكنه كان أيضًا يشعر بأنفاسها الدافئة تحاوطه، لدرجة أنه شعر بأناملها تداعب خصلات شعره. فتأوه من النشوة وأرجع رأسه للوراء وهو جالس على كرسيه، وإذ به يرى وجهها ينظر له بشعرها الأسود المنسدل. جَفِلَ “أسامة” من المفاجأة، وثار على قدمه واقفًا مفزوعًا، لكن انفتحت النافذة في نفس اللحظة بقوة، وطلَّت حبيبته وقد رفعت شعرها هذه المرة عاقصة إياه فوق رأسها ليكشف عن جَيْد ناصع البياض ساحر، وارتدت فستان سهرة خلابًا. أمالت رأسها مبتسمة، وأخذت تشاور له بكلتا يداها بحماس، وهي تنفخ له قبلات في الهواء، وصوتها العذب يرن في أذنه ” المسابقة موعدنا”. أخذ يضحك بجذل كالأطفال، ويحاكي ما تفعله، إلى أن تنبه لصوتها الذي رنَّ في أذنه، واليدان التي لامست كتفه. جَفَل وهو ينظر خلفه، لكنه لم يرَ شيئَا. وقبل أن يفكر فيما حدث، وجد معشوقته تغلق نافذتها فشاور لها أن تنتظر، لكنها أشارت بسبابتها رافضة، ثم أخذت تشير بالإبهام لشئ خلفها، اعتقد أنه ربما كان والدها أو أخوها. بعد رؤيته لمعشوقته خلد لفراشه وأطفأ نور مصباحه، وإذ بيدٍ تربت عليه قائلة “المسابقة موعدنا”. أطلق صرخة مكتومة، وبسرعة وبيد مرتعشة أضاء مصباح الحجرة مستعيذًا من الشيطان، لكنه لم يرَ أحدًا. فسَّر أسامة أن ما يحدث له من خيالات مجرد ضغط نفسي ناجم عن السهر مطولًا، وعدم انتظام النوم، والرهبة من لقاء معشوقته غدًا.

خرج من منزله في تمام الساعة الثانية عشرة ظهرًا في كامل زينته متوجهًا لمكان اللقاء، وعند مروره بمحل البقالة ناداه البائع “انتظر يا أستاذ”، لكنه كرر باقتضاب “فيما بعد، فيما بعد”. آبَ البائع للدكان متعجبًا من موقف “أسامة”، وأخذ يحدِّث رجلًا متقدم في السن بجانبه.

ذهب أسامة إلى الحفل، كان في فيلا منعزلة قرابة دهشور، محاطة بحديقة كبرى. توقع أسامة أعداد غفيرة من الحضور، لكن العدد لم يتجاوز المائة. قابلهم صاحب الفيلا، وكان رجلًا خمسينيًا، بوجهه نُدبة لافتة، والطريقة التي يتحدث بها تنم على أنه أحد هؤلاء الذين كونوا ثروة بعد سنوات من الشقاء. أما زوجته البيضاء التي كانت تصبغ شعرها بلون أشقر فاقع، جاهدت أن تبدو راقية ومضيافة، بالرغم من أن البوفيه لم يكن يحتوى إلا على بعض الساليزونات المتواضعة والعصائر الغير طبيعية. بعد كلمات من التعارف، وبضع الأحاديث الجانبية التقليدية بين الضيوف، أعلن أصحاب الجروب عن الأسماء الثلاث الفائزين في المسابقة، وكانت الجائزة عبارة عن رحلة عشاء وإفطار فاخرة على متن يخت ضخم سوف يقل إليه الفائزين فور إعلان الأسماء، وأخذ يعرض صورًا لليخت الفخم وطاقم الخدمة الراقي. ثم أخرج ورقة صغيرة من جيبه وأعلن أسماء الفائزين، وكانوا رجليين وامرأة. وفوجئ أسامة أن اسمه واحدًا من تلك الأسماء، وقفز في خاطره أن لربما كانت الأنثى الفائزة معشوقته الحسناء. وقطع حبل أفكاره ظهور ثلاث سيارات ليموزين سوداء فارهة لتقل الفائزين في المسابقة إلى الميناء التي يرسو بها اليخت.

في الشارع البائس، إلتفت البائع في دكان البقالة للرجل العجوز قائلًا:

– سعدت بوجودك يا معلم. هذا الرجل الذي كنت أناديه كان يُلح عليْ أن يتحدث مع أحد على دراية بقاطني الشارع، لكنه مضى في طريقه مسرعًا.

– إلتمس له العذر يا ولدي لربما كان في عجالة من أمره.

– كان يسألني عن سكان هذا المنزل القديم . . .

أشار البائع إلى منزل معشوقة “أسامة”، وعلى الفور تبدلت قسمات الرجل البشوشة للأَسَى، وروى أن لهذا المنزل حكايه غريبة، ولا يسكنه سوى عائلة واحدة بالطابق الأرضي. فلقد كان يسكن في الدور الثالث سيدة جميلة، بيضاء البشرة، ذات شعر أسود كثيف. وفي نفس الطابق من المنزل المقابل (قال ذلك وهو يشير لمنزل “أسامة”) سكَن شابٌ فَتِيْ، أخذ يلاطفها إلى أن تزوجها. لم يعلم أحد وظيفته، لكنه كان ينفق ببذخ، ويحاول جاهدًا أن يبدو راقيًا، لكن الندبة التي في وجهة كانت منفرة لدرجة أن من يقابله لم يكن يَرى إلا إياها، وكان الجميع يتعجب كيف قبلت تلك المرأة الجميلة أن تتزوجه، وارتضت أن يغيب عليها لأيام دون أن تسمع منه، لكن في كل مرة كان يعوضها بما يحمله لها من هدايا كثيرة باهرة.

لكن ذات يوم حضر من غيبته ووجد زوجته ملقاة على الأرض غارقة في دمائها. هاج وانفجر باكيًا، وأحضر سكان الحي الشرطة الذين تبيَّنوا أن الزوجة قد سُرِقَت أعضاءها وبالتحديد القلب والكليتين والقرنيَّتين. تم تقييد الواقعة ضد مجهول، ولم يقرب زوجها الحي مرة أخرى. أما سكان المنزل، فغادروه واحدًا تلو الآخر؛ فهناك من يطلق شائعات أن شبح المرأة يظهر، وهناك من يشيع أن الجان قد فتك بها لشدَّة جمالها، وهناك فريق آخر يُقْسِم أن طقوس شيطانية كانت تقام في تلك الشقة لدرجة أن من يطيل البقاء على عتبتها ويسترق السمع للأصوات التي تصدر منها تعتل صحته، أو تصيبه حالة نفسية.

اندهش البائع بمحل البقالة، ولم يصدق أي من تلك الأقاويل السخيفة؛ فالجن والعفاريت يستحون حاليًا من شياطين الإنس ذوي الأفعال التي فاقتهم شرًّا.

في يوم السبت، لم يذهب “أسامة” للعمل كالمعتاد، وعندما اتصل به المشرف على الجوال وجده مغلقًا. أما البائع في محل البقالة، فلم يلمح “أسامة” مرة أخرى.

في يوم الجمعة من الأسبوع التالي، تناقلت الأخبار وصفحات الفيسبوك خبرًا مروعًا؛ فلقد تم العثور على جُثَتَيْ رجلين وجُثة وامرأة مضرجين بالدماء في الطريق الصحراوي المنعزل بمنطقة دهشور. وبالمعاينة تبيًّن أنه قد تم سرقة كليتي وقلب وقرنِيَّتَي كل واحد منهم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى