عمر حمش - الْوِنش

كان في حارتنا .. رأسُه ثقيلٌ أشعث، وكرشه زاده قِصَرا، إذا ما غاب؛ افتقدناه، وذهبنا جماعةً، نصيح:
- يا .. ونش.
أبوه يخرجُ بالشارب الكبير .. عيناه تقدحان؛ فنقفز:
- رَوْحوا، يا أولاد الكلب.
يغافلُه، ويأتينا، فنضربُ قفاه، ونقرصُ خديه الواسعين، وننتفُ شعرَه المتهدّلَ المتسخ، وهو يوزعُ الابتسامات:
- اسكتْ يا راجل.
خطونا إلى البعيد، تعمقنا في الأشواك، وعيوننا ترمقُ زهر الصّبار، وأرجحة الحساسين .. عبرنا البساتين إلى حيثُ يجلس الأفندية:
- نفرد لكم كوم الزبل تحت الشجر .. يا خال؟
كان كلُّ أفندي يقيسُ قاماتنا، ثمّ يهزّ طربوشه، ويحرّكُ عصاه:
- رَوْح أنت، وهو!
كانت جيوبنا فارغة؛ فصببنا على الونش غضبنا، صفعناه، وركلناه، وصعدناه مثل ضباعٍ، حتى باغتنا لهاثُ الكلاب .. كانت تشهر أنيابها، وتهزّ ذيولها، وكانت ظهورنا إلى السياج.
قلنا: ضعنا ورب الكعبة ..
همّت بنا؛ فأغمضنا، حتى أوقظنا صوت الونش .. رأيناهُ ذئبا؛ أصابه سعار .. قفز بخفةٍ إلى عمودٍ في السياج، وعاد بطلا رثّا .. كان يصيح، والعمود يهتزّ، ورأينا كيف نكّسَت الكلابُ؛ حتى طأطأت، وكنا نحملقُ، ونتتبعها كيف تفرّ .. كانت عينا الونش ليستا عينيه، كانت تتقلبان كعينيّ جنيٌّ .. انتظرنا، كم انتظرنا؛ حتى استقرتا؛ وفتحتا لنا الطريق.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى