أ. د. عادل الأسطة - بوكر 2013: ساق البامبو للكويتي سعود السنعوسي

"ساق البامبو" هي الرواية العربية التي فازت بجائزة بوكر للرواية العربية لهذا العام، وهي بذلك تنضاف لروايات بهاء طاهر "واحة الغروب" ويوسف زيدان "عزازيل" وعبده خال "ترمي بشرر" ورجاء عالم ومحمد الأشعري "طوق الحمام" و"القوس والفراشة" وربيع جابر "دروز بلغراد".
مصر ومصر والسعودية، والسعودية والمغرب، ولبنان، وأخيراً الكويت.
واللافت في أكثر الروايات الفائزة، حتى اللحظة، تشابهها في البناء الفني، إذ يلجأ أصحابها إلى لعبة الإيهام.
"عزازيل" و"ترمي بشرر" وأخيراً "ساق البامبو". يبدأ يوسف زيدان روايته بمقدمة المترجم، ويوهم القارئ بأن روايته مترجمة (ص14)، بل وفي الأسطر الأولى من المقدمة: "يضم هذا الكتاب الذي أوصيت أن ينشر بعد وفاتي، ترجمة أمينة قدر المستطاع لمجموعة اللفائف (الرقوق) التي اكتشفت قبل عشر سنوات بالخرائب الأثرية الحافلة، الواقعة إلى جهة الشمال الغربي من مدينة حلب السورية..." (ص9). أما عبده خال، فيورد في ص385 من روايته عنواناً فرعياً هو "مقطع من جلسة سبقت كتابة هذا السرد" يأتي فيها على لقاء الشخصية الرئيسية في الرواية به وسؤاله: "أأنت عبده خال" (386)، ويقص طارق على عبده قصته، ويكتبها عبده. هل تختلف "ساق البامبو" في أسلوبها كثيراً؟
المؤلف الضمني لرواية سعود هو (جوزيه ميندوزا) ومترجم الرواية هو إبراهيم سلام أما مراجعتها ومدققتها فهي خولة راشد التي وقعت رغم ذلك بأخطاء نحوية تعد على أصابع الكفين. وتتصدّر الرواية صفحة تعرف بالمترجم، تتلوها صفحتان هما كلمة منه للقارئ، ثم الإهداء "إلى مجانين لا يشبهون المجانين.. مجانين، لا يشبهون إلاّ أنفسهم.. مشعل.. تركي.. جابر.. عبد الله ومهدي.. إليهم وحدهم" (ص13)، وهؤلاء سيكونون شخصيات ثانوية في الرواية لها صلة بـ (جوزيه) (عيسى راشد) الشخصية الرئيسية، بل والمؤلف الضمني لها، كما أن للمترجم صلة به، ولخولة، أيضاً. للمترجم حضور في الرواية، فهو على صلة بجوزيه، وللمراجعة والمدققة صلة، أيضاً، فخولة هي أخت جوزيه من أبيه الكويتي راشد.
الإيهام يكاد ينطلي عليّ شخصياً:
ليست الروايات الثلاث المذكورة هي التي لجأ فيها أصحابها إلى الإيهام، ولست الوحيد ضحيته. في العام 1997 نشرت إلكترونياً ما يشبه رواية عنوانها "خربشات ضمير المخاطب": يقدم لها الكاتب ويعلق عليها ويكتب ما سمعه منه منها"، وفي ص111 منها أوردت ملحقاً ذهبت فيه إلى ما كتبه الراوي/ المؤلف الضمني من قبل سفره، وأوردت أسفل الملحق "الكاتب: عادل الأسطة" (10/5/1997) وحتى اللحظة ما زال كثيرون يبحثون عن ذلك الشخص، وقد سببت لي لعبة الإيهام مشاكل عويصة، لو كنت أعرف خاتمتها ما بدأت بها.
وسيلفت نظري في روايات بوكر أن هناك روايات أخرى لجأت إلى الإيهام نفسه، فراوية "مديح الكراهية" لخالد خليفة امرأة، ومؤلف رواية بشير المفتي "دمية النار" هو صاحب المخطوطة، والمؤلف بشير هو ناشرها. ولا أزعم أنني قرأت الروايات العربية كلها لتتبع بدايات الظاهرة. وثمة قراء قالوا عن "عزازيل" إنها "شيفرة دافنشي" العربية.
كادت حيلة سعود تنطلي عليّ ما دفعني لأن أكتب "رواية غير عربية تفوز بجائزة البوكر للرواية العربية"، وكم كانت حيل أبي الفتح الإسكندري في مقامات بديع الزمان تنطلي على راويها عيسى بن هشام، كما كتب علي الراعي في كتابه "شخصية المحتال في المقامة والحكاية والرواية والمسرحية". هل أسلوب رواية سعود السنعوسي جديد كل الجدة ولهذا فازت بالمرتبة الأولى أم أن سبب فوزها يعود إلى موضوعها الذي طرقه المؤلف الحقيقي للرواية؟
بإيجاز شديد تأتي الرواية على علاقة الكويتيين ببعضهم وعلاقتهم بغير الكويتيين، خاصة الخدم الفلبينيين، وتعالج سؤال الهُويّة، وهو سؤال بدأ يطغى على الرواية العربية في العقود الثلاثة الأخيرة. تغدو الهُويّات قاتلة كما يذهب أمين معلوف في كتابه عن الحرب اللبنانية وما جّرته ـ بدا هذا السؤال، أيضاً، في رواية إلياس خوري (سينالكلول) التي حظيت بشرف القائمة الطويلة هذا العام ـ.
عيسى راشد أو جوزيه ميندوزا هو ثمرة علاقة بين راشد عيسى الطاروف وخادمته الفلبينية جوزافين. يتزوج راشد من جوزافين دون موافقة أمه غنيمة التي ترفض هذا الزواح وما تولّد عنه: عيسى، وتطرد ابنها من منزلها رغم أنه الذكر الوحيد، إذ ماذا يقول الناس في الكويت، والكويت صغيرة كل ما فيها يشاع، عن عائلة الطاروف، ومن سيتقدم لخطبة بناتها الثلاث نورية وعواطف وهند. وفي النهاية يرضخ راشد لأمّه، فتسافر جوزافين إلى الفلبين مع ابنها عيسى الذي يغدو جوزيه، ويتزوج راشد من إيمان وينجب خولة، وحين يحتل العراق الكويت يلجأ راشد الكاتب الروائي المثقف إلى مقاومة الاحتلال ويُلقى القبض عليه ويُقتل.
ستربي جوزافين ابنها عيسى على حبّ وطن أبيه، فهو آجلاً أم عاجلاً سيعود إلى الكويت وإلى أبيه، وهذا ما يحدث، لكن الجَدّة ترفض أن تعترف به علناً، وتلحقه بمنزل العائلة على أنه خادم فلبيني، لكن السر يشيع، وبقية من في المنزل من طبّاخين وسائق وخدم يعرفون القصة: قصة راشد وجوزافين وعيسى، ويكتشف الأمر. وفي النهاية سيغادر عيسى إلى الفلبين مع أنه كويتي. وفي الصفحتين 304 و305 يلخص علاقته بالكويت وموقفه من إشكاليته:
"ولكن.. الكويت.. كلما أحكمت قبضتي على طرف ثوبها فلتت من يدي.. أناديها.. تدير لي ظهرها.. أركض إلى الفلبين شاكياً.
كان من الصعب عليّ أن آلف وطناً جديداً. حاولت أن أختزل وطني في أشخاص أُحبّهم فيه. ولكن الوطن في داخلهم خذلني. خذلني موت أبي.. خذلتني خيانة غسان.. جدّتي وحبها القاصر.. ضعف عمتي عواطف.. رفض نورية.. صمت عمتي هند واستسلام أختي.. من أين لي أن أقترب من الوطن وهو يملك وجوهاً عدة.. كلما اقتربت من أحدها أشاح بنظره بعيداً" (304/305).
غسان هو صديق أبيه، وقد أحب هنداً ولكن أمها ترفض أن تنتهي العلاقة بالزواج، فغسان من "البدون" غير المعترف بهم كويتياً وهم كويتيون. وعمته عواطف ترأف به وتنظر إليه على أنه ابن أخيها الشهيد، ولكن نورية عمته تراه ابناً لخادمة، فماذا يقول زوجها، وجدّته.. جدّته تحسب حساب المجتمع ألف حساب. ولا يبقى أمامه، بعد أن ذاع سره، إلاّ مغادرة الكويت.
مثل "ساق البامبو":
العنوان نفسه يلخص مأساة جوزيه/عيسى، ويمكن فهم العنوان من خلال إعادة قراءة الصفحات 17 و63 و94 و217 و276/277 و383. في217 حين يدخل بيت جدّته الكويتية ويرى ما فيه يقول جوزيه: "بُثُّوا في داخلي شعوراً بالألفة، وإن بدا البامبو في غير محلّه في تلك المزهريات الفاخرة مثلي تماماً في بيت الطاروف". وفي ص383 يقول: "شعرت فجأة أن هذا المكان ليس مكاني، وأنني كنت مخطئاً لا بدّ حين حسبت ساق البامبو يضرب جذوره في كل مكان" ويتضح البعد الرمزي للرواية/ للعنوان في ص94: "لو كنت مثل شجرة البامبو، لا انتماء لها ـ لا يلبث الساق طويلاً حتى تنبت له جذور جديدة. تنمو من جديد.. في أرض جديدة.. بلا ماضٍ.. بلا ذاكرة.. لا يلتفت إلى اختلاف الناس حول تسميته.. كاوايان في الفلبين.. خيزران في الكويت.. أو بامبو في أماكن أخرى"، وهكذا نعود ونحن نقرأ هذه الفقرة إلى ص17 من الرواية لنقرأها من جديد. هكذا تفتتح الرواية بسؤال الهُويّة من خلال سؤال دلالات الاسم. الاسم أوّل محدّد للجنسية. هل ابتعدت هذه الرواية، أيضاً، عن رواية العراقي سنان أنطون "يا مريم" التي نافست هذا العام على الجائزة ووصلت القائمة القصيرة، فأتت على سؤال الهُويّة في العراق؟ ثمة رابط ما يربط بين "ساق البامبو" و"سينالكلول" و"يا مريم". الرواية شيقة وممتعة، وربما وجب أن أعود إليها ثانية لأُقارن بينها وبين بناء رواية عبد الرحمن منيف "شرق المتوسط" في جانب واحد. ربما.

أ. د. عادل الأسطة

2013-05-12

small_215269.jpg




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى