إدريس الخوري : سقف العائلة

كل أب هو سقف مادي ومعنوي ، أما الأم فهي الظل الوارف تحت هذا السقف المربع والمستطيل ، في هذا البيت وذاك ، هما والآن ، غدا وبعد غد .
هو الأب الحنون ، القاسي ، الكريم ، البخيل ، الصارم ، المستبد ، المتجبر ، الذي يريد منا أن نكونه في المستقبل ، بينما الأم عبارة عن عواطف جياشة ، مسترسلة منذ الصباح إلى المساء ، وفي الليل تغطينا بعواطفها المتدفقة .
الأب هو السقف والأم هي الظل الممتد إلى ما لا نهاية وبينهما تتأرجح عواطفنا الطفولية وتثناثر حماقات صغيرة وكبيرة ، أما الموت فهو الحد الفاصل بين السقف والظل ، فأين الأب أيها الإدريس ؟ ليس هناك أب ، لقد مات بعد ولادتك ، كذلك الأم ، فأين الأب ؟
لم أره في حياتي على الإطلاق ، لا هو و لا أمي أيضا . لقد قيل لي من طرف أخينا الأكبر السي محمد ، إن اسمه علال بن علي ، أما أمي فإسمها الداودية بنت الفاطمي ، هي عائلة شعبية جد بسيطة قطنت درب غلف بالدار البيضاء في بداية الثلاثينات ، قادمة من بادية « قيصر « بالشاوية قرب مدينة سطات . لقد ولدت في هذا الدرب الشعبي المشكل من المهاجرين البدو ، القادمين من باديات أخرى ، هذا دكالي ، هذا عبدي ، هذا حريزي ، هذا شلح ، هذا مسفيوي ، هذا عرباوي ، هذا خنيفري ، هذا زناتي ، الآخر ملالي ، إلأخ ..
لم أرى أبي نهائيا ، كذلك أمي ، بل فتحت عيني على أربعة إخوة أنا خامسهم وبيننا أنثى شقيقة ، هذا هو سقفي العائلي ، الإخوان الكبيران مجرد عاملين في ميناء الدار البيضاء ، الاخ الثالث مجرد نجار عند أحد الايطاليين بالمعاريف ، الأخت الوحيدة خادمة عند النصارى ، وأنا آخر السلالة الداودية .
أين أبي ؟ لم أراه في حياتي قط ، إذ عندما ترعرعت ونموت ، قيل لي إن أباك قد مات وأنت طفل صغير ، لذلك كبرت في كنف أخي الأكبر السي محمد الذي تكفل بي مثل إبنه ، وعندما أصبح هو أبا لأطفاله ، وضعت أنا على الهامش من طرف زوجته الشريرة .

الكاتب : إعداد: مصطفى الإدريسي


بتاريخ : 02/07/2019




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى