كان كل من في المنزل قد غادره إلى مكان ما للزيارة.. ولم يبق أحد سواي.. والدي ذهب كالعادة بعد الغداء إلى (المبرز)، ومنه سيذهب إلى الدكان حيث لن يعود إلا قرب منتصف الليل، وكنت أعرف أن أمي لن تعود من زيارتها لأقاربها إلى مساء الغد.
كنت وحيداً في المنزل.. حملت أمام الجميع كتبي وأغلقت على نفسي باب غرفتي، حيث ظن الجميع أنني استعد للامتحان النهائي لكلية عدن، ولم أكد اسمع صوت سيارة والدي تغادر الشارع حتى أسرعت وفتحت الباب، وجلست أنظر إلى الشارع.
الساعة تقترب من الثالثة، كل شيء هادئ، وشمس عدن تعذب الأرض بلهيبها.. السماء فارغة بلا لون.. نسيم يحقنه الإكفهرار.. وماتت الحركة في الشارع تقريباً. وفي أعماقي تتولد قوى مخيفة.. عيوني تحملق في الشارع بشراهة.. قذفت بكتب الكلية وتناولت رواية تتحدث عن حب رخيص، من خلال السطور كنت أشم رائحة اللذة التي يصنعها أبطال القصة.
أشعر بالحيوان في داخلي يمزقني.. كنت أعرف أن ستحضر بعد وقت قصير، ولهذا كان الريق يجف بحلقي، فأسرع إلى الثلاجة أعب من قوارير مائها البارد. خلعت كل ملابس ورحت أقطع الغرفة (بفوطه) حريرية خفيفة.. ومن وقت إلى آخر القي بنفسي تحت ماء الدش).
الشمس ترسل لعناتها ويمرح الشيطان في رأسي. أنني أردد مقطعاً في صفحة من الرواية الجنسية حيث كانت اللذة في أوج قمتها. كنت محروماً.. طافت برأسي صور قامات الراقصات اللاتي كنت أراهن في السينما، وأتخيل أجسادهن اللولبية في حركاتها الأفعوانية بجانبي، فأسرع إلى (الدش).
الساعة تقترب من الرابعة.. رأيتها تقطع الشارع إلى منزلنا، وخفق قلبي بشدة، وشعرت بالعرق، حلقي يجف. كانت دقات قلبي قد وصلت إلى فتحة فمي.. ارتجفت قدماي وأنا أسمع صوت أقدامها في الزقاق. كان على أن أتصرف بسرعة، لقد انتظرت هذه اللحظة منذ أن عرفت أن هناك حيوان يصرخ في أعماقي. لن أجد إذا فرصة أخرى.
فتحت الباب .. نظرت إليها .. كانت قد بدأت في مزاولة عملها المعتاد.. سمراء طويلة القامة، نهداها يتسربان من تحت ثوبها وقد أحنت قامتها.. وشعرها المفلفل يسبح تحت طبقة من الزيت، كان يتساقط على وجهها بعد أن نفحته أشعة الشمس وأذابته. وقدماها حافيتان.. شدت قميصها إلى ما فوق ركبتها فظهر ساقها المرمري الأسود يلمع وكأنه قد دهن بزيت. لا أعرف كيف القيت عليها التحية.. وأنا الذي يمر بجانبها كل يوم بغطرسة، دون أن يفكر بالحديث معها.. مع أن عيوني تلتهمها بشهوة – وردت التحية .. وشجعني ردها وابتسامتها الصغيرة.
-والدتي تريد منك أن تدخلي المنزل لإعطائك شيء ما .. ونظرت إلى عينيها.. كانت لا تصدق ذلك، خفت أن تشك في الأمر فأسرعت بالدخول وكان الأمر لا يعنيني تاركا الباب مفتوحاً.. سمعت صوت المكنسة وقد وضعتها على الأرض ثم رأيت ظلال جسدها على الباب، كانت لا تصدق أن تدعى لدخول منزل رجل غني.
-أدخلي.. أمي في المطبخ..
ومضت إلى المطبخ.. أقفلت الباب وذهبت وراءها.. كان الصمت مخيماً على المنزل. ومنذ دخولها، كانت رائحة جديدة تسيطر على المكان. رائحة عرق وزيت، ورائحة أخرى قذرة أثارت في الشبق. كنت أشعر بالحمى تكوي رأسي والعرق وقد نشف تماماً في وجهي. عيناي كانت تحملقان في ردفيها وهي تسير نحو المطبخ. شعرت بالحرارة تجري في عيوني والدم يتدفق في شراييني بقوة، كان كل شيء حولي أحمر. أحمر كالشهوة ورأيت أبطال القصة وهم يبتسمون لي، وأخيراً وجدت نفسي أمامها وجهاً لوجه في المطبخ، أنظر إليها بفم مفتوح.. وهي لا تزال تبتسم. قلت لها بصوت مرتعش:
-مالك .. أجلسي.
-فين ستي؟
-ستأتي الآن..
كان في المطبخ فرش على الأرض، رأيتها تنظر إلى الفراش كأنها لا تريد أن تلوثه، رغم قدمها، قلبي يخفق وقدماي ترتعشان، رأيت الشك في عينيها لكنها كانت صامتة.
-تشربي حاجة؟
لم تجب.. فتحت الثلاجة، أخرجت منها بعض المشروبات وقدمتها لها. وكان هناك أيضاً بعض الأكل.
-كلي..
-فين ستي؟
-مالك .. تني.. ذلحين باتجي.. لكنها بقيت واقفة. مضيت إليها، امسكتها من يدها.. وأخذتها إلى الفراش محاولا إجلاسها بالقوة. لكنها رفضت.
-أيش تشتي مني؟
-ولا حاجة.. كلي.
-شبعانة.
-طيب أشربي
-ما أشتي.
-طيب.. ملي.. أجلسي
-ليش؟
-بس.
واندفعت نحوها كحيوان أطبع القبلات على شفتيها الزنجيتين، كانت تحاول الهرب مني.. وكنت أقوى منها. حاولت جاهداً رفع ذيل ثوبها، رائحة أبطيها تثير شبقي، وكذا لون نهديها الأسمرين اللذين اندفعا من خلال فتحة الثوب فوق الصدر. سمعتها تهمهم بكلمات.. أعماني منظر نهديها فمزقت الثوب عند الصدر.
-مالك .. تجننت؟
لم أجب.. مضيت ألتهم نهديها بقبلاتي المتوحشة، تماماً كما يفعل أبطال القصة.. حاولت أن تتخلص من ثقل جسمي عليها ولكن دون فائدة. ملأت أنفي رائحة أبطيها، تمزق الثوب. ولم تكن تلبس أي شيء غيره، سمعت صرخة مكتومة..
-آه.. أوجعتني .. أوجعتني.. عادني بنت .. آه.. عادني بنت.. ملي استني. وكان كل ما حولي أحمر كالجمر المتقد. الشبق.. رائحة أبطيها.. نهداها في فمي.. عيناها تبحث عن وجهي والفزع يسيطر عليها.
خمدت ثورتي.. أنطفأ كل شيء فجأة.. شعرت بالقذارة في فمي.. ازكمتني. أحسست بالغثيان، كان الفراش قد امتلأ بنطف من الدم والفوطة الحريرية قد ارتمت بعيداً تحت الثلاجة.
ولاحظت نقطاً حمراء متفرقة بذيل قميصي الأبيض، كان ثوبها قد تمزق.. حاولت أن تغطي نهديها بيدها وهي تنظر إلى الأرض بفزع. الشمس ترسل أشعتها فوق رؤوس البشر.. سيارة تنطلق بكسل على أرض الشارع ونسمة قذفت للحظة بستارة النافذة في الهواء، لتعود الستارة إلى مكانها من جديد.
-مالك؟
لم تنظر إلي، كان وجهها صغيراً.. صغيراً.. ورأيت دموعاً على خدها، وعينيها السوداوين وقد غارتا بحزن صامت.. وكانت تنطلق نهدات من بين شفتيها أمسكتها من يدها، وقفت.. كأن شيء ما يمزقها.. والدم قد بلل ساقيها المرمرين.
-تعالي.. وسحبتها إلى الحمام.. ادخلي اتغسلي..
وقفت أمام باب الحمام تحملق في صمت. رحت إلى غرفتي وأحضرت لها منشفة.
-خذي اتنشفي.. الصابون فوق.. هناك.
كنت واقفة، لم تتبين ما الذي حدث حتى الآن. وجرجرت ساقيها وأنا أدفعها إلى الداخل. سمعت بعد قليل صوت (الدش) وأنا أتذكر ما حدث.. لم أكن أصدق كل ذلك.. لقد بدأ كل شيء وانتهى بسرعة، ولكن بقع الدم فوق الفراش وعلى أطراف قميصي يفضح كذب القضية. ودق سؤال في رأسي بعنف.. وإذا عرف والدي؟ أسرعت إلى الباب، كان مغلقاً بالمفتاح ونظرت إلى النافذة حيث كان كل شيء هادئ. السرر الممدودة على أرصفة تحت ظلال العمارات.. وناس يمضغون قاتهم وقد خيم الصمت عليهم، ونسمات رقيقة تعبر الشارع.. جبل شمسان بدأ يغطي جزء من المدينة في حين كانت شمس الساعة الخامسة تودع أشعتها الحارة، فوق مياه البحر.. وأغلق (الدش) رأيتها تخرج من الحمام.. شعرت بشيء ما يهتز في أعماقي.. كانت جميلة. عيونها واسعة كغابات أفريقيا، نهداها يتحديان قدرة الآلهة.. لونها الأسمر يميل إلى السواد هزني. في نظراتها انكسار وحياء، رسمت فوق وجهها الربيعي مئات من صور عذبة.. أوتار قلبي تدق. وقفنا ننظر إلى بعضنا والحياء يمزقنا. اقتربت منها، وبهدوء طبعت على خدها قبلة وسحبتها إلى غرفتي، كانت لا تزال بثوبها الممزق. ذهبت إلى غرفة أمي وأحضرت لها ثوباً لها.
-خذي.. ألبسي.
شهقت وهي ترى الثوب الحريري شبه الجديد.
-لا ما أشتي هذا..
-ليش. لم تجب.. ألقت نظرة صامتة على الثوب،، ثم علي.. سألتها.
-كم عمرك؟ فكرت ثم ردت:
-ما أعرفش.. يمكن أربعة عشر سنة. كان في هذا الحدود.
اقتربت نحوها..
-وأنت؟.. أجبتها بفخر من يعرف متى ولد: ثمانية عشر سنة راحت تفكر.. وأحضرت لها شيئا من المطبخ..
-فين راحت ستي؟
-زيارة..
-متين باترجع؟
-بكرة.. ثم قالت والحياء يحمر خديها.
-معاك ابره وخيط
-أيوه ليش.. وأشارت إلى ثوبها الممزق...
-أيش بايقولوا علي لما أروح كده؟ ورأيت شبح دموع في عينها.. عندما راحت تخيط الثوب، كنت التهم نهديها.. حاولت أن ترفع يديها لتخفيهما، اقتربت نحوها.. ضممتها إليَّ وقبلتها. ظلت ساكته.. غبنا معا على السرير..
-مالك .. أيش باتسوي؟ ولم أجب
-حرام عليك.. أوه وجع. وجع.. وخفت صوتها وكنا عاريين تماماً.
كانت السابعة عندما غادرت المنزل.. وعند بداية الشارع، رأيتها تلتفت إلى الشباك.. حيث وقفت ثم نكست رأسها ومضت، من البعيد كانت الشمس قد غرقت في البحر.. وخلفت دماء حمراء على بساط المياه.
بدأت عدن ليلها.. انطلقت السيارات وكثر الزعيق راح الناس يلتهمون الشوارع بعيون حمراء. كنت وقتذاك أغسل الأرض.. وقميصي الأبيض.
.
.
كنت وحيداً في المنزل.. حملت أمام الجميع كتبي وأغلقت على نفسي باب غرفتي، حيث ظن الجميع أنني استعد للامتحان النهائي لكلية عدن، ولم أكد اسمع صوت سيارة والدي تغادر الشارع حتى أسرعت وفتحت الباب، وجلست أنظر إلى الشارع.
الساعة تقترب من الثالثة، كل شيء هادئ، وشمس عدن تعذب الأرض بلهيبها.. السماء فارغة بلا لون.. نسيم يحقنه الإكفهرار.. وماتت الحركة في الشارع تقريباً. وفي أعماقي تتولد قوى مخيفة.. عيوني تحملق في الشارع بشراهة.. قذفت بكتب الكلية وتناولت رواية تتحدث عن حب رخيص، من خلال السطور كنت أشم رائحة اللذة التي يصنعها أبطال القصة.
أشعر بالحيوان في داخلي يمزقني.. كنت أعرف أن ستحضر بعد وقت قصير، ولهذا كان الريق يجف بحلقي، فأسرع إلى الثلاجة أعب من قوارير مائها البارد. خلعت كل ملابس ورحت أقطع الغرفة (بفوطه) حريرية خفيفة.. ومن وقت إلى آخر القي بنفسي تحت ماء الدش).
الشمس ترسل لعناتها ويمرح الشيطان في رأسي. أنني أردد مقطعاً في صفحة من الرواية الجنسية حيث كانت اللذة في أوج قمتها. كنت محروماً.. طافت برأسي صور قامات الراقصات اللاتي كنت أراهن في السينما، وأتخيل أجسادهن اللولبية في حركاتها الأفعوانية بجانبي، فأسرع إلى (الدش).
الساعة تقترب من الرابعة.. رأيتها تقطع الشارع إلى منزلنا، وخفق قلبي بشدة، وشعرت بالعرق، حلقي يجف. كانت دقات قلبي قد وصلت إلى فتحة فمي.. ارتجفت قدماي وأنا أسمع صوت أقدامها في الزقاق. كان على أن أتصرف بسرعة، لقد انتظرت هذه اللحظة منذ أن عرفت أن هناك حيوان يصرخ في أعماقي. لن أجد إذا فرصة أخرى.
فتحت الباب .. نظرت إليها .. كانت قد بدأت في مزاولة عملها المعتاد.. سمراء طويلة القامة، نهداها يتسربان من تحت ثوبها وقد أحنت قامتها.. وشعرها المفلفل يسبح تحت طبقة من الزيت، كان يتساقط على وجهها بعد أن نفحته أشعة الشمس وأذابته. وقدماها حافيتان.. شدت قميصها إلى ما فوق ركبتها فظهر ساقها المرمري الأسود يلمع وكأنه قد دهن بزيت. لا أعرف كيف القيت عليها التحية.. وأنا الذي يمر بجانبها كل يوم بغطرسة، دون أن يفكر بالحديث معها.. مع أن عيوني تلتهمها بشهوة – وردت التحية .. وشجعني ردها وابتسامتها الصغيرة.
-والدتي تريد منك أن تدخلي المنزل لإعطائك شيء ما .. ونظرت إلى عينيها.. كانت لا تصدق ذلك، خفت أن تشك في الأمر فأسرعت بالدخول وكان الأمر لا يعنيني تاركا الباب مفتوحاً.. سمعت صوت المكنسة وقد وضعتها على الأرض ثم رأيت ظلال جسدها على الباب، كانت لا تصدق أن تدعى لدخول منزل رجل غني.
-أدخلي.. أمي في المطبخ..
ومضت إلى المطبخ.. أقفلت الباب وذهبت وراءها.. كان الصمت مخيماً على المنزل. ومنذ دخولها، كانت رائحة جديدة تسيطر على المكان. رائحة عرق وزيت، ورائحة أخرى قذرة أثارت في الشبق. كنت أشعر بالحمى تكوي رأسي والعرق وقد نشف تماماً في وجهي. عيناي كانت تحملقان في ردفيها وهي تسير نحو المطبخ. شعرت بالحرارة تجري في عيوني والدم يتدفق في شراييني بقوة، كان كل شيء حولي أحمر. أحمر كالشهوة ورأيت أبطال القصة وهم يبتسمون لي، وأخيراً وجدت نفسي أمامها وجهاً لوجه في المطبخ، أنظر إليها بفم مفتوح.. وهي لا تزال تبتسم. قلت لها بصوت مرتعش:
-مالك .. أجلسي.
-فين ستي؟
-ستأتي الآن..
كان في المطبخ فرش على الأرض، رأيتها تنظر إلى الفراش كأنها لا تريد أن تلوثه، رغم قدمها، قلبي يخفق وقدماي ترتعشان، رأيت الشك في عينيها لكنها كانت صامتة.
-تشربي حاجة؟
لم تجب.. فتحت الثلاجة، أخرجت منها بعض المشروبات وقدمتها لها. وكان هناك أيضاً بعض الأكل.
-كلي..
-فين ستي؟
-مالك .. تني.. ذلحين باتجي.. لكنها بقيت واقفة. مضيت إليها، امسكتها من يدها.. وأخذتها إلى الفراش محاولا إجلاسها بالقوة. لكنها رفضت.
-أيش تشتي مني؟
-ولا حاجة.. كلي.
-شبعانة.
-طيب أشربي
-ما أشتي.
-طيب.. ملي.. أجلسي
-ليش؟
-بس.
واندفعت نحوها كحيوان أطبع القبلات على شفتيها الزنجيتين، كانت تحاول الهرب مني.. وكنت أقوى منها. حاولت جاهداً رفع ذيل ثوبها، رائحة أبطيها تثير شبقي، وكذا لون نهديها الأسمرين اللذين اندفعا من خلال فتحة الثوب فوق الصدر. سمعتها تهمهم بكلمات.. أعماني منظر نهديها فمزقت الثوب عند الصدر.
-مالك .. تجننت؟
لم أجب.. مضيت ألتهم نهديها بقبلاتي المتوحشة، تماماً كما يفعل أبطال القصة.. حاولت أن تتخلص من ثقل جسمي عليها ولكن دون فائدة. ملأت أنفي رائحة أبطيها، تمزق الثوب. ولم تكن تلبس أي شيء غيره، سمعت صرخة مكتومة..
-آه.. أوجعتني .. أوجعتني.. عادني بنت .. آه.. عادني بنت.. ملي استني. وكان كل ما حولي أحمر كالجمر المتقد. الشبق.. رائحة أبطيها.. نهداها في فمي.. عيناها تبحث عن وجهي والفزع يسيطر عليها.
خمدت ثورتي.. أنطفأ كل شيء فجأة.. شعرت بالقذارة في فمي.. ازكمتني. أحسست بالغثيان، كان الفراش قد امتلأ بنطف من الدم والفوطة الحريرية قد ارتمت بعيداً تحت الثلاجة.
ولاحظت نقطاً حمراء متفرقة بذيل قميصي الأبيض، كان ثوبها قد تمزق.. حاولت أن تغطي نهديها بيدها وهي تنظر إلى الأرض بفزع. الشمس ترسل أشعتها فوق رؤوس البشر.. سيارة تنطلق بكسل على أرض الشارع ونسمة قذفت للحظة بستارة النافذة في الهواء، لتعود الستارة إلى مكانها من جديد.
-مالك؟
لم تنظر إلي، كان وجهها صغيراً.. صغيراً.. ورأيت دموعاً على خدها، وعينيها السوداوين وقد غارتا بحزن صامت.. وكانت تنطلق نهدات من بين شفتيها أمسكتها من يدها، وقفت.. كأن شيء ما يمزقها.. والدم قد بلل ساقيها المرمرين.
-تعالي.. وسحبتها إلى الحمام.. ادخلي اتغسلي..
وقفت أمام باب الحمام تحملق في صمت. رحت إلى غرفتي وأحضرت لها منشفة.
-خذي اتنشفي.. الصابون فوق.. هناك.
كنت واقفة، لم تتبين ما الذي حدث حتى الآن. وجرجرت ساقيها وأنا أدفعها إلى الداخل. سمعت بعد قليل صوت (الدش) وأنا أتذكر ما حدث.. لم أكن أصدق كل ذلك.. لقد بدأ كل شيء وانتهى بسرعة، ولكن بقع الدم فوق الفراش وعلى أطراف قميصي يفضح كذب القضية. ودق سؤال في رأسي بعنف.. وإذا عرف والدي؟ أسرعت إلى الباب، كان مغلقاً بالمفتاح ونظرت إلى النافذة حيث كان كل شيء هادئ. السرر الممدودة على أرصفة تحت ظلال العمارات.. وناس يمضغون قاتهم وقد خيم الصمت عليهم، ونسمات رقيقة تعبر الشارع.. جبل شمسان بدأ يغطي جزء من المدينة في حين كانت شمس الساعة الخامسة تودع أشعتها الحارة، فوق مياه البحر.. وأغلق (الدش) رأيتها تخرج من الحمام.. شعرت بشيء ما يهتز في أعماقي.. كانت جميلة. عيونها واسعة كغابات أفريقيا، نهداها يتحديان قدرة الآلهة.. لونها الأسمر يميل إلى السواد هزني. في نظراتها انكسار وحياء، رسمت فوق وجهها الربيعي مئات من صور عذبة.. أوتار قلبي تدق. وقفنا ننظر إلى بعضنا والحياء يمزقنا. اقتربت منها، وبهدوء طبعت على خدها قبلة وسحبتها إلى غرفتي، كانت لا تزال بثوبها الممزق. ذهبت إلى غرفة أمي وأحضرت لها ثوباً لها.
-خذي.. ألبسي.
شهقت وهي ترى الثوب الحريري شبه الجديد.
-لا ما أشتي هذا..
-ليش. لم تجب.. ألقت نظرة صامتة على الثوب،، ثم علي.. سألتها.
-كم عمرك؟ فكرت ثم ردت:
-ما أعرفش.. يمكن أربعة عشر سنة. كان في هذا الحدود.
اقتربت نحوها..
-وأنت؟.. أجبتها بفخر من يعرف متى ولد: ثمانية عشر سنة راحت تفكر.. وأحضرت لها شيئا من المطبخ..
-فين راحت ستي؟
-زيارة..
-متين باترجع؟
-بكرة.. ثم قالت والحياء يحمر خديها.
-معاك ابره وخيط
-أيوه ليش.. وأشارت إلى ثوبها الممزق...
-أيش بايقولوا علي لما أروح كده؟ ورأيت شبح دموع في عينها.. عندما راحت تخيط الثوب، كنت التهم نهديها.. حاولت أن ترفع يديها لتخفيهما، اقتربت نحوها.. ضممتها إليَّ وقبلتها. ظلت ساكته.. غبنا معا على السرير..
-مالك .. أيش باتسوي؟ ولم أجب
-حرام عليك.. أوه وجع. وجع.. وخفت صوتها وكنا عاريين تماماً.
كانت السابعة عندما غادرت المنزل.. وعند بداية الشارع، رأيتها تلتفت إلى الشباك.. حيث وقفت ثم نكست رأسها ومضت، من البعيد كانت الشمس قد غرقت في البحر.. وخلفت دماء حمراء على بساط المياه.
بدأت عدن ليلها.. انطلقت السيارات وكثر الزعيق راح الناس يلتهمون الشوارع بعيون حمراء. كنت وقتذاك أغسل الأرض.. وقميصي الأبيض.
.
.