أمل الكردفاني- آيدولوجيا الكورونا

لا تستطيع الأنظمة (عسكرية او مدنية)، أن تحكم بلا آيدولوجيا. والحاجة إلى آيدولوجيا لكي تتمكن الحكومة من فرض وصاية فكرية وأخلاقية وسلوكية ما على الشعوب بغرض إيجاد تبرير للقمع ومن ثم السيطرة والضبط الاجتماعي بشقيه الرسمي وغير الرسمي، أي عبر قوانين تعبر عن النموذج الآيدولوجي الذي يطرحه النظام، شيوعياً، مسيحيا، أو إسلاموياً شيعياً او سنياً أو ليبرالية رأسمالية. في الواقع كانت الإمبراطوريات القديمة الفرعونية والصينية وغيرهما تختلق بدورها آيدولوجيات تشرعن لها السيطرة والقمع المبرر فكرياً، باعتبار أن الحقيقة عند الحكومة فقط وأن الحكومة وحدها التي تعرف ما هو خير للشعوب ومصالحها كما يفعل الأب مع طفله.
تمثل الكورونا اليوم آيدولوجيا حديثة جهزت للضبط الإجتماعي، واليوم يعاني الأوروبيون -أكثر من غيرهم- من عمليات ضبط شديدة الصعوبة. والشعوب الأوروبية تم ترويضها منذ قرون على عدم التشكيك في أقوال الحكومة، عبر الضخ الإعلامي عن الدموقراطية بحيث أن الحكومة دائماً تمثلهم وعبر تضخيم قدرات هذه الشعوب الخارقة على العمل ضد الطبيعة البشرية التاريخية وأيضاً عن طريق التمكين للقوة الرأسمالية المسيطرة على الإعلام.
يمثل الانترنت والفضائيات كسراً لتلك القوة. لقد بدأ العقل الأوروبي والأمريكي مؤخراً في التشكيك في قيمه الدموقراطية بل الدموقراطية نفسها كآيدولوجيا لم تكتمل بعد. بدأت كتابات المثقفين تزداد جرأة على نقد التاريخ والتموضعات الراسخة عن حقيقة التفوق الدموقراطي على الشعوب. بدأت عمليات نقد للدموقراطية ومدى تعبيرها حقاً عن الحرية عبر تطبيقاتها. بدأ التشكيك حول الإعلانات العلمية القديمة كالوصول إلى القمر، وبدأ التشكيك كذلك في العلم باعتباره حقيقة مطلقة، وظهرت فيزياء الكم لتزلزل بعض الثوابت العلمية القديمة. بدأت حالة ارتداد نحو الروحانيات، وأصبح هناك نقد مكثف لقيم النسوية الليبرالية..وغير ذلك من انقلاب على التعويم الدعائي للقديم.
كانت كورونا فرصة لاسترداد هذا الضبط الذي بدأ يتفكك بصورتيه الرسمية وغير الرسمية. في التسابق حول من يسبق من؟، جاءت الدول ذات الدكتاتورية المعلنة في المرتبة الأولى، فنجحت الصين نجاحاً باهراً، أما الدول ذات الدكتاتورية السفلية والتي كانت تسمح بقدر واسع من هامش الحركة، فقد فقدت السيطرة بسرعة، بريطانيا مارست ضبطاً رسميا عبر القانون من حبس وغرامات عالية، ولكن بعض الدول الاوروبية الاخرى كانت أكثر توازناً كألمانيا والسويد. وأمريكا خسرت الجولة بسرعة. أما الدول العربية فالكثير منها لم يهتم واهتمت بعض دول الخليج التي حاولت التماهي مع الطلبات الغربية المتشددة تجاه الكورونا. وكل من استجاب للبروباغندا الكرونية نال حظاً وافراً من الرعاية، في السودان حاول أكرم وزير الصحة السابقة ممارسة ذات التقييدات، لكن الشعب تذمر بسرعة، ومن بعدها وحتى الآن لا يوجد أي مظاهر ضغط في مسألة الكورونا، ولم يتساقط الناس صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية بسبب الكورونا.
تم دعم كل وسائل الإعلام وحكومات العالم لكي ترفع مستوى الشعور بالخطر. شمل ذلك قنوات كالبي بي سي التي بدأت تنقل الأكاذيب حول وفياة الكورونا، وتستخدِم وفاة البعض لتضخيم تأثيرات الكورونا. أتذكر أنهم جاءوا بقصة اسرة توفت إحدى بناتها بالكورونا، وقرأت تعليقات البريطانيين المتحسرة على الفتاة فعلقت متسائلاً: إذا كانت الكورونا جائحة لا تبقي ولا تذر، فلماذا التباكي على فتاة واحدة من ضمن الملايين، وإذا كانت الكورونا لا تقتل إلا القليل فهي ليست جائحة وإن كانت مرضاً قد يقتل في حالات استثنائية. تم استخدام موت المشاهير بكثرة، بل حتى الذين كانوا مشاهير ولم يعودوا كذلك. البارحة مثلاً جاءوا بقاتل متسلسل محكوم عليه بالمؤبد وقد مات بالكورونا. لا أحد يتذكر هذا القاتل، ولا أهمية أساساً لكونه مات بالكورونا ام لا. لكن تم حشو مسألة الموت بالكورونا حشواً واضح القصد ليستخدم ماضي الجاني في دعم آيدولوجيا الكورونا. قبل سنة توفي رئيس تنزانيا، وقد دبجت البي بي سي مانشيتاً عريضاً تتشفى فيه من موته بالكورونا لأنه كان يرفض الاعتراف بالكورونا. خدم هذا الخبر آيدولوجيا الكورونا ثم تبين بعد بحثي حول الامر أنه لم يمت بالكورونا. في الواقع كان رئيس تنزانيا قد عاقب شركات بريطانيا بضرائب مليارية، وكانت تلك الشركات تسرق كل احجار تنزانيا الكريمة وثرواتها ولا تدفع الضرائب. ويبدو أن المانشيت الكاذب قد ضرب عصفورين بحجر، دعم آيدولوجيا الكورونا من جهة والتشفي من الشخص الذي عاقب شركات بريطانية لصة. وربما حتى كان سبب ذلك المانشيت، هو صرف الانتباه عن حقيقة وفاة ذلك الرئيس بعد صدامه المباشر مع الشركات الأوروبية العالمية.
لا شك أننا لو بحثنا في إحصائيات الوفاة بالامراض لن تكون وفيات الكورونا هي الأكثر، فبعد السرطان وحوادث السيارات والمليارات في الدول الفقيرة، ثم أمراض أخرى، يأتِ بعدها الكورونا. وقد بحث الكثير ممن أعرفهم عن الحقيقة، بعضهم عبر الإحصائيات البسيطة، والمتوفرة عبر الانترنت والتي لم تثبت تغييراً كبيراً في عدد الوفيات المعتاد حول العالم. والبعض الآخر عبر البحث الموضوعي. شاهدت لقاء ترامب مع احد الصحفيين الذي اتهم ترامب بأنه لم يبذل المجهود الكافي (عملية الضبط الإجتماعي) لوقف انتشار الكورونا، فاجابه ترامب بأن الاحصائيات تم تضخيمها وأخرج ورقاً صادراً من جهة لم يذكرها، وهو بحسب منصبه قادر على الحصول بالفعل على المعلومات الحقيقية، ثم يبدو ان ترامب تعرض للتخويف فادعى بأنه أصيب بالكورونا لكنه خرج بعد اسبوعين ولم يكن قادرا على تمثيل دوره بإتقان فبدا أنه كان يكذب بشأن إصابته بكورونا، وتمت معاقبته لاحقاً لخروجه عن نص آيدولوجيا الكورونا، وكانت نهايته مليئة بالخزي.
يبدو أن هناك قلة ممن ماتوا بالكورونا وهم لم يكونوا مرضى بأمراض أخرى أنهكت مناعتهم كالسكري والقلب وخلافه، لذلك لم أجد احداً من ذويهم استطاع حسم سبب الوفاة.
صاحبت بروباغندا الكورونا مقاومة عبر مختلف شعوب العالم وتم تسريب العديد من الوثائق المناهضة لكورونا سواء من حيث حقيقته كفيروس تم تصنيعه، أم من حيث تأثيره القاتل أم من حيث كونه جائحة أساساً، وهذا هو بالفعل ما يحدث تجاه الآيدولوجيات، إذ يكثر حولها الجدل، لكننا لم ولن نشهد أبداً جدلاً حول الطاعون أو الدفتريا أو شلل الأطفال أو السرطان او فيروس زيكا أو جنون البقر او أمصالهم...الخ. لأن الإعلام حولها كان طبيعياً جداً فنال موثوقية الشعوب، أما الإعلام الذي يتجاوز الحد المعقول بحيث يقول رئيس وزراء بريطانيا: ودعوا أحباءكم..فهو بالتأكيد سيثير الغبار حول الحقيقة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى