أحمد القنديلي - توطئة لحالة الطوارئ.. شعر

توطئة:
رحيق السحاب
يدوس ثيابي
أئنُّ
وأمضي لشمس بعيدة
تمص رَذاذا
ترسّب غصبا
وأدمى مسامي.
أئنُّ
وقلبي يقارع صهدا عنيدا
تأذّى كثيرا
تأبّط كيرا
وألهب ناري.


حالة الطوارئ:
1 ـ ليلٌ أعمى
يلتوي حول أنفاسي
أفعى رقطاء
تصلُّ
تفتّ غبارا
يدوّخ أرجائي
من فيافي الربع الخالي
أتتْ
خلسة لتؤانسها سِنةٌ
تحت صخرتها
وانا أتوسّد صخرتها
ذائخا
من خوف ومن مخمصهْ.

2 ـ الآن
أنا ملتقىً للمتاهات
منفىً لمعتوه
يستبيح المفازات
بحثا عن نكهة للَّمس
وعن طعم بمذاق الذهول.
كيف تنجر من حولي الأشياء
دون أن تنجر تضاريسي؟
دون أن يسمع الأطروش تباريحي؟

3 ـ سيّدي:
الآن / هنا
لا أراك
أراك تغادر هذا الربع المهاجر
نحو الطلول الباهتهْ
يستعد قرارك للوثب.
ركبتاك الباردتان
متأهبتان.
شفتاك تجرّان فحوى الكلام
إلى فحوى الصمت الآسن.
ارحل
واسترح
استراحة قيلولة
يستريح الوقت الأجوف
في بهوها الداكن.
دعك من خربشات الأمور
فنحن شهود على وقت آفل
يأتي توا
حين نبرح هذا الحضور.
بعد صمت بهيم
سنأتي
لنشرب شايا مرّا
على الساعة الرابعهْ
ارحل
وابتعد عن خضراء الدِّمن.
الآن
أرى صفرة الوقت في وجنتيك
لا شيء تبقّى
سوى هذي اللحظة الطاحنهْ.
معطف صوفي
تخبئه
لشتاء لن يأتي
ما أروع زرقة روحك!
ما أروع الهيجان!
يدحوك الوقت الشقي
تدحوه.
كأنك أركانة
عانقت كينونتها
واحتفت بالرياح.

4 ـ ليل يزدري صاحبه
يتمنى لو يبقى
ليلا بغد أعور.
انتهى الوقت.
إن تأتي غدا يتها السيّدهْ
لن تُلفي غير رتاج رجّته الأرجل،
غطته رمال شواطئ مهجورة
لا بحر لها
وحدها الريح
تدرأه
نحو كل القفار.
من فيافي الغيب
أتيتُ
حاملا مقصلهْ
في فيافي التيه
أسير
أجر انكسارا
يبوح بجرح يسيل.

إنني
وأنا الملقى في غياهب
هذا الوقت القصيّ
جرّيني
إلى أفق قرمزيّ
يبعث النكهة المالحهْ
في مأدبتي الباردهْ.

5 ـ شبحٌ
يوصد الباب العتيق
ويغفو.
زبَدٌ
يصحو وينام
وأنا، خلف رابية سكرى،
دائخٌ
ليس حولي سوى
نوح ريح
وبوح جدار
تكسر لم يستطع
وقف وقت هجوم الرياحْ.
غيمٌ
يغزو قلبي
يغزو ما حولي
وما حول كلّ الموتى
ولا ماء
يأتي من جبل
أو عاصفهْ.
أيّ نبض
تبقى
بعد تحوّل هذا الدخان؟


6 ـ جسر معدني
من عظام رفاقي
تمطّطَ لي
كيْ أمر
من مدار الضيق وصمت الغيوم
إلى فسحة حبلى
بسحاب ينوح
ورعد يصيح
وريح تؤاخي
بين صدىً وصدى
كي يجيئ المطر.
جسري
من عظام رفاقي
تمطط لي
وانكسر،
انكسرت
انكسار دخان يشير
إلى نار
تشتهي
قطرة من ذُبالة شمعٍ ذريف؛
كي تحوِّل نسغ الرياحْ
من هواء
إلى أسطورة وقت
يدفئ أفئدة الموتى الشهداءْ
برذاذ شفيفٍ
وماءْ
من لم يشربه يتيهْ
يبقى في ردهة موت
يجر إلى ردهة النسيانْ.
جسري ملتقى الريح
أنت مستنقع الروح السكرى
أمواج تشكو من صلف الريح الصرصر العاتيهْ
تأتي من كل الجهات
لتشق صدور
طلول نأت
كي تقاوم جور الزمان وأهل الزمان.
جسري
مرتع للمعتوهين
من الشعراء
تقتات الأرضّة من استعاراتهم.
لمجازاتهم
لغة تستبيح بكارة كل الدوال
لغةٌ هاتكهْ
تلوي عنق الدالّ
الضالّ
الصعلوك
المهرّب للماء والرغبات.


7 ـ طلل يتهيأ للانحلال
حوله جوقة
تشدو للتباريح
ولكل عويل جريح
لها الحول
في كل عاصفه
تنثر النقع في كل زوبعة.
طلل
لا حول لهْ
جوقة لا حول لها
إلاّ باليباب
الذي يعوي
في ردهاته الخرِبهْ
وأنا بين الحول
واللا حول
أقيم
تقيم معي
أطياف شهود ساهرة
تستنفر أحشائي
كي أُغير.
أحيانا
أخلخل زلِّيج العتبهْ
أحيانا تَخلخلُ أضراسي
أحيانا
أُخلخل فلسفتي
علّي أشتري
من شقوق الأبواب
شِقّا يقود خطاي
إلى قبة القلعه.
طلل لا حول لهْ
وأنا لا حول لأنيابي.
الجوقة خلف الستار.
وأنا خلف الركح
خارج كل قناع
أنيابي على أهبة القفز.


8ـ طلل
يأوي صنما ومُعلّقة هرمهْ
حوله الريح
تعوي وتنوحْ
تستعيد حروفُ القرون
الموشّاة في فمه
سمفونيةَ الوقت الرابض.
هل ستبقى يا طللي البالي
واقفا خلف الأفق المقفل؟
طوِّحي يا رياحي
مفاصله النَّخِرهْ
فتّتي سجْع أحرفه
كيْ تفوح روائح روح الخراب الوديعْ
من خُنان خياشيمه المقفلهْ.


أحمد القنديلي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى