عمر سيدي محمد - معجم الحسّانيّة: بَحْثُ كَلِمَةٍ من الحَسّانيَّة (3) المحظرة

(3) المحظرة

الاستفسار الثالث: ماهو أصل كلمة "اِلْمَحِظْرَة"
في الحقيقة لقد حاول كثيرٌ من المُؤلفين الموريتانيين التأصيل لهذه الكلمة مستندين على أن أصلها فصيح ولقد أبدعوا كما أبدعوا عند تأصيل اسم العاصمة انواكشوط، فمنهم من قال نوق الشطّ ومنهم من قال نياق الشط ومنهم من قال أنواق الشط فلم يُخرجوها عن الإبل وشاطئ المحيط الأطلسي.
والثغرة التي شابت هذا التّأصيل هو تجاهل أمر عظيم لايمكن التغاضي عنه وليس من الأمانة العلمية انتهاج ذلك ومن لايعرف عليه بالسّؤال ولو أنّ أيًّا منهم سأل أي عجوز من أهل الأرض لأعطتهم الخبر اليقين، ولو أنّهم رجعوا إلى كتاب إخبار الأحبار بأخبار الآبار للعلامة امحمد بن أحمد يوره الديماني رحمه الله لوجدوا أن معنى اسم العاصمة أشهر من أن يُجهل وهو بالحسّانيّة "بِيرْ أَگُشَاطْ" لقد كان من الأمانة العلمية التحرّي وبذل الجهد المطلوب.
والنص الذي أورده العلامة في تأصيل اسم العاصمة الموريتانية هو التالي:
انْواگشوط: أصله اِنواگُّشَظْ، وأَگُّشظْ بالبربرية من لا أذنان له ومقطوعهما، وهو البير الذي بَنَتْ الفَرَانِسَةُ عنده الآن. اهـ
ولم تسلم "اِلْمَحِظْرَة" من نفس علة عدم التّحرّي وبذل الجهد عند تأصيل هذه الكلمة بل نسي الباحثون الموريتانيون من المثقفين والأدباء قبل غيرهم أن دولة المرابطين قامت أساسا على تربية إسلامية برباط كان أعظم "مَحِظْرَة" في التاريخ عرفتها هذه البلاد المباركة. ونسي الباحثون أنّ الحسّانيّة نتاج عدة لغات وإن غلبت عليها الفصحى والصنهاجية لكنها تحمل مفردات كثيرة لشعوب أخرى من السودان كانت هنا قبل صنهاجة حيث كانوا يملأون هذه الأرض عمرانا غمرت الصحراء الكبرى كثيرا منه.
ونسي الناس أنه توجد في الحسّانيّة كلمة مطابقة لِلْمَحِظْرَة تحملان نفس الدلالة، حتى أن الشخص قد يبادل بينهما أثناء حديثه فتقول الأمّ مفتخرة متحدثة عن ولدها "أَرَاهُو هَنُّونْ شَوْرْ اِلْمَحِظْرَة" أو تقول "أَرَاهُو هَنُّونْ شَوْرْ اِلتّْلَاميدْ" ممّا هو معروف لدينا أن "اِلْمَحِظْرَة" و "اِلتّْلَاميدْ" كلمتان تحملان نفس المعنى ونفسى الدلالة إلا أن إحداهما مشتقة من فعل فنقول "يِتَّلْمَدْ" والمصدر "التَّلْمِيدْ" وهو "تَلْمِيدِي" وأصلها فصيح يَتَتَلْمَذُ تَتَلْمُذًا فهو تِلْميذٌ. وأمّا "اِلْمَحِظْرَة" فلا نقول فلان ئِمَحْظَرْ بل نقول: گاس المحظرة.
اِلْمَحِظْرَة هكذا تنطق بفتح الميم وكسر الحاء المهملة وسكون الظاء المعجمة المُشَالَة وفتح الراء المهملة على وزن اِلْمَفِعْلَة، وهكذا في الحسّانيّة كلمات كثيرة على هذا الوزن مثل اِلْمَدِرْصَة، المَجِبْنَة، اِلْمَجِمْرَة، اِلْمَدِيرَة، الخ
هكذا ينطق اسم المكان المُقترن بالتاء في الحسّانيّة وأمّا إذا لم يقترن بالتاء فهو يصاغ فصيحا في الغالب مثل مَنْزَلْ، مَشْرَبْ، مسْلَخْ، مَرْعَ عن مرعى، مَشْتَ عن مَشْتَى، الخ
والظاهر أن أصل الكلمة صنهاجي صرف لعدة أسباب جلية منها أن مؤدب الأطفال في لغة لمتونة المرابطين هو "آمحضار"
وجاء في معجم الأستاذ الكبير محمد شفيق
التلميذ = ئمحضر (ج) ئمحضرن
وأورد مُعْجَم أَماوال:
تلميذ، التِّلْمِيذُ = ئمحضر
في الختام علينا التصالح مع ذواتنا فنحن أفارقة ونحن صنهاجة ونحن عرب والحسانية نتاج لذلك كله علينا أن نكون أداة ربط قوية بين كل هذه الشعوب التي تجري دماؤها في عروقنا ونحن بذلك أهل خيمة واحدة.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى