وداد معروف - امرأةٌ بلا ظل!

لم تكن بي رغبة أبدا لحضور هذا الزفاف، لكن إصراره وإصرار أهله جميعا على اصطحابها معه؛ جعلني أصر أنا أيضا علي الحضور، ربما هناك سبب آخر أهم هو أني لا أريد أبدا أن ترافقه في سفر طويل ومناسبة مفرحة يتحرران فيها من وجودي، عرفت أن أمه استاءت جدا حين علمت أني سأشاركهم السفر، فرحتها بها واضحة لم تشأ أن تخفيها، ولأسباب عديدة ربما لأنها هي الأخرى حصل لها تحديث في مرحلتها العمرية السبعينية بانضمام زوجة ابن جديدة وشابة لمملكتها، ربما أشعرها أنها ما زالت حماة خمسينية، لم أكن أدري أنهم يحملون لي كل تلك الكراهية، والسبب الأهم شماتتها فيّ، أكثر من عشرين عاما وأنا معهم لم يصدر مني ما يحملهم علي ذلك، كان زواج حسين إيذانا بثورة قامت عليّ من أهله، أمه التي كشفت عن كراهية دفينة لي لم تستطع إعلانها إلا في مواقف متباعدة كانت تفتعلها هي وكنت أقابلها بالتغاضي، فيكفي أنه يعاملني بمودة وأنه لا يسمع لهمساتها في حقي، حسين يحبني نعم ...نعم يحبني، لكن حبه للأطفال أشد، هولا يمتلك تلك الروح الرومانسية التي تجعله يضحي بما يتمني من أجل من يحب، وإن كان الطبيب لم يجزم في حالتي ولم يخبرني أبدا أني غير قادرة علي الإنجاب، في الأخير وبعد توسلات وبكاء مني أن لا يفعلها؛ ها هو قد فعلها وقد اختارها مطلقة عشرينية كي يضمن أن تكون أرضه شديدة الخصوبة، أربعة أشهر مروا كأنهم أربعون عاما، عجيبة أنا في تعاملي مع تلك المصيبة التي حلت بي، كنت كالمكتوفة لم أهرب ولم أقاوم رفضت وما زلت لكني فضلت أن أعيش في ظله علي أن أفارقه لمجهول لا أعلمه، أقسي ما مر عليّ من كراهية أهله التي أماطوا اللثام عنها فظهرت بشاعتها، كان يوم أن عدت من عملي ثالث يوم تزوج فيه؛ كان قد اتخذ الشقة المقابلة لي مسكنا لزوجته الجديدة دخلت شقتي مهدمة فلي ثلاث ليال لم يرقأ جفني بنوم، تبعتني عروسه الجديدة وفي يدها لفافة، تحاول أن تتقرب مني وتتودد في كلامها معي، لكن الحزن الذى سكن روحي أكبر وأعتى من أن يعتليه إنسان. قالت : يا أبلة زارتني زوجة شقيق حسين وأهدتني هذا، فتحت اللفافة وبي كم من الدهشة عجيب، فردت ما فيها....قميص نوم أحمر قصير من الشيفون والدانتيل، هززت رأسي بحزن وصعد الدم لرأسي وحملت معي كل انكساراتي وظنوني الخائبات وذهبت لها، طرقت الباب، فتحت لي دهِشة فنحن في الظهيرة ولم أتعود أن أزورها في هذا التوقيت، أشارت لي كي أدخل، لم أستجب، قلت بصوت تسيل منه المرارة: إلي هذه الدرجة هنتُ عندكِ يا صفاء! كنت لي أختا طوال عشر سنوات، أيكون دعمك لي في أزمتي الممرضة أن تهدي شريكتي في زوجي قميص نوم ساخن هكذا أكان نذرا منك؟! إن هو فعلها أن تكون هديتك لعروسه هذا؟! وفردته مشنشنة به أمامها، تهتهت واصفر لونها ولم تستطع أن تجمع كلمة لترد عليّ، ظنت أن العروس ستكتم عنها ما فعلت، ونَزَلت أعدو علي سلمها وأنا أرتجف من الغضب، دخلت شقتي وأغلقت بابي عليّ واستسلمت لدموعي التي لم تجف يوما منذ أن تزوج، وها هو الغد سيجمعني بكل هؤلاء الكارهين، أأبتلع الكراهية ولا أبتلع الغيرة !! الغيرة عندي أقتل من كرههم لي! حضَرْتُ العرسَ واتخذتُ مكانا بعيدا عنهم؛ جلست، رافقني حسين طول العرس وترك عروسه لهم، قرأ وجوههم فلم يشأ أن يتركني وحيدة، عدنا إلى بيت عمه والد العروس، اجتمع أهله؛ أمه وإخوته وزوجات أشقائه وأولادهم وأهل بيت عمه وتبادلوا الضحكات والنكات وأنا وسطهم غريبة، ساعتها تجسد لي حرماني من الذرية كما لم يتجسد من قبل، شعرت أني شجرة تساقط ورقها، وقفت عارية وحيدة وسط الرياح والغيوم تحت دكنة السحاب الثقيل، ترتعد بردا ولا من يدفئها، بعد ما يزيد على عشرين عاما بينهم وحدي لا ظل لي، كل من تزوجن بعدي من إخوته وزوجاتهم يصحبن أبناءهم وأنا وحدي بصحبة شريكتي فيه، هذه المشاعر لم أمر بها من قبل، الرضا الذي عشت به تخلى عني هذه اللحظة، ربما ما أشعرني بأني دونهم أني كنت في غيابة ثلاثة جبب، جب الحزن وجب الغيرة وجب الكراهية. أطلقت أمه هذا السؤال بصوت عال فصيح: تدرون يا أولاد من أجمل من في العرس؟
تحيروا ونظرت لها بترقب ثم أطرقت، واختلف الحضور في تحديد من أجمل من في العرس، فأرادت أن توقف الحيرة وأجابت وهي تبتسم لي ابتسامة صفراء: أجمل من في العرس عروس حسين الجديدة، انظروا لعينيها العسليتين ووجهها الأبيض الجميل، هل أنا بكل تلك البلادة؟! أما زلت أجلس بينهم ولم أغادر؟! من يعيدني إلى بيتي لأبكي فيه وحدي؟! الساعة الثانية عشرة ليلا وبيني وبين بيتي سفر ثلاثمائة كيلومتر، من يعيدني إليه؟! إلي أين أهرب بوجهي من نظراتهم التي وجهوها لي بصمت، البيت ممتليء بالناس، كل الغرف فيها مدعوون سيبيتون، أين أذهب لأختلي بدموعي دون أن تعريني أمامهم ؟ أوشكَت أن تفضحني وتنزف، قمت إلي الشرفة لم تكن فارغة، كان بها بعض الثنائيات من المخطوبين في العائلة، يهمسون بحب، ويتناغون بعذوبة، الشرفة مطفأة الأنوار، وقفت في زاوية منها وحدي تطلعت للسماء ولقمرها المنير أذنت لدموعي بالهطول، ناجيت ربي كثيرا دعوته أن ييسر لي من يعيدني لبيتي، أن يعيد لي الرضا عن قدري، فدونه أنا عارية، وجاءت استجابته سريعا.
  • Like
التفاعلات: شنوف نادية

تعليقات

أعلى